بقعة ضوء على مشهد داخلي

زيور العمر

كل متتبع للمشهد الداخلي الكردي في سوريا , يدرك أن ثمة قحطا ً سياسيا ً يهيمن على المرحلة الراهنة .

فالحركة الكردية الممثلة باحزابها الحالية , أوصلت الحالة السياسية الى مستوى غير مسبوق من الضعف و العجز .

و حرصا ً منها على الإيحاء بوجودها , و التأكيد على أهميتها في مسيرة شعبنا , تحاول بكل الوسائل أن تصور الأنشطة الخجولة التي تقوم بها منظماتها في الداخل و الخارج , على أنها أنشطة مهمة و نوعية , بالرغم من المعطيات التي تشير الى العكس.


و لعل أكثر الأحزاب الكردية التي تتورط في هذه الصورة الإشكالية , هو حزب يكيتي الكردي في سوريا , على اعتبار أن رموزه كانوا يدعون , قيادة التيار المصعد , و المفعل للشارع الكردي .
فالحزب بدأ يعاني من شروخات عميقة في هياكله , و إنسحابات مؤلمة لمجموعات و شخصيات متقدمة من صفوفه منذ عدة أعوام , على خلفية الأصطفافات التنظيمية السلبية , و التحركات الكيدية و الضدية بين أعضاء الحزب من جهة, و الضغوط الأمنية على قيادته لتليين موقفها من جهة أخرى.

الوضع الناشئ في الحزب كان لا بد أن يؤثر على حيوية أفراده , و نشاط منظماته التي إتسعت في وقت من الأوقات بسبب بعض الأنشطة النوعية , التي ما لبثت أن تقلصت الى الحدود القصوى , كما شهدناها في الذكرى السنوية لإحياء ذكرى إستشهاد الشيخ محمد معشوق الخزنوي .


يكيتي الذي بدأ مشواره السياسي على أساس أن الأحزاب الكردية إرتضت بواقعها , و حسمت أمرها , وإختارت المهادنة مع النظام و سياساته , و إستسهلت على نفسها النكوص الأخلاقي , و الإنبطاح السياسي , لم يعد ذلك الحزب نفسه , بل فقد بريقه , و تراجع آداءه , و إنتكست سياساته , و تقلصت قاعدته, و إصطفت البقية الباقية من أفراده في مشاحنات تنظيمية مكشوفة و خفية ضد بعضها البعض , إضطر العديد منهم الى التراجع عن خوضها , بعد أن تكشفت مراميها , و الأهداف منها , و هي حرف الحزب عن مسيرته , و الطموحات و الأماني التي إدعى تمثيله لها .


و بدلا ً من أجراء المراجعة و التقييم , و قراءة المشهد السياسي الكردي في سوريا من جديد , في  ضوء السياسات و الممارسات العنصرية السلطوية الأخيرة بحق شعبنا , و عجز الحركة الكردية عن مواجهتا , بسبب إنهماك الجميع في تسعير الخلافات الجانبية , و إلهاء الشارع الكردي و جمهوره , بتفاصيلها السخيفة , إختارت قيادة يكيتي , و من يلف حولهم ,  الإنخراط في نهج التآمر و التواطئ مع ثلة من الأحزب الكردية , بهدف إغراق ما تبقى من أمل و طموح كردي , في المهاترات السياسية .
فهذه القيادة لم  تسأل و لا تثير أي تسأول حول أسباب إهتمام الأحزاب الكردية و تكالبها على نشاط متواضع لهيئة العمل المشترك في ألمانيا أمام السفارة السورية بمناسبة سنوية الشهيد الخزنوي , في الوقت الذي كانت تعمل فيه دائما ًعلى عرقلة و إجهاض كل نشاط جماهيري في الداخل.

و لماذا  كان كل هذا الإهتمام من قبل قيادة يكيتي , بصفة خاصة , على نشاط برلين ؟ سيما و أنها لم تكن تعير الأنشطة الجماهيرية في أوروبا أي إهتمام , جراء إنهماكها في كيفية تصعيد الجبهة الكردية الداخلية .

هل هو من قبيل تعويض إخفاقات الداخل , بأنشطة فقيرة محدودة و معزولة في الخارج , لإطلاق العنان لأبواق النفاق و المزاودة في الداخل كما فعلت الأحزاب الكردية الأخرى في السابق ؟ و نستطرد فنقول لماذا لم تتصل قيادة الحزب في السابق , بأوروبا , عندما هاجم شبان كرد غيورين و شرفاء السفارة السورية في العاصمة البلجيكية مرتين , واحدة  في أثناء الإنتفاضة الكردية المباركة , عندما إحتل النبأ كل الشاشات العالمية و العربية .

