سجن المثقفين ماذا ينفع؟!

محمد قاسم

على الرغم من أن المجتمعات المتقدمة تجاوزت مشكلة الصراع السياسي والسجن بسبب الآراء المخالفة او التحزب المختلف..الخ.

إلا أننا لا زلنا نتقبل في ذهنيتنا وسيكولوجيتنا فكرة أن تسجن سلطات ما في هذا المشرق -والبلاد العربية خاصة- أعضاء أحزاب لأنهم كونوا أحزابا او تفوهوا بما لم يرق للسلطات..او اجتمعوا في دار ما يتباحثون قضية وطنية ..او غير ذلك..

ودون ان يكون ذلك مشروعا طبعا..

ما لم يكن وفق قانون من هيئات مختصة ومنتخبة ديمقراطيا من شعوبها وبنزاهة أيضا..
باختصار لا زلنا نتقبل السجن السياسي طوعا او كرها..

ونتقبله كواقع –وربما كواقع مقبول بالنسبة للبعض على الأقل والمقربين عادة من السلطات وما أكثرهم ممن يتاجرون دوما بأوصال الحرية والحقوق ..

ويفلسفون تجارتهم هذه بما أوتوا من قدرة كلامية او كتابية بعد أن ودعوا ضمائرهم مرتين:
– مرة لأنهم يكذبون على السلطات وعلى أنفسهم؛ عندما يوحون الى السلطات بأنها تحسن صنعا..
– ومرة لأنهم يقومون بما يجعل الشعور الإنساني لدى المثقفين يتآكل بطريقة مشينة..
ولكن ما لا نستطيع استساغته كيف ان السجن يطال المثقفين..؟!
والمثقف ليس لديه سوى كلمة تقال او تكتب..فسلاحه الوحيد هو الكلمة..والكلمة فحسب…!!
ألا تستطيع السلطات أن تجند -وهي تجند دوما جيشا منهم- من مثقفيها الذين يقارعون الكلمة بالكلمة شفاها او كتابة وهم يملكون كل الإمكانيات المعطاة لهم من هذه السلطات..؟!
ثم إذا غابت الكلمة المختلفة عن السلطة ..فمن أين تستقي من يوحي لها بما تقع فيه من أخطاء..والخطأ صفة بشرية ضرورية لا يمكن التحرر منها أبدا ..ربما يمكن التقليل منها فقط.
وعلى الرغم من التجارب الكثيرة في هذا الشأن..إلا أنني –فقط- استعير الحكاية التي قرأتها في بعض المراجع التي لا أذكرها الآن، وهي ان شاه إيران سئل: لماذا وصلت الى هذا المصير المحزن -وكان قد هرب من بلاده ولم يستقبله أحد سوى الرئيس الراحل أنور السادات بدعوى انه مدين له بموقف ما لمصلحة مصر –كما أتذكر..
فقال: ان الذين كانوا من حولي ليسوا صادقين معي فقد كان همهم استرضائي للحصول على مكاسب خاصة..ولم يصْدقوني في الواقع.

ولا عارضوا طرحا خاطئا مني..

فكانت هذه النتيجة ..!
الصوت المثقف والمختلف في تحليل الأشياء- أيا كانت- ضرورة لبقاء التفكير المتوازن ..

ولقد أبدع عمر بن الخطاب عندما قال:
“رحم الله من أهدى إلي عيوبي”.

فضلا عن ان سلوكا يعتمد العنف-السجن والضرب والاغتيال…الخ…يساهم في تكريس هذه الخصائص باستمرار..

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…