بيان في الذكرى السنوية الخامسة والثلاثين للحزام العربي الشوفيني

في الرابع والعشرين من حزيران يكون قد مضى أكثر من ثلاثة عقود على الذكرى الأليمة والموجعة ، ذكرى تنفيذ الحزام العربي العنصري الشوفيني ، حيث تم بموجبه استقدام المئات من الأسر العربية من محافظتي الرقة وحلب ، وتوطينهم في قرى على الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا وكردستان العراق في منطقة الجزيرة ، وبطول 380 كم وعمق 10-15 كم حيث بلغ عدد تلك القرى /42 / قرية نموذجية تتوفر فيها جميع عوامل الاستقرار ، إلى جانب قرى كردية محرومة من تلك العوامل خاصة بعد أن تم تجريد الفلاحين والملاكين في تلك القرى من أراضيهم التي عملوا فيها مئات السنين وورثوها أباً عن جد ، ويعتبر هذا المشروع الأغرب من نوعه في العالم حيث لا يمكن أن يخطر على بال أحد سوى تلك الأوساط الشوفينية الساعية إلى صهر المختلف قومياً بكل الوسائل حتى غير الإنسانية ولو كلف ذلك تشريد وتجويع ذلك المختلف من أبناء الوطن لا لشيء سوى أنه يتمتع بخصوصية قومية وثقافية مختلفة.
ولقد جاء تنفيذ مشروع الحزام العربي العنصري ليس لحل مشاكل عائلات وأسر غمرت أراضيها بمياه سد الفرات ، فكان هناك مئات الحلول  لمثل هذه المشكلة ، فكيف يمكن أن نصدق أنه كان حلاً لمشكلة ؟ وفي نفس الوقت أحدث مشكلة أخرى أكثر ضرراً ، حيث تسبب هذا المشروع بحرمان /17/ ألف أسرة كردية من أراضيها بشكل كامل إضافة إلى آلاف الفلاحين والملاكين الذين تم تجريدهم من القسم الأكبر من أراضيهم فكيف يمكن أن نصدق أن تحل مشكلة عوائل على حساب تجويع عوائل أخرى ، وتشريد أفرادها ؟
إن المعطيات على الأرض ، وطريقة توزيعهم ، وجغرافيتها ، كلها مؤشرات تؤكد أن للمخطط أهدافاً شوفينية ترمي إلى :
1- فصل أكراد سوريا (خاصة في منطقة الجزيرة) عن كردستان تركيا – العراق من خلال حزام بالعنصر العربي في محاولة لإنهاء التجانس سكانياً وقطع التواصل .
2- إحداث تغيير ديمغرافي في المنطقة من خلال توطين أسر عربية ، من سماتها زيادة التكاثر السكاني .
3- دفع سكان المنطقة من الكرد الذين تم تجريدهم من وسيلة عيشهم إلى الهجرة الاضطرارية إلى الداخل السوري او الخارج في مسعى متواصل لإحداث التغيير الديمغرافي المرسوم سلطوياً .
ولكن ورغم مرور هذه العقود على هذا المشروع العنصري اللاإنساني ، فإن أبناء شعبنا تمسكوا بقراهم ولم تنجح كل وسائل التجويع على حملهم على الهجرة من مناطقهم التاريخية ، ورغم مرور هذه السنين فإن الغمراويين لا يزالون يعيشون غرباء في المنطقة ، ولم ينجحوا في التكيف مع المجتمع لأن المجتمع بكل مكوناته رفض التعامل معهم بالشكل المطلوب ، فلا يزالون يعيشون في مجتمعات مغلقة ، بل إن معظمهم يسكنون في الرقة وحلب ، ويأتون أيام المواسم للحصول على جوائزهم المالية على حساب جوع سكان المنطقة
إن إجراء دراسة إحصائية واقعية محايدة وبشكل مفاجئ (أي بدون إعلام الغمراويين) سوف تؤكد أن غالبيتهم لا يسكنون المنطقة ولكنهم يستحوذون على خيراتها على حساب سكان المنطقة .
إننا في الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) في الوقت الذي ندين فيه هذا الإجراء الشوفيني العنصري ، وندين استمراره ، فإننا نطالب الجهات المعنية بإعادة الأرض إلى أصحابها الحقيقيين من كرد وعرب وآشوريي المنطقة ، وحل مشكلة الغمراويين من قبل الدولة (إن بقيت لديهم مشكلة) وليس على حساب عائلات وأسر أخرى ، وإنما من خلال تأمين السكن وفرص العمل لهم في المدن السورية الكبيرة (دمشق – حلب) وبالتالي سنسقط وصف الحزام العريي العنصري الشوفيني عن هذا الإجراء ، وإلا فإن استمراره هو استمرار للنهج الشوفيني ضد الكرد والذين باتوا يتعرضون إلى سلسلة متصاعدة من الإجراءات الشوفينية وكان آخرها المرسوم /49/ الكارثي الذي تسبب في هجرة شبه جماعية من المناطق الكردية والذي إذا استمر العمل به فقد يؤدي إلى نتائج وخيمة ، وجميع هذه المشاريع  تستهدف وجود الكرد كشعب وقضية وهوية ثقافية وخصوصية قومية .
هذه الإجراءات وإن ألحقت أضراراً كبيرة بالشعب الكردي إلا أنها في النهاية لن يكتب لها النجاح ، فالتطورات العالمية والإقليمية واتجاهاتها تؤكد على حقائق لم يعد بالإمكان القفز فوقها أو تجاهلها ، وهي أن تحترم الأنظمة والدول والحكومات حقوق الإنسان في دولها ، وأن تحترم حقوق الشعوب والقوميات المضطهدة ، ولم يعد بالإمكان إخفاء مظاهر الاضطهاد القومي التي تمارس بحق الكرد ، وباتت القضية الكردية في سوريا قضية وطنية بامتياز ، وذلك ليس فقط من خلال السعي إلى الحل الوطني لهذه القضية فحسب ، بل من خلال تبني العديد من القوى الوطنية والديمقراطية السورية وخاصة قوى إعلان دمشق الساعية إلى إيجاد حل وطني ديمقراطي للقضية الكردية ، بل باتت أيضاً القضية الكردية في سوريا محل اهتمام الرأي العام بشقيه الرسمي وغير الرسمي الأمر الذي يحتم على السلطات السورية العمل وفق مقاربة جديدة للتعاطي مع الشأن الكردي ، وذلك من خلال
1- إلغاء كافة المشاريع والإجراءات الشوفينية ، ومعالجة آثارها وتداعياتها .
2- إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في سوريا من خلال الحوار مع الحركة الوطنية الكردية ، على قاعدة الإقرار الدستوري بالشعب الكردي كشعب يعيش على أرضه التاريخية  .
وبذلك نجنب بلادنا من أية تداعيات قد يفرزها الاستمرار في إنكار وجود الشعب الكردي ، والاستمرار بالعمل بالمشاريع العنصرية المطبقة بحقه .

21-6-2009

المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا البارتي 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…