تساؤلات ولعلها مشروعة…!!

محمد قاسم

أحيانا أتساءل،عندما يتعرض الشباب الكرد -خاصة المثقفين والسياسيين منهم- إلى ضغوطات واستدعاءات أمنية..،ما هو الدور  الذي يفترض بالأحزاب الكردية –وزخمها الجماهيري- أن تقوم بها  في مواجهة هذا السلوك..؟!
فإن هؤلاء يُستدعون بسبب نضالهم من اجل الأهداف التي تتبناها الأحزاب في العموم، وإن كان النهج مختلفا، وهذه الأهداف هي:
 نظرة موضوعية وعادلة لقضية شعب مضطهد على أرضه وفي سياق دولته..
بالطبع هذه الأحزاب ليست قوة قادرة على التأثير المباشر على السلطات، ولكن..!
ألا يفترض بها  -على الأقل- أن يكون الحديث النبوي ملهما لمواقفها وسلوكها، حيال مثل هذا الأمر وغيره..؟
يقول الرسول (ص):” من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه،فإن لم يستطع فقلبه ؛وذلك أضعف الإيمان”
يبدو وكأن هذه  الأحزاب-أو بعضها- لا تتبع سلوك “أضعف الأيمان”أحيانا..
وهنا لا بد من شكر بعض المنظمات الحقوقية النشطة والتي تتابع هذه الحالات وتذكر السلطات بان بعض إجراءاتها تتخطى القوانين -من موقع المعرفة والخبرة الحقوقية، بل والحرص على حقوق الوطن والمواطن معا أيضا-..!
واعتقد أن على السلطات -في هذه الحال- أن تقرأ وتستمع أيضا -إلى ما تقدمه هذه المنظمات من تنبيهات..

وتعتمد منها، ما يعزز القانون وحقوق المواطن..فالوطن بلا مواطن  مكرَّم؛ لا كرامة له.

وذلك:
حرصا على: قانونية مسلكها..أولا..
وحرصا على سمعتها في التعامل مع مواطنيها في الداخل والخارج، ثانيا..
وبثا لنوع من الاطمئنان لمواطنيها أيضا..ومن ثم استقرار في المشاعر والحياة..
بل واستقطابا لمشاعر وقبول مواطنيها لها ، وبطريقة أفضل من أسلوب القوة التي تجاوزتها –كقيمة تعامل – البلدان المتقدمة مع مواطنيها –على الأقل-في تكريس القانون المعبر عن إرادة ممثلي الشعب -وليس المفروض بطريقة سلطوية لتمثل مصلحة الحكام فقط..!
القانون المشارك في صياغته كل القوى الفاعلة والمتخصصة في الوطن..وعبر آلية ديمقراطية، نزيهة.

فقد أثبتت هذه الإجراءات كفاءتها العملية في التغيير والتطوير دون تعريض الأمن والسلم الأهلي إلى ما يؤثر سلبا عليه.
 من جهة أخرى: كيفما نظرنا إلى الأمور..فإن أمرا واقعا جعل هذه السلطة مسؤولة عن مواطنيها مادامت في موقع قيادة الدولة -بغض النظر عن الموقف من مدى استحقاقها ..-
فالواقع له مقتضياته..- فإذا كانت حالات الاحتلال الكريهة عادة ، والغريبة عن الوطن،  تبقى مسؤولة عن مواطني البلد المحتل قانونا…!
 فكيف بها إذا كانت سلطة من واقع الوطن والشعب- بغض النظر عن مدى توافقها مع الإجراءات المشروعة قانونيا-أو تمثيلا صحيحا- في وجودها كسلطة، مرة أخرى- فليس هذا مجال الحديث.
ويفترض أن  نكون استراتيجيين في نظرتنا للأمور –حكاما وشعوبا- لا آنيين فقط.

