نذير عجو/هولندا
تدرّجت مطالب الشعب الكوردي في سوريا عبر قواها السياسية بين إزالة التمييز والغبن والمعاملة بالمثل كمواطنين سوريين , أوالمطالبة بالحقوق الثقافية , …… , وصولاً إلى المناداة بكوردستان حرة , وذلك قبل بدء أحداث 2011 حيث كان واقع تسلط وبطش النظام العنصري الإستبدادي والديكتاتوري من جهة والدور الذي لعبه النظام في القمع والإضعاف الدائم للحركة السياسية الكوردية وبالتالي التناقض الكوردي في الحكم على أي من المطالب الكوردية أقرب إلى مشروعية الحقوق (حيث نسيان الحق العادل والمشروع وفق كل التشريعات الإنسانية والوثائق الدولية والمتمثل بحق تقريرالمصير الشعوب) ذلك حسب قراءة وتفسير كل طرف للظروف المتاحة ومدى إمكانية النجاح لهذه المطالب من غيرها لصالح الشعب الكوردي في سوريا , الحال الذي شرزم التفكير الكوردي وأكثر تنظيماته , وجعل لكل تنظيم وقوة كوردية أعضاء وتابعين للتفسيرات المنفردة أو الشخصية (القائد) فيما تذهب المخيلة في إمكانية التغيير في الواقع لصالح الحق الكوردي وفق منظور القائد.
أما مابعد أحداث 2011 ويوماً بعد يوم , وفي ظل تحول الاحداث السورية من مطالب للحرية والإنعتاق , إلى صراع أخطبوطي متعدد الرؤوس على السلطة حيث تحولت سوريا إلى مستنقع وبؤرة نتنة تستقطب الآفاة والأمراض الطائفية والعقائدية والأيدولوجية المتناقضة من كل بقاع الدنيا , إضافة لتحولها لساحة تصفية الحسابات , للنزاعات والصراعات السياسية المستدامة بين القوى المختلفة إقليمياً ودولياً .
المستنقع السوري الذي طاف على سطحه كل ماهو بعيد عن مايسمى سوريا الوطن للكل , إلا شعاراً يتناقض مع الواقع التقسيمي للخارطة السورية ( الساحل العلوي الآمن نسبياً , الجنوب الدرزي المتذبذب , الشمال الكوردي المضطرب , الوسط السني الملتهب) ومابين هذا وذاك المقسم كانت الصراعات الضمنية لمختلف القوى والكتائب المنفلتة في الجزء المقسم للخارطة , حيث الإرتباطات والتوجهات والسلوكيات الإنتمائية والعملياتية والتابعية ( القوى الشيعية , العراق , إيران , روسيا , القوى السنية , السعودية , تركيا , أمريكا ….. ) , وأمام هذا وذاك كان للكورد وعن طريق قادتهم المواقف المختلفة بين المحايد والمتذيّل أو المستجدي لهذا الطرف أو ذاك ,والخارج أو الحالم المدعي التكتيك البعيد عن ما يدور حوله من أحداث وإنقلابات خرائطية إنتمائية جديدة , حيث إبتعاد تلك القوى الكوردية عن إيجاد تمايز وهوية خاصة بهم وحيادهم عن آفاة ذلك المستنقع النتن , وهم الأولوّون والأحقون مقابل غيرهم بالتعبير عن ذاتهم بعيداً عن الصراعات العقائدية والطائفية والأيدولوجية المستدامة تاريخاً وحاضراً في وجدان وعقول من يجاروهم , لإعتبارهم شعب يعيش على أرضه التاريخية , وجارعليه الزمن من قبل جيرانه , حيث تعرض ومعرض لكافة أنواع الإضطهاد والإنكار والتذويب والقتل والجرائم الإبادية .
ومع كل هذه الصور والأحداث والتوجهات وفقد الآمال في إمكانية الحل سورياً في الإفق القريب , مازال القادة الكورد مصرون على الإبتعاد عن التمايز والتعبير عن هويتهم ( حيث مشروعية حقهم في تقرير مصيرهم ) إسوة بالآخرين ( العرب وتمايزاتهم المختلفة و كياناتهم المختلفة , الترك وتمايزهم , الفرس ……….) , ذلك التمايز والتعبير عن الهوية الذي يُقرأ كوردياً بشكلها الإنساني المُرحب بالآخر المسالم والبعيد عن التعصب والتعنصر العروباوي /التركي / الفارسي , والذي يعتبركوردياً أنه الحل الوحيد في العيش المشترك للهويات , ذلك العيش المشترك الذي حوّل وإستُرخص وإستُهلك تاريخياً كحالة تسلط وإستعباد (عروبوي , وتركي , وفارسي ) .
فالمطروح والمسلوك من قبل قادة القوى الكوردية (حسب الواقع والأحداث والمنظور ) لايرتقي للحق المشروع للشعب الكوردي والمتمثل في تقرير مصيره بنفسه , حيث شكل المصير يُشترط بإقرار وإعتراف الآخر بالكورد كشعب , ثم الجلوس معه على طاولة الحوار للتحديد المناسب لشكل المصير ( /إدارة ذاتية /حكم ذاتي /فيدرالية …وصولاً للإنفصال في حال عدم الإقرار والإعتراف بوجود شعب كوردي على أرضه التاريخية / ) , أما مبررات بعض قادة القوى ( المجلس الوطني الكوردي / انكس / ) في مايسمونها بدبلوماسية التعامل مع الآخر !!! إضافة إلى الحاجة للفسحة الزمنية لإقناع الآخر!!!, وتأجيل القضية لما بعد الإستقرار حيث الدستور!!! وإستفتاء رأي السوريين حول القضية !!! , فهي مشروخة , وتذلّلها مواقف وإعلانات وسلوكيات وإرتباطات وبرامج الأطراف المقابلة ( النظام , المعارضة ) إضافة للتاريخ الأسود لأكثر وجوه المتعاملين إتجاه الشعب الكوردي , وبالتالي ماهم ذاهبون إليه إنما هو إضاعة أكيدة لفرصة تاريخية وهي ستكون تكرار لما سلكه الأجداد بالدبلوماسية الكلاسيكية والتعامل العاطفي تاجيلاً للقضية والوثوق الأعمى والغير الموثق مع مغتصبي الحقوق , ومن طرف آخر مايدّعية قادة كورد آخرين (حركة المجتمع الديمقراطي / تف دم / ) حالمين أمام الكورد كتكتيك نحو الحقوق الكوردية وهم تكتيكاً أيضاً يبرؤون ذاتهم من الحقوق القومية للشعب الكوردي, معتبرين ذاتهم طوق نجاة لكل الشعوب كمنقذين للأمم من مضطهديهم ( نظرية الأمة الديمقراطية )!!! , مع أخذ بالإعتبار لفصل السياسي عن إنجازاتهم العسكرية ( ي.ب.ك/ ي.ب.ج ) الخادمة للواقع الكوردي حماية وأمناً وبشكل أكثر لأجنداتهم السياسية (كانتونات الأمة الديمقراطية) , وماطرح من قبلهم بفيدرالية غرب/ شمال سوريا فهو إنجاز كوردي يحسب لهم لولا تصريحات أكثر قادتهم القاتلة لهذا التفائل الكوردي ( بلاكورديتها, تشابهها وإمتدادها لإدارتهم الذاتية المعلنة أوالإدارة الذاتية البعثية الموجودة , لا تشابه فيدرالية كوردستان العراق ,….., إمكانية إمتدادها على طول البلاد وعرضها) , وبالتالي ماهم ذاهبون إليه إنما هو إضاعة إكيدة لفرصة تاريخية وهي تكرار لتجربة الكورد مع الأمة الإسلامية حيث هوية كل الأمم المسلمة دون هوية الأمة الكوردية, وكذلك الأممية الشيوعية حيث هوية كل الشعوب دون هوية الشعب الكوردي, وأمام هذه القوى الكوردية وتلك, وأجنداتهم وصراعاتهم على المصالح الفردية او الحزبية الضيقة والبعيدة عن المصالح الكوردية الواضحة التوجهات والاهداف, تُهدر الطاقات والإمكانات الكوردية ويُهدر الدم الكوردي سبيلاً لغد ضبابي ضائع وبدون عنوان في ظرف إستحقاقي إستثنائي إنقلابي تاريخي .
وأخيراً لابد من القول أن لأتباع هؤلاء القادة نصيبهم من المسؤولية التاريخية في عناد قادتهم , بتاجيل القضية والإبتعاد عن السكة الكوردية نحو الخلاص وتثبيت الهوية في هذا الزمن المصيري , والمشروطة بتصالح وتجميع النضالات والقوى الكوردية , أمام قوى الظلم والإنكار والتعصب والتطرف والإرهاب , حيث واقع تقرير المصير, فيما أن نكون أو لانكون .