هوشنك أوسي
لــم يعـــد خافيــاً ان تركيا تتحيّن الفــرص، للاشتغال على المشاكل والأزمات والقضايـا العربيَّة، بغية الاستحصال على دور إقليمي مهم لها في الشرق الأوسط، لتعـــزيز مواقعها أميركيـــاً وأوروبيـــاً.
ولعـــلَّ هنالك عوامل عديدة، منها ما وفَّر المناخ السياسي للمسعى التركي، ومنها ما يدعمه.
ويمكن إيجاز هذه العوامل بالتالي:
1-كثيرة المشاكل العربيَّة – العربيَّة، والعربيَّة الداخليَّة، والعربيَّة – الإسرائيليَّة، ما أثار شهيَّة تركيا للتدخُّل، وتقديم نفسها على أنها حلاَّلة عُقد العرب ومشاكلهم وأزماتهم الداخليَّة، كأزمة الخلاف بين قوى «14 آذار» و«8 آذار» في لبنان، والخلاف بين «فتح» و«حماس»، والخلافات السوريَّة مع مصر والسعوديَّة، والخلافات بين السلطة الفلسطينيَّة وإسرائيل، وصولاً لإنتاج وإنضاج المفاوضات بين دمشق وتل أبيب.
ولعلَّ تمتُّع تركيا بشبكة جيّدة من العلاقات مع كافة الأطراف السالفة الذكر، خوّلها لعب دور الوسيط.
لكن من العسير ومن الصعوبة بمكان، المجازفة في نعت الدور التركي بـ«الوسيط النزيه»، لأسباب عديدة، أقلُّها، أن تركيا لا تقف على نفس المسافة من الأفرقاء المختلفين.
2-الفشل العربي في لجم وتقويض النفوذ الإيراني المتعاظم في العالم العربي سياسيَّاً وإعلاميَّاً وطائفيَّاً، خلق رغبة في إيجاد معادل سياسي، يمكنه مزاحمة النفوذ الإيراني، لجهة خلق حالة من توازن مع النفوذ الخميني في المنطقة.
بذا، غدت تركيا موئل وضالّة العرب، في ما يشبه من استجار بالرمضاء من النار.
وعليه، لم يجد العرب أيَّ غضاضة من معاودة لعبتهم الخطيرة إيَّاها، حين استنجدوا بالإنكليز للخلاص من القمع والجور والتتريك العثماني.
3-سبب مهم آخر، يدعم المسعى التركي السالف الذكر في العالم العربي، وهو إرسال رسائل إلى أوروبا، مفادها: أن الحضور والدور الاستراتيجي التركي المتنامي في الشرق الأوسط، ستستفيد منه أوروبا، إن هي وافقت على ضمّ تركيا إلى ناديها.
من جهة أخرى، تسعى تركيا لاسترداد مكانتها ودورها في العالمين العربي والإسلامي، إن سدّت أوروبا أبوابها في وجه انضمامها للمندمج الأوروبي.
وعليه، كي لا تبقى تركيا «محرومة من دخول المسجد والكنسية»، على حدّ وصف المثل الكردي، اتجهت لاستثمار المشاكل والأزمات العربيَّة، والارتداد إلى توظيف خلفيّتَها الإسلاميَّة والشرق أوسطيَّة، بعد أن قضت اكثر من نصف قرن، وهي تتهافت على اوروبا.
والمنصت لكلام أردوغان الجميل، والمتابع الحصيف للشأن التركي، لن يألو جهداً كي يكتشف أنه صادر عن رئيس حكومة لدولة تخوض حربا على أكرادها منذ سنة 1925 ولغاية اللحظة، ومنذ ربع قرن بشكل متواصل.
ففي نفس الوقت الذي كانت فيه الطائرات الإسرائيليَّة تقصف غزَّة بوحشيَّة، كانت حليفاتها التركيَّة تقصف جبال كردستان، في المناطق الحدوديَّة التركيَّة – العراقيَّة بنفس القدر من الوحشيَّة.
وحين يكون الزعيم السياسي التركي حريصاً على السلام في بلاد الآخرين، عليه تحقيق السلام في بلاده اولاً!، وألاَّ يطلق يد العسكر في سحق الحركة الكرديَّة.
وحين تكون «حماس»، حركة مقاومة شرعيَّة، تطالب بحقوق الشعب الفلسطيني، وليست «إرهابيَّة»، فكيف يصبح حزب العمال الكردستاني، حزباً «إرهابيَّاً» وفق المنطق الأردوغاني، وهذا الحزب سبق ان أعلن عن وقف إطلاق النار من جانب واحد خمس مرات، وطالب بالحل السلمي، وأبدى استعداده لإلقاء السلاح، شريطة وجود ضمانات دستوريَّة تقضي بالاعتراف بالشعب الكردي في تركيا، وتضمن حقوقه السياسيَّة والثقافيَّة الوطنيَّة؟!.
وعليه، فمن يقود حرباً في بلاده، كيف له ان يقدِّم العظات في السلام والتصالح مع الذات والآخرين، لأن فاقد الشيء، لا يعطيه؟!.
ويقول أردوغان انه «لا يمكن السكوت عمن صمتوا إزاء ما حدث في غزة، فالمذابح التي تعرض لها اطفال غزة ليست شأناً عربياً او اسلامياً فقط انما جرح عميق في ضمير الانسانية جمعاء.
لا يمكن لصور ضحايا غزة ان تفارق مخيلتنا او تخرج من ذاكرتنا.
حقوق الانسان ليست حكراً على منطقة او دين او مجتمع او قومية بعينها، وأنا مؤمن بأن الغرب سيُحاسب نفسه ويراجع مواقفه بعد تجاوز هذه الازمة».
كلام جميل، كلام معقول…، لكن، لماذا استخفَّ أردوغان، وتطاول، على حملة المثقفين الاتراك في ما يتعلَّق بالاعتذار من الأرمن حيال المجازر الأرمنيَّة التي حصدت أرواح مليون ونصف مليون أرمني خلال 1915 – 1917، ولماذا قال عن أؤلئك المثقفن: «ربما هؤلاء، هم الذين ارتبكوا تلك المجازر، لذا، يرون أنه من الضرورة أن يعتذروا عمّا فعلوا»؟!.
ولماذا لا يعترف أردوغان أصلاً بتلك المجازر كما يبقى صامّاً أذنيه عن الدعوات الكرديَّة والتركيَّة لحلّ القضيَّة الكرديَّة بالسبل السلميَّة؟
ولا يكتفي أردوغان بلعب دور الناصح والواعظ للعرب، وإذ به يسدي النصح للرئيس الأميركي الجديد أيضاً بالقول: «أتمنى منه ان يسعى لتحقيق تلك التوقعات بالتعاون مع جميع الدول بغض النظر عن قوميتها او ثقافتها او توجهها الديني ومعتقدها، على مبدأ المصالح المشتركة والاحترام المتبادل كما قال.
وأن يسعى من خلال الحوار والتعاون مع الجميع ان يستعيد سمعة الولايات المتحدة وصورتها السابقة.
وأن يكون كما قلت سابقاً «صوت من لا صوت لهم» في هذا العالم وأن يكون نصيراً للمظلومين والمستضعفين».
طيّب، ماذا لو طالب أوباما بالاعتراف بالمجازر الأرمنيَّة، وطالب بحل القضيَّة الكرديَّة سلميَّاً، وصار حقاً صوت المستضعفين والمظلومين، كيف سيكون ردّ فعل أردوغان؟
وعلى ضوئه، حين يطلق أردوغان هكذا تصريحات، فهو يعي تماماً أن العرب مفتونون بالأقوال لا الأفعال، وأنهم صاروا منبهرين بالتجربة الأردوغانيَّة لدرجة الهوس، وأن الأتراك صاروا حاضرين بقوَّة في مأكل وملبس ومزاج العرب السياسي والموسيقي والدرامي من المحيط الى الخليج، ولن يجد من يضع المرايا أمام تركيا ورئيس حكومتها، وزعيم عدالتها وتنميتها، ويطالب بترجمة الأقوال إلى أفعال، في ما يتعلَّق بالعلاقات الاستراتيجيَّة مع إسرائيل.
وإن ظهر عربي، يطالب أردوغان بذلك، فالردّ التركي معروف، وسيكون من قماشة: أغلقوا السفارات والممثليات العبريَّة في بلادكم، ثمّ تعالوا وطالبونا بذلك!.
بالنتيجة، مثلما البضائع الاستهلاكيَّة السياسيَّة والدراميَّة تلقى رواجاً كبيراً في الأسواق العربيَّة، ستلقى تصريحات أردوغان نفس الصدى في العالم العربي، ولا غرابة في ذلك.
لكن من العسير ومن الصعوبة بمكان، المجازفة في نعت الدور التركي بـ«الوسيط النزيه»، لأسباب عديدة، أقلُّها، أن تركيا لا تقف على نفس المسافة من الأفرقاء المختلفين.
2-الفشل العربي في لجم وتقويض النفوذ الإيراني المتعاظم في العالم العربي سياسيَّاً وإعلاميَّاً وطائفيَّاً، خلق رغبة في إيجاد معادل سياسي، يمكنه مزاحمة النفوذ الإيراني، لجهة خلق حالة من توازن مع النفوذ الخميني في المنطقة.
بذا، غدت تركيا موئل وضالّة العرب، في ما يشبه من استجار بالرمضاء من النار.
وعليه، لم يجد العرب أيَّ غضاضة من معاودة لعبتهم الخطيرة إيَّاها، حين استنجدوا بالإنكليز للخلاص من القمع والجور والتتريك العثماني.
3-سبب مهم آخر، يدعم المسعى التركي السالف الذكر في العالم العربي، وهو إرسال رسائل إلى أوروبا، مفادها: أن الحضور والدور الاستراتيجي التركي المتنامي في الشرق الأوسط، ستستفيد منه أوروبا، إن هي وافقت على ضمّ تركيا إلى ناديها.
من جهة أخرى، تسعى تركيا لاسترداد مكانتها ودورها في العالمين العربي والإسلامي، إن سدّت أوروبا أبوابها في وجه انضمامها للمندمج الأوروبي.
وعليه، كي لا تبقى تركيا «محرومة من دخول المسجد والكنسية»، على حدّ وصف المثل الكردي، اتجهت لاستثمار المشاكل والأزمات العربيَّة، والارتداد إلى توظيف خلفيّتَها الإسلاميَّة والشرق أوسطيَّة، بعد أن قضت اكثر من نصف قرن، وهي تتهافت على اوروبا.
والمنصت لكلام أردوغان الجميل، والمتابع الحصيف للشأن التركي، لن يألو جهداً كي يكتشف أنه صادر عن رئيس حكومة لدولة تخوض حربا على أكرادها منذ سنة 1925 ولغاية اللحظة، ومنذ ربع قرن بشكل متواصل.
ففي نفس الوقت الذي كانت فيه الطائرات الإسرائيليَّة تقصف غزَّة بوحشيَّة، كانت حليفاتها التركيَّة تقصف جبال كردستان، في المناطق الحدوديَّة التركيَّة – العراقيَّة بنفس القدر من الوحشيَّة.
وحين يكون الزعيم السياسي التركي حريصاً على السلام في بلاد الآخرين، عليه تحقيق السلام في بلاده اولاً!، وألاَّ يطلق يد العسكر في سحق الحركة الكرديَّة.
وحين تكون «حماس»، حركة مقاومة شرعيَّة، تطالب بحقوق الشعب الفلسطيني، وليست «إرهابيَّة»، فكيف يصبح حزب العمال الكردستاني، حزباً «إرهابيَّاً» وفق المنطق الأردوغاني، وهذا الحزب سبق ان أعلن عن وقف إطلاق النار من جانب واحد خمس مرات، وطالب بالحل السلمي، وأبدى استعداده لإلقاء السلاح، شريطة وجود ضمانات دستوريَّة تقضي بالاعتراف بالشعب الكردي في تركيا، وتضمن حقوقه السياسيَّة والثقافيَّة الوطنيَّة؟!.
