في مشروعية القلق على المصير الوطني

صلاح بدرالدين
     قبل أن ينتفض السورييون على نظام الاستبداد منذ أكثر من خمسة أعوام وقبل ذلك بعقود في معارضته كانوا على دراية تامة بطبيعته العدوانية الغادرة ولم يتفاجأوا من حيث المبدأ بكل همجيته ونزعته الفاشية التدميرية وسلوك خيار الأرض المحروقة واستخدام كل شيء بمافيه السيادة الوطنية واستقدام ميليشيات وجيوش العالم فقط من أجل الحفاظ على تحكمه برقاب العباد ومصير البلاد وصيانة واستمرارية مصالح فئوية ضيقة على حساب المجموع بل بالعكس من ذلك فقد بان للقاصي والداني على مشروعية وأحقية التصدي لهذا الأخطبوط الذي يجسد ارهاب الدولة وعلى صدقية السوريين في ادانة هذا النظام الأرعن وتوصيفه منذ أكثر من نصف قرن بالدكتاتورية وخطورته على السلام والاستقرار في المنطقة وتجسيده لكل موبقات الفتن المذهبية والقومية وعدائه المستديم لارادة شعوب المنطقة في تحقيق بناء الدول المدنية الحديثة وارساء التطور الديموقراطي خاصة في لبنان والعراق وفلسطين .
كما لم يكن مفاجئا للسوريين عموما وسوريي الثورة على وجه الخصوص أن تهب جمهورية ايران الاسلامية بكل قواها المادية والعسكرية وبميليشياتها الطائفية البغيضة الايرانية والعراقية والأفغانية وبحزبها ( اللبناني ) الارهابي لنجدة صنيعته نظام الأسد بل وأكثر من ذلك كان متوقعا لدى الكثيرين اقدام نظام ولاية الفقيه على تحريك خطوطه في منظمات القاعدة الارهابية واعادة تموضع فروعها العراقية والسورية بما في ذلك اطلاق سراح الموقوفين من قادتها وعناصرها الفعالة من معسكرات ايران وسجون دمشق وبغداد وذلك لاغراق الثورة السورية بأطياف ومسميات الاسلام السياسي واقناع العالم بأن مايجري في سوريا ماهو الا جماعات ارهابية مسلحة وقطاع طرق وانكار وجود شعب يريد اسقاط نظام الاستبداد عبر انتفاضته المجيدة .
  ولم يكن سورييو الثورة بغفلة عن ظهور مستجدات دولية سلبية مثل استثمار نظام الطغمة الحاكمة في روسيا تباطؤ وتردد الادارة الأمريكية خصوصا والغرب عموما كأصدقاء مفترضين للشعب السوري وضعف النظام العربي الرسمي للتدخل العسكري العدواني السافر وبناء قواعد على الأراضي السورية وتقديم أقصى أنواع الدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري والتسليحي والجوي الى نظام الاستبداد الأسدي والامعان في تشتيت صفوف ( المعارضة ) بعد توجيه الضربات الشديدة الى فصائل الثوار في جميع مناطق تواجدها وذلك خدمة لمصالحها وبحثا عن مناطق نفوذ لها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق .
  كما لم يراهن سورييو الثورة يوما على دول النظام العربي الرسمي ودول الجوار الاقليمي لتحل محلها في مواجهة نظام الأسد أو اعتبارها حلفاء استراتيجيين لثورتهم الوطنية الديموقراطية من أجل الحرية والتغيير والسلم الاجتماعي والعدل والمساواة فكل ماهنالك كانت ثمة مصالح مشتركة ومازالت وقتية وتكتيكية وأمور انسانية تتعلق بالمهجرين والنازحين والمأوى والملجأ تختلف بين هذه الدولة وتلك ومن جملة تلك المصالح المشتركة خطورة النظام السوري على مستقبل المنطقة جمعاء كمصدر رئيسي من مصادر الفتن المذهبية وكقاعدة وذراع للمشروع الايراني الرامي الى اثارة الصراع المذهبي والحروب الأهلية  وتصدير الارهاب والارهابيين بكل الصنوف والألوان ومن هذه الرؤية فان دعم الشعب السوري وثورته هو دفاع عن شعوب المنطقة ومن أجل السلم والاستقرار لمصلحة المجموع . 
  تعتبر ماأسلفناه أعلاه بمثابة تحديات خارجية من خارج أسوار بيت سوريي الثورة وبدون أية استهانة بمخاطرها الآنية والمستقبلية نقول وبدون أية مكابرة أو غلو أيضا بأنها لاتشكل العامل الحاسم في مصير السوريين وثورتهم وبعبارة أوضح لن تضع حدا مهما تفاقمت لارادة السوريين في نشدان الحرية والخلاص من الاستبداد حتى لو طال الأمد فهناك ثورات شعبية في تاريخ البشرية استمرت أعواما وعقودا وبأشكال مختلفة حتى حققت أهدافها جزئيا أو كاملة وثورات الربيع ليست استثناء بل ظاهرة تاريخية مبررة مازالت في بداياتها الزمنية يمكن أن تتعرض للكبوات والهفوات وماتلبث أن تعود أقوى وأكثر تنظيما وأشد مراسا .
  ان مايقلق حقا هو تفاقم الأزمة الداخلية بين صفوف – سوريي الثورة –  الى درجة انتقالها الى مأزق من دون أي أفق للعلاج الشافي والمقصود هنا هو انسداد الأفق أمام المعارضة التي تزعم زورا تمثيل الثورة وقيمها النبيلة وهنا نعود ونذكر للمرة الألف أنه بالأول كانت الثورة ثم تتالت أفواج المعارضة من دون تخويل من الثوار بالميدان التي فرضت وجودها بالاستقواء بدول الجوار وباقي المانحين وعلى حساب تنسيقيات الشباب والحراك الوطني الثوري العام وطلائع تشكيلات الجيش الحر ثم بدأت بالانحراف عن خط الثورة ومحاولة أدلجة وأسلمة وأخونة الثورة ضمن الصعود المؤقت لموجة الاخوان المسلمين في بلدان ثورات الربيع والتي انحسرت ومازالت من دون افساح المجال لعودة الأمور في الثