عبداللطيف محمدأمين موسى
يُعتبر الحوار في مفهومه العام من الوسائل الهامة في تبادل الأفكار ووجهات النظر من أجل الخروج بصيغة توافقية تخدم الهدف الذي من أجله تم اعتماد الحوار. كما يُعد الحوار من المظاهر الأساسية التي تعكس الديمقراطية وحرية التعبير في البلدان التي تتخذ من التقدم والحداثة أساسا في تمكين الجميع من المشاركة الفاعلة في عملية البناء التي تتطلب الاعتماد على الخبرات والأفكار ومهارات الجميع.
إن طرح فكرة الحوار من خلال القرار الذي تم اتخاذه بتشكيل المؤتمر الوطني في سوريا، خلقت في البداية نظرة من الارتياح لدى الشعب السوري بكل مكوناته وتنوعه، للمشاركة الفاعلة في بناء سوريا الحديثة والتخلص من الديكتاتورية والظلم ومصادرة إرادة الشعب طيلة سنوات حكم البعث، واعتماد التشاركية والديمقراطية في بناء سوريا الحديثة من دون بشار الأسد عبر انعقاد المؤتمر الوطني السوري.
انعقد المؤتمر الوطني السوري وسط تطلعات كبيرة من الشعب السوري، لكنه برأيي جاء مخيبا للآمال في عدة جوانب، مما يثير تساؤلات حول جديته وقدرته على اتخاذ قرارات مصيرية تليق بنضال الشعب السوري وتضحياته ضد الديكتاتورية طيلة سنوات الثورة. تتجلى أبرز المظاهر السلبية في الشكل وصيغة انعقاد المؤتمر الحالية من خلال تهميش القوى الفاعلة، ولا سيما الشعب الكوردي في سوريا ممثلا بالمجلس الوطني الكوردي، وتجاهل إشراكه في اللجنة المنظمة للحوار وسط غياب واضح للكيانات والأحزاب التي مثلت الكثير من المكونات والأقليات والقوميات السورية، وكذلك وسط غياب للشخصيات والقوى التي كان لها الدور الأبرز في قيادة العمل الثوري والعسكري، مقابل حضور شخصيات لم تكن في قلب الأحداث أو لم تقدم شيئا يُذكر.
من المظاهر السلبية التي رشحت عن انعقاد المؤتمر الوطني في صيغته وهيكليته الحالية هو التمثيل غير المتوازن، ليكون المؤتمر انعكاسا غير حقيقي للتنوع السوري؛ حيث استمر تهميش بعض المكونات، وعلى رأسها الشعب الكوردي في سوريا، رغم دوره في الثورة الذي لا يستطيع أي كان تجاهله، عبر التضحيات التي قدمها الشعب الكردي، والآلاف التي هُجرت من سوريا واتخذت من مخيمات اللجوء في إقليم كردستان العراق ملجأً للأمان والاستقرار، وسط غياب حقه في تمثيل عادل ضمن أي حل سياسي.
تبرز سلبيات أخرى في انعقاد أعمال المؤتمر بصيغته الحالية، من أهمها إعادة تدوير الأسماء، وبدلا من تقديم وجوه جديدة تمثل إرادة الشعب، شهد المؤتمر إعادة إنتاج شخصيات فقدت ثقة الشارع، مما يعكس محاولات لاستمرار نفس النهج الفاشل. كما أن التوقيت ودلالات انعقاد المؤتمر في هذا التوقيت يثير تساؤلات حول أهدافه الحقيقية؛ هل هو خطوة نحو الحل أم مجرد محاولة لشرعنة واقع معين يخدم أطرافا محددة؟
كما أن تعمد عدم تقبل الاستشارة والمساعدة الدولية في تنظيم شكل وصيغة انعقاد المؤتمر الوطني السوري يُعتبر المعضلة الحقيقية، والتي برأيي ستضع شرعية الحكم الجديدة في سوريا على المحك، في ظل تجاهل حقيقي لكل المطالبات والمناشدات الدولية، والتي ستكون العرقلة الأساسية في منع رفع العقوبات الدولية عن سوريا، حيث ربطت رفع العقوبات أصلا بمسألة المشاركة الحقيقية لكافة المكونات والأقليات والقوميات السورية في بناء سوريا الحديثة.
تجاهل المساعدة والاستشارة الدولية، الذي عبر عنه الوزير الشيباني في خطابه، يُعتبر من السلبيات الأخرى لشكل انعقاد المؤتمر الوطني في سوريا. يُضاف إلى تلك المظاهر السلبية تكوين حالة من عدم الثقة بين المكونات والأقليات والقوميات والتنوع السوري مع منظومة وشكل الحكم وإدارة سوريا الحالية، من خلال التهميش المتعمد لهذه المكونات، ولا سيما الشعب الكوردي الممثل بالمجلس الوطني الكوردي في سوريا، واستبعاده عن اللجنة المنظمة لمؤتمر الحوار الوطني.
في النهاية، أي مؤتمر لا ينبثق من إرادة السوريين الحقيقية، ولا يعكس تطلعاتهم، ولا يعكس تنوعهم الحقيقي عبر الاشتراك في بناء سوريا الحديثة، لن يكون له أي تأثير على الأرض. بل سيبقى مجرد لقاء آخر يُضاف إلى سلسلة المحاولات الشكلية وغير المجدية التي لا تخدم سوى زيادة حالة الشرخ وعدم الوحدة بين السوريين، مما يؤثر سلبا على شكل إدارة سوريا المستقبلية دون بشار الأسد، ولن تكون بمستوى تضحيات الشعب السوري ومعاناته.