وعليه، فمن يقود حرباً في بلاده، كيف له ان يقدِّم العظات في السلام والتصالح مع الذات والآخرين، لأن فاقد الشيء، لا يعطيه؟!.
ويقول أردوغان انه «لا يمكن السكوت عمن صمتوا إزاء ما حدث في غزة، فالمذابح التي تعرض لها اطفال غزة ليست شأناً عربياً او اسلامياً فقط انما جرح عميق في ضمير الانسانية جمعاء.
لا يمكن لصور ضحايا غزة ان تفارق مخيلتنا او تخرج من ذاكرتنا.
حقوق الانسان ليست حكراً على منطقة او دين او مجتمع او قومية بعينها، وأنا مؤمن بأن الغرب سيُحاسب نفسه ويراجع مواقفه بعد تجاوز هذه الازمة».
كلام جميل، كلام معقول…، لكن، لماذا استخفَّ أردوغان، وتطاول، على حملة المثقفين الاتراك في ما يتعلَّق بالاعتذار من الأرمن حيال المجازر الأرمنيَّة التي حصدت أرواح مليون ونصف مليون أرمني خلال 1915 – 1917، ولماذا قال عن أؤلئك المثقفن: «ربما هؤلاء، هم الذين ارتبكوا تلك المجازر، لذا، يرون أنه من الضرورة أن يعتذروا عمّا فعلوا»؟!.
ولماذا لا يعترف أردوغان أصلاً بتلك المجازر كما يبقى صامّاً أذنيه عن الدعوات الكرديَّة والتركيَّة لحلّ القضيَّة الكرديَّة بالسبل السلميَّة؟
ولا يكتفي أردوغان بلعب دور الناصح والواعظ للعرب، وإذ به يسدي النصح للرئيس الأميركي الجديد أيضاً بالقول: «أتمنى منه ان يسعى لتحقيق تلك التوقعات بالتعاون مع جميع الدول بغض النظر عن قوميتها او ثقافتها او توجهها الديني ومعتقدها، على مبدأ المصالح المشتركة والاحترام المتبادل كما قال.
وأن يسعى من خلال الحوار والتعاون مع الجميع ان يستعيد سمعة الولايات المتحدة وصورتها السابقة.
وأن يكون كما قلت سابقاً «صوت من لا صوت لهم» في هذا العالم وأن يكون نصيراً للمظلومين والمستضعفين».
طيّب، ماذا لو طالب أوباما بالاعتراف بالمجازر الأرمنيَّة، وطالب بحل القضيَّة الكرديَّة سلميَّاً، وصار حقاً صوت المستضعفين والمظلومين، كيف سيكون ردّ فعل أردوغان؟
وعلى ضوئه، حين يطلق أردوغان هكذا تصريحات، فهو يعي تماماً أن العرب مفتونون بالأقوال لا الأفعال، وأنهم صاروا منبهرين بالتجربة الأردوغانيَّة لدرجة الهوس، وأن الأتراك صاروا حاضرين بقوَّة في مأكل وملبس ومزاج العرب السياسي والموسيقي والدرامي من المحيط الى الخليج، ولن يجد من يضع المرايا أمام تركيا ورئيس حكومتها، وزعيم عدالتها وتنميتها، ويطالب بترجمة الأقوال إلى أفعال، في ما يتعلَّق بالعلاقات الاستراتيجيَّة مع إسرائيل.
وإن ظهر عربي، يطالب أردوغان بذلك، فالردّ التركي معروف، وسيكون من قماشة: أغلقوا السفارات والممثليات العبريَّة في بلادكم، ثمّ تعالوا وطالبونا بذلك!.
بالنتيجة، مثلما البضائع الاستهلاكيَّة السياسيَّة والدراميَّة تلقى رواجاً كبيراً في الأسواق العربيَّة، ستلقى تصريحات أردوغان نفس الصدى في العالم العربي، ولا غرابة في ذلك.
* كاتب كردي مقيم في بيروت.
الحياة – 01/02/09