إبراهيم اليوسف
تم تسريب تقرير قيصر في عام 2014 بوساطة مصدر سوري يحمل الاسم الرمزي “قيصر”، وهو منشق عن الأجهزة الأمنية السورية، وقد كان يعمل مصورًا في الطب الشرعي في الشرطة العسكرية التابعة للنظام السوري. هذا التقرير يُعد واحدًا من أبرز الوثائق التي فضحت الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان التي ارتكبها النظام السوري بحق المعتقلين والمعارضين السياسيين. ويحتوي على أكثر من 55,000 صورة تظهر آثار التعذيب الوحشي والقتل الجماعي للمعتقلين في سجون النظام السوري. الصور تمثل أدلة قاطعة على عمليات قتل ممنهج، وإعدام جماعي، وتعذيب بشع للمعتقلين الذين كان يتم اختطافهم من قبل الأجهزة الأمنية، وهي تشمل مشاهد بشعة لجثث مُعذبة وجثث أشخاص ماتوا جراء التعذيب أو سوء المعاملة داخل السجون.
وقد لعب تقرير “قيصر” دورًا حاسمًا في كشف حجم الانتهاكات والجرائم التي وقعت بحق المعتقلين السوريين في سجون النظام، حيث سلط الضوء على وحشية التعذيب الذي وثقته الصور التي أظهرت جثثًا تحمل آثار ضرب وتعليق من الأطراف، وصعق بالكهرباء، وحرمان من الطعام والماء. هذا التقرير لم يكتفِ فقط بتعزيز مصداقية شهادات الناجين، بل كان بمثابة أداة محورية لدعم جهود المحاكم الدولية التي استخدمته كدليل على الجرائم ضد الإنسانية، ما ساهم في دفع المجتمع الدولي لفرض عقوبات ومطالبة بمحاسبة المسؤولين عنها. كما أثار التقرير تحركات سياسية ودبلوماسية مكثفة، إذ أقنع حكومات عدة باتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه النظام السوري واستخدامه كوسيلة ضغط في المفاوضات. ومن ناحية أخرى، أثارت الصور والأدلة التي نشرها التقرير ردود فعل واسعة على مستوى الرأي العام العالمي، حيث أصبحت محور تغطية إعلامية مكثفة وموضوعًا أساسيًا في تقارير حقوق الإنسان، مما ساهم في رفع مستوى الوعي الدولي بشأن معاناة الشعب السوري وفضح حجم المأساة المستمرة.
تقرير قيصر يهزُّ كرسيَّ نظام الأسد:
شكل تقرير “قيصر” وثيقة محورية أثبتت الطابع المنظم للجرائم المرتكبة في سجون النظام السوري، مؤكدة أن هذه الانتهاكات لم تكن تصرفات فردية بل جرائم منهجية بتوجيه مباشر من أعلى هرم السلطة. الصور التي نشرها التقرير كشفت عن أن هذه الجرائم كانت جزءًا من آلية ممنهجة تستهدف المعتقلين السوريين. ساعد التقرير في زيادة الضغط على المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته، حيث رفع الوعي العالمي بضرورة محاسبة النظام على ممارساته الوحشية، ما أدى إلى اتخاذ إجراءات قانونية وفرض عقوبات اقتصادية، رغم غياب أي تحرك عسكري دولي.
كما ألقى التقرير الضوء على دور بعض العاملين في القطاع الصحي، حيث شارك أطباء بشكل مباشر أو غير مباشر في تسهيل جرائم التعذيب. بعض الأطباء ساهموا في إجراء فحوصات للمعتقلين لكنهم أسهموا أيضًا في تسهيل عمليات التعذيب، بل وشاركوا أحيانًا في تعذيبهم جسديًا، مما يضعهم في دائرة التورط في الجرائم ضد الإنسانية. هذا التواطؤ كشف عن طبيعة الانتهاكات التي جعلت السجون السورية أماكن للإذلال الممنهج. أصبح التقرير مرجعًا قانونيًا وشاهدًا على معاناة المعتقلين، ولعب دورًا محوريًا في تحريك ملفات دولية تسعى لتحقيق العدالة.