ففي التاريخ القديم والحديث عبَر  لا ينبغي أن تغيب عن ناظرنا ..وتفكيرنا..!
وكلنا  -حكاما ومحكومين، مكوّنات مختلفة عربا وكوردا وسرينا وآشوريين وكلدانا وشيشانا و…الخ.- محكومون بالتعايش معا..شئنا أم أبينا، حتى نجد مخرجا يجمعنا على التفاعل الايجابي..وهنا الطرفان مسؤولان عن البحث عن هذا المخرج.
كل وفق ما يتمتع به من وعي ومن قوة..
لذا فالخير كله أن نتلمس ما يعيننا على ذلك..ولا نلجأ إلى ما يزرع الكراهية بيننا..جماعات مختلفة اثنيا أو دينيا أو طائفيا أو مذهبيا أو سياسيا..الخ.فالكراهية انفعال خطر على روح التعايش..لأن زرعه سهل ولكن اجتثاثه من النفوس ليس سهلا .
في الآونة الأخيرة، -وان كان إجراء دائما للأسف في حياتنا-صعّدت الأجهزة الأمنية من استدعاءاتها وإجراءاتها ..لا بالطرق القانونية التي نتمنى إتباعها دائما..
ولكن بطرق تستمد قوتها من قانون الطوارئ الذي يعده القانونيون باطلا..فضلا عن طول العهد به ..خارج ظروفه المفترضة.وأصبحنا لا نعرف عن كثير ممن اعتقلوا شيئا..!!
والسؤال:ألا يفترض بالأحزاب أن تمارس نشاطا من نوع ما –وفق أضعف الإيمان-على الأقل- فتتابع أخبار هؤلاء..وتحاول تفعيل ما لديها من تأثير –مهما كان-
لحث الأجهزة القضائية كي تأخذ مداها..!
أليس هؤلاء –بغض النظر عن كل شيء- من أبناء شعبها والذي يفترض أنها تناضل من اجل حقوقه..؟!
ومن جهة أخرى،لماذا تسارع  هذه الأحزاب -أو بعضها- إلى دعوات ،تحاول التضييق على حرية  التفكير والتعبير،فتتداعى إلى إجراءات تمنع ذلك..بحجج اقل ما فيها أنها ليست لا قانونية ولا مشروعة ديمقراطيا..!!
والديمقراطية لا تخلو من بعض نواقص..ولكن لم يوجد –بعد –البديل الأفضل عنها كما يقول المفكرون والفلاسفة وكل الذين قبلوا بممارستها كنظام تعامل في : الانتخابات واحترام حرية التفكير والتعبير والمعتقد ..وغير ذلك.
 وبدلا من التداعي إلى عقد اجتماعات بين الأحزاب لمحاصرة الكتاب وكتاباتهم – ومنع مواقع النشر أن تنشر كتابات المثقفين- وهي خطوة تبعث على الخوف…
فكأنما محاصرة  النظام للحريات لا تكفي؛ حتى تلجأ  بعض الأحزاب الكردية أيضا إلى مثل ذلك..؟!
إذا كان بعض المثقفين  –بحسب رؤيتهم –يتجاوزون الحدود قولا وكتابة ..فلم لا يفنّدون تجاوزاتهم، ويعالجون  انحرافاتهم بالقول والفعل مثلهم، وبالكتابة ومقارعة الحجة بالحجة،وكشف زيف ادعاءاتهم..-اذا وجدت-؟!
وهل لدى هذه الأحزاب أدلة يقينية على اتهاماتها ،أم أنها تستسهل الاتهام كما تفعل السلطات لكل من يختلف معها؟
.وإذا كانت تعطي لنفسها الحق أن تتهم من خلال منظور سياسي لهم،فلم يحرمون الآخرين هذا الحق..؟!
هل هكذا هي الديمقراطية التي تفهمها..؟!
وهي- هذه الأحزاب -ألا تقع في الخطأ أبدا..؟!
فهل ذلك يدعو إلى اتهامها أيضا وفق اجتهادات البعض..؟
أليس الخطأ (خاصة بشرية) لا يمكن كشفها ومعالجتها إلا بالتحاور والنقاش..؟!
ثم أين هي المعايير التي يمكن أن تعتمد في هذا؟
هل أوحي إلى بعضهم من السماء ، فلا يأتيهم الباطل عن يمين أو شمال..؟
وبعض هؤلاء لا يؤمنون بالوحي..!
أم أن “كل ابن آدم خطاء”و”خير الخطائين التوابون”الحديث.