و الأخرى عندما أغتيل الشهيد معشوق الخزنوي ؟ و لما لم يتصلوا برفاقهم كلما عقدوا مؤتمرا ً في إحدى البرلمانات الأوروبية , و لم يطلبوا منهم حتى مجرد تقرير عنها , رغم أهميتها ؟ و لماذا لم يعبروا في أيام الحراك السياسي و الجماهيري عن أي تضامن مع الشبان الكرد , المضربين عن الطعام, لا عن طريق بيان , و لا من خلال إتصال تلفوني؟ ألم تكن تلك الأنشطة تنسجم مع متطلبات النضال الكردي في ذلك الوقت , و تصب في النبع الأساسي ؟
و عندما نقول لم يعد يكيتي  ذلك الحزب الذي عرفناه , لأن هذا الحزب إختار طريق التحايل و المزاودة .

فلم يكن مطلوبا ً من حسن صالح أن يحاضر على مسامع ثلاثين شخصا ً في بريمن , متحدثا ً عن النواقص و أوجه التقصير في سياسة و مواقف حزبه , و إنما كان حريا ً به , أن يخرج الى الشارع و يشرح لشعبه مصاعب حزبه و ضغوط أعداء شعبه , و عجز أقرانه من الأحزاب الأخرى .

فلم يعد يسمع الشارع شيئا ً عن أحزابه , إلا عبر صفحات الإنترنت , سواءا ً من خلال برقيات التعزية أو رسائل التهنئة أو إتصالات المباركة , و التي تنم كلها عن غايات مغرضة , معروفة النوايا و الخلفيات .
لا شك أن المؤتمر القادم ليكيتي سيشكل المحطة الأخيرة للقواعد الشريفة و الغيورة , لإسماع صوتها , و إستعادة سمعتها , و ثقة الجماهير بها .

فهذه القيادة لا تستحق قيادة الشرفاء و الغيورين من رفاق و أعضاء يكيتي.

و هم عندما فرطوا بفرصة سنحت لهم في المؤتمر الخامس لحسابات واهية , فإنهم مدعون للإستيقاظ و الحذر , المرة القادمة , و العمل من أجل رمي المستهترين و الخانعين و المتواطئين في قيادة حزبهم و من يعمل معهم الى مزبلة التاريخ.

18/06/2009

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نظام مير محمدي * حوالي ظهر يوم السبت الموافق 26 أبريل (نيسان)، وقع انفجار هائل في ميناء رجائي بمدينة بندر عباس في محافظة هرمزغان، والذي يُعد أحد أهم وأكثر المراكز التجارية حساسية في إيران، مخلفًا أبعادًا واسعة من الخسائر البشرية والمادية. وبينما لم تُنشر حتى الآن، وبعد مرور أكثر من 24 ساعة، معلومات دقيقة وموثوقة حول السبب الرئيسي للانفجار وحجم…

خالد ابراهيم منذ أربعة عشر عامًا، كان الأطفال السوريون يعيشون في مدارسهم، في بيوتهم، في أحلامهم. كان الحلم بالغد أقرب إليهم من أي شيء آخر. وكانوا يطمحون لمستقبل قد يحمل لهم الأمل في بناء وطنهم، سوريا، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من عزةٍ وكرامة. كان العلم هو السلاح الوحيد الذي يمكن أن يغير مجرى الحياة. لكن بعد ذلك، غيّرت الحرب…

اكرم حسين لطالما كان الكرد في قلب الجغرافيا الشرق أوسطية أحد أكثر الشعوب تعرضاً للتهميش والاضطهاد القومي، بالرغم من كونهم يشكلون ثاني أكبر قومية في المنطقة بعد العرب، ويملكون تاريخاً عريقاً وثقافة غنية ومطالب سياسية مشروعة في الاعتراف بهويتهم القومية وحقوقهم في الحكم الذاتي أو المشاركة العادلة في السلطة. في تركيا وإيران وسوريا والعراق، تكررت السياسات ذاتها: إنكار…

دلدار بدرخان لم يعد اليوم بالأمر الصعب أن تكشف افتراءات وأضاليل الجهات التي تحاول تزوير التاريخ وتشويه الحقائق كما كان في السابق، فما هي إلا كبسة زر لتحصل على كامل المعلومات حول أي موضوع أو مادة ترغب بمعرفته، ولم يعد الأمر يحتاج إلى مراجع وكتب ضخمة غالبيتها مشبوهة ومغلوطة، بل يكفي الاتصال بالإنترنت، ووجود هاتف بسيط في متناول اليد، وبرنامج…