الكرد في سوريا: بين الإقصاء الممنهج ووعود الخداع

إبراهيم اليوسف 

 

يتبدد كل تفاؤل بإمكانية أن يكون للكرد حضورهم الحقيقي في أية مرحلة سياسية جديدة في سوريا، بعد أن بات واضحاً حجم التواطؤ الإقليمي والدولي ضدهم. إذ لا يقتصر هذا الظلم على مايجري لهم ضمن الوطن،  حيث نجد ديمومة سياسات الإقصاء البعثية الممارسة بحقهم، بل تعدى الأمر إلى تحالفات إقليمية أعمق، تقودها تركيا وقطر، ضمن مشروع يستهدف الوجود الكردي سياسياً وديمغرافياً

إذ إننا وجدنا و منذ عقود، كيف تبنت الأنظمة السورية المتعاقبة سياسة إنكار الوجود الكردي، ليس فقط من خلال تغييب ذكرهم في الإعلام والصحافة، ولكن عبر سياسات ممنهجة استهدفت وجودهم على الأرض، بدءاً من مشروع الحزام العربي في الجزيرة، مروراً بالإحصاء الاستثنائي، وليس انتهاءً بحملات القمع والتهميش السياسي.

وكان حافظ الأسد، يرد عندما يُسأل عن الكرد، بكلام معسول يحمل وعوداً جوفاء، فيما كانت أجهزته الأمنية تنفذ أسوأ سياسات القمع بحق الكرد. وبدهي أن ابنه بشار الأسد، الذي تربى على الفكر البعثي العنصري، لم يكن أفضل حالاً، بل صرّح في أحد لقاءاته بأن “الكرد حول دمشق مثل قنابل موقوتة”، في تعبير صريح عن النظرة العدائية تجاه الكرد في سوريا.

وحقيقة، لم يكن النظام وحده في هذا النهج، فقد شكلت تركيا وقطر، منذ بداية العام ٢٠١١ رأس حربة في مشروع إقصاء الكرد. فقد مولت تركيا المرتزقة وسلحتهم لاحتلال عفرين، وسلّمتهم مفاتيح القتل والنهب في سري كانيي “رأس العين” وتل أبيض. لم يكن الهدف مجرد تغيير ديمغرافي، بل إبادة سياسية وثقافية، عبر ضرب أي إمكانية لنهوض الكرد بدورهم الطبيعي في مستقبل سوريا.

ومن المؤلم أنه يتم الآن تهميش الكرد في  المسارات السياسية التي يُفترض أنها تبحث عن حل لسوريا، بدءاً من تشكيل ما سمي “المؤتمر الوطني”، الذي تم إبعاد الكرد عنه بشكل متعمد، وليس انتهاءً بالوثيقة المتداولة بخصوص تشكيل اللجنة الدستورية التي لم تشهد تمثيلاً كردياً رسمياً عادلاً . حتى التسريبات الأخيرة عن التشكيلة الحكومية الجديدة تخلو من أي تمثيل كردي حقيقي، وكأن سوريا بلد بلا كرد، رغم أنهم ثاني أكبر قومية في البلاد.

تأسيسا على ماسبق نجد أن ما يجري ليس مجرد إقصاء عابر، بل هو استمرار لعقلية تنكر وجود الكرد، وتصر على تهميشهم سياسياً واقتصادياً وثقافياً. إن أي حل سياسي لا يأخذ بالحسبان الحضور الكردي الحقيقي لن يكون إلا إعادة إنتاج لأزمات الماضي، وسيظل الكرد في مواجهة خيارين: إما مقاومة الإقصاء، أو انتظار كارثة جديدة تطال وجودهم.

ورغم كل ما سبق فإنه لن يكون هناك أي استقرار في سوريا دون تمثيل الكرد بحجمهم الحقيقي، وليس وفقاً لرؤية دوائر الإقصاء التي تسعى لتقزيمهم وطمس حقوقهم.  رغم يقيني أن المستقبل السوري لن يُكتب من جديد دون أن يكون للكرد دورهم الكامل فيه، وأن كل محاولة لإنكار هذه الحقيقة لن تكون إلا هدراً جديداً للفرص، وإطالةً لعمر الصراع.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود   لطالما كانت الحرية، بمختلف تجلياتها، مطلبًا أساسيًا للشعوب، لكنّها في الوقت ذاته تظل مفهومًا إشكاليًا يحمل في طياته تحديات كبرى. ففي العصر الحديث، مع تطور وسائل الاتصال وانتشار الفضاء الرقمي، اكتسبت حرية التعبير زخمًا غير مسبوق، مما أعاد طرح التساؤلات حول مدى حدود هذه الحرية وضرورة تنظيمها لضمان عدم تحولها إلى فوضى. وفي العالم العربي، حيث تتفاوت…

إبراهيم محمود   بداية، أشكر باحثنا الكردي الدكتور محمود عباس، في تعليقه الشفاف والمتبصر” في مقاله ( عن حلقة إبراهيم محمود، حوار مهم يستحق المتابعة ” 11 نيسان 2025 “. موقع ولاتي مه، وفي نهاية المقال، رابط للحوار المتلفز)، على حواري مع كاتبنا الكردي جان دوست، على قناة ” شمس ” الكردية، باللغة العربية، في هولير، ومع الشكر هذا، أعتذر…

المحامي عبدالرحمن نجار   إن المؤتمر المزمع عقده في ١٨ نيسان في الجزيرة هو مؤتمر الأحزاب التي معظم قياداتها كانت تتهرب من ثوابت حق شعبنا الكوردي وفق القانون الدولي. وكانت برامجها دونية لاترقى إلى مصاف ومرتبة شعبنا الكوردي كشعب أصلي يعيش على أرضه التاريخية، وتحكم حقوقه القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وتتجلى في حق تقرير المصير!. وحيث أن…

قهرمان مرعان آغا يحصل لغط كثير و تباين واضح ، مقصود أو جهل بإطلاق المصطلحات القانونية والسياسية، فيما يتعلق بالشعب الكوردي و حقوقه القومية و وطنه كوردستان ، تحديداً في كوردستان الغربية/ سوريا . هناك حقيقة جغرافية طبيعية و بشرية و حدود سياسية بأمر واقع في كوردستان ، الوطن المُجزء و المُقسَّم بين الدول الأربع ، تركيا ، ايران ،…