إن هذه الدعوات إلى التضييق على التعبير والتفكير، لهي خطوة تصب في اتجاه خطير ضد الممارسة الديمقراطية.

وتكريس  كم الأفواه ..وهي لا تزال أحزابا لا تملك السلطة…فكيف بها إذا أمسكت بالسلطة..؟!!
 ولا ادري المدى  الذي تخدم هذه الدعوة ،الحرية التي تنادي بها  هذه الأحزاب نفسها، صباح مساء، وتتهم السلطات بالتضييق عليها…؟!!
 فإذا كانت مصلحة أشخاص أو أحزاب هي القاعدة في تحديد الحريات .فهذا يعني :  باي باي للمنطق…وباي باي للمعايير…وباي باي للمشتركات البشرية…!!
كل يصوغ مقياسه على مقاس مصلحته الخاصة -جماعة وأفرادا-..
وتتحول الرؤى والتقييمات إلى مجرد أحكام سياسية يطلقها من شاء، وكيفما شاء ..!
وهات يا صراع..خيّم بين ظهرانينا..!!
 تتداعى هذه الأحزاب –أو بعضها-إلى إيجاد طريقة تمنع الكتاب والمثقفين من إبداء آرائهم ما لم تكن ممالئة لهذه الأحزاب أو قياداتها ..بينما القابعون في السجون والزنازين  مكشوفي الظهر وفي العراء دون أن تفكر بالتداعي لعمل يحميهم ولو في مستوى “اضعف الايمان”..نداء..تصريح..بيان..محاولات..الخ.
 بل إني أتذكر –وأرجو أن الذاكرة هنا لا تخونني- إن بعض هذه الأحزاب تملصت عن الحديث عن الإشارة إلى  بعض أعضائها الذين سجنوا في أداء عمل حزبي ولم يحظ بمن يتابعه على طريقة “اضعف الإيمان” حتى ، إلا عندما أحرجت بإعلان غيرها من جهات ،عن سجنه ..وفي وقت متأخر..!
بل وهناك الكثير من الإجراءات السلطوية التي طالت الحق الكردي السياسي -بشكل أو بآخر..أيضا..ولم تنل حقها من المتابعة بذرائع –هي ذاتها ناتج أداء أقل من “أضعف الإيمان”
فأين هذا التداعي لمعالجة هذه القضايا الخانقة للكرد..بحماس يوازي حجم المأساة..؟!
ولا بد من  التأكيد أن هذا الكلام وغيره لا يعني تفتيت الأحزاب أو الانفضاض عنها بالرغم من أن هذه تهمة باطلة..!
بل هو- ربما- تأكيد على أن أهمية الأحزاب- كتنظيمات مهمة ومسؤولة- لا تزال قائمة، ولذا فهو ينبه إلى أهمية دورها..وضرورة أن تتداعى إلى تقوية اللحمة بين بعضها  بعضا؛ للوصول إلى “خطاب مشترك” يجعلها في موقع “الضغط السياسي”  وهو وسيلتها النضالية الوحيدة كما تكرر -هي ذاتها-  ذلك..!
وطبعا هذا التساؤل يوجه لكل العاملين في الأحزاب، كردية آو غير كردية..!
ففي النهاية كلها تدعو –كما تزعم –إلى مصلحة الوطن..!
والوطن  مملكة جميع مواطنيها أخيرا..حكاما ومحكومين،طوائف وأعراق ومذاهب..الخ.

فلا وطن لجماعة واحدة –حزبا كانت أم أثنية أم دينا أم …الخ..
ومثلما نطالب هذه الأحزاب بالكف عن  التداعي إلى التضييق على التفكير والتعبير،كذلك ندعو الكتاب –مستقلين ام منتظمين في أحزاب- –أيا كانوا- إلى الرقي بذواتهم في  أسلوب التفكير ،وفي أسلوب التعبير،بل وفي أسلوب تكوين شخصياتهم أيضا..
سؤال -أو أسئلة- تظل تومض حتى تجد لها جوابا يطفئ وميضها ..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…