أطباء ومجرمون؟:
كما كشف تقرير “قيصر” عن التواطؤ الواضح بين الأطباء وأجهزة الأمن في النظام السوري. في العديد من الحالات، كان يتم تحويل المعتقلين إلى عيادات طبية داخل السجون لإجراء فحوصات جسدية، ولكن بدلاً من تقديم الرعاية الصحية المناسبة، كان الأطباء يكتبون تقارير مزيفة تدعي أن المعتقلين في حالة صحية جيدة، حتى في ظل تعرضهم لإصابات جسدية مروعة نتيجة التعذيب. كانت هذه التقارير تستخدم لتبرير استمرار التعذيب ومنع التحقيق في حالات المعتقلين.
وكان الأطباء في حالات أخرى، يمتنعون عن تقديم العلاج للمعتقلين الذين تعرضوا لإصابات بالغة بسبب التعذيب، سواء كانت كسورًا أو حروقًا أو جروحًا ناتجة عن الصدمات الكهربائية. أحيانًا، كان يتم إبلاغ الأطباء من قبل الضباط بعدم تقديم أي علاج، بل يُترك المعتقلون يعانون أو يموتون دون تدخل طبي. هذا يعد انتهاكًا صارخًا للمعايير الإنسانية التي تفرض توفير الرعاية الطبية لكل من يعاني من إصابة أو مرض.
في بعض الحالات، كان يُطلب من الأطباء إجراء فحوصات على المعتقلين لتقييم قدرتهم على التحمل بعد تعرضهم لتعذيب شديد، بهدف تحديد ما إذا كان من الممكن استئناف التعذيب دون التسبب في وفاة فورية. هذا التعاون مع أجهزة الأمن ساهم في إضفاء الشرعية على جرائم النظام.
منع التواصل مع المعتقلين
في سجون النظام السوري، كان يُفرض قانون غير مكتوب يمنع أي تواصل بين المعتقلين والحراس أو الأطباء. أي محاولة للتحدث أو طلب المساعدة كانت تُعتبر خرقًا للقوانين، وتترتب عليها عقوبات قاسية. كانت العقوبات تشمل الاحتجاز في زنزانة انفرادية أو تعريض المعتقلين لمزيد من التعذيب. وكانت محاولات المعتقلين للتواصل مع الحراس أو الأطباء تُعتبر خرقًا للقاعدة الصارمة التي تمنع التفاعل بين المعتقلين والموظفين. كما كانت بعض الحالات تتعرض فيها المعتقلين للضرب أو الحرمان من الطعام أو الماء لفترات طويلة.
كانت “المنفردات” تُستخدم كعقاب قاس للغاية، حيث يتم عزل المعتقلين في غرف ضيقة مظلمة، ومنعهم من أي تواصل مع الآخرين. وكان المعتقلون يُحرمون من الحصول على زيارات أو تواصل مع عائلاتهم، مما يخلق حالة نفسية قاسية. وإنه حتى” الطلبات” البسيطة مثل الذهاب إلى الحمام أو الحصول على الماء كانت تُقابل بعقوبات قاسية. كان المعتقل يُعاقب بالتحويل إلى الزنازين الانفرادية أو تلقي ضربات شديدة من الحراس.
وأخيراً فإن المعاملة الوحشية للمعتقلين تعدُّ جزءًا من سياسة منهجية تهدف إلى إرهاب الشعب السوري وإخضاعه- بشكل كامل- لنظام الأسد. التواطؤ بين الحراس، الأطباء، والسلطات العليا في ممارسات التعذيب كان يهدف إلى تجريد المعتقلين من إنسانيتهم. هذه الممارسات لم تكن مجرد خرق لحقوق الإنسان، بل تجسيد للتعذيب الممنهج الذي يعاني منه المعتقلون في السجون السورية. آثار هذه الانتهاكات كانت مدمرة على المعتقلين وعائلاتهم، وشكلت جزءًا أساسيًا من آلة القمع التي يستخدمها النظام السوري في محاولة لبقاء حكمه، بغض النظر عن العواقب الإنسانية الكارثية.
*خلاصات ونتاج صورة انطباعية و مصادر ومراجع أنترنيتية متعددة معدة!