واشنطن وطهران: ماذا لو أخفقت المفاوضات الدولية؟

سامي شورش

هل يصح وصف الأيام القليلة المقبلة التي تفصلنا عن بدء الحوار الدولي مع إيران (الأول من أكتوبر) المقبل، بأنها فترة هدوء تسبق عاصفة عاتية في أفق الخلافات الأميركية الإيرانية التي تتعقد بشكل مخيف؟ المتفائلون يردون على سؤال كهذا بالقول إن إيران التي بدأت تتخذ مواقف أكثر واقعية ومدعاة للتفاهم، قد تنجح في جولة المفاوضات المقبلة في تطمين الدول الغربية إلى أن برامجها النووية لا تحمل طابعا عسكريا.

لكن المتشائمين يركزون على ضرورة شروع أميركا في رسم منظومة متكاملة من السياسات إزاء إيران تحسبا لإخفاق المفاوضات الدولية في إقناعها بوقف برامجها النووية.
في الواقع، لم يصدر عن الإدارة الأميركية أي ملمح رسمي إلى الصورة التي يمكن أن تكون عليها مواقف واشنطن في حال أخفقت مفاوضات أكتوبر في لجم التطلعات الإيرانية لامتلاك أسلحة نووية.

لكن تقارير غير رسمية نشرت في الآونة الأخيرة في الولايات المتحدة، بدأت تحض إدارة الرئيس باراك أوباما على درس احتمالات السياسة المستقبلية لأميركا.

في هذا الخصوص، رأت تلك التقارير أن مصالح الولايات المتحدة تقتضي الإسراع في فرض عقوبات مشددة على إيران، إضافة إلى التلويح بإمكان اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية لمنعها من امتلاك القدرة على صنع قنبلة نووية.


يشار إلى أن تقريرا أعده معهد أميركي للدراسات السياسية رأى أن العقوبات إذا لم تقنع طهران بوقف برامجها النووية، فإن الإدارة الأميركية مدعوة للبدء في اتخاذ سلسلة إجراءات تتعلق بضربة عسكرية دولية بقيادة الولايات المتحدة ضد المنشآت النووية الإيرانية.

فإيران، بحسب التقرير الذي كتبه باحثون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي وقادة عسكريون أميركيون متقاعدون، قد لا تحتاج سوى إلى عام آخر للحصول على قدرة تؤهلها لإنتاج أول قنبلة نووية.

في هذا السياق يؤكد المعهد في تقريره أن التطور المرتقب في حال تراخت واشنطن عن اتخاذ موقف متشدد إزاء إيران، هو أن تلجأ إسرائيل إلى توجيه ضربتها العسكرية إلى المنشآت الإيرانية.


في المقابل، يبدو أن طهران تنتهج سياسة خاصة بها لمنع أميركا من اللجوء إلى الخيار العسكري ضد منشآتها.

جوهر الموقف الإيراني يتلخص في جهود حثيثة تبذلها طهران لتصعيد الحرب في أفغانستان، إضافة إلى تصعيد الهجمات الإرهابية في العراق ووضع مزيد من العراقيل أمام عمليته السياسية.

في قناعة طهران أن انشغال واشنطن بالملفين العراقي والأفغاني كفيل بمنعها من التفكير في تنفيذ أي هجوم عسكري.

بل وكفيل بدفع الأميركيين إلى ممارسة كل الضغوط على إسرائيل بغية منعها من شن هجمة منفردة على المنشآت النووية الإيرانية.

فأوباما الذي وصل إلى البيت الأبيض محمولا على انتقادات مريرة وجهها إلى سياسة سلفه الرئيس السابق جورج بوش القائمة على مبدأ الحروب والخيارات العسكرية، لا يمكن، في قناعة طهران غير المعلنة، أن يزج نفسه وبلاده في متاهة حرب جديدة مع إيران.


استنادا إلى التقرير الأميركي الذي استمد المعلومة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، نجحت إيران في رفع إنتاجيتها لليورانيوم قليل التخصيب من 75 كيلوغراما عام 2007 إلى 1430 كيلوغراما في العام الحالي، ما يعطي الإشارة إلى أن طهران ستتمكن من إنتاج أول قنبلة نووية خلال العام القادم.

لهذا، يقترح التقرير وضع مهلة زمنية أمدها 60 يوما لاختبار جدية إيران في الالتزام بأي تعهد تقطعه للتعاون مع المجتمع الدولي في المفاوضات المرتقبة.

في نهاية المهلة، لن تكون أمام واشنطن من خيارات سوى تشديد العقوبات والتهيؤ للخيار العسكري، إذا ما أخفقت طهران في التعاون الجاد مع المجتمع الدولي للتخلي عن برامجها النووية.


في الإطار ذاته، يقترح التقرير أن ترسل واشنطن حاملة طائرات إضافية إلى مياه الخليج، إضافة إلى البدء في مناورات عسكرية مع حلفائها في المنطقة.

فتراخي واشنطن عن المبادرة إلى منع امتلاك إيران أسلحة نووية، قد يدفع بإسرائيل إلى أخذ زمام الضربة العسكرية ضد إيران.

وهذا في حال حصوله، سيعكس مزيدا من التأثيرات السلبية على الأمن والاستقرار في المنطقة.

وما يزيد من آثار هذه التأثيرات أن الأوضاع الأميركية في كل من العراق وأفغانستان ليست على ما يرام.


*وزير الثقافة السابق
في حكومة إقليم كردستان العراق

جريدة الشرق الاوسط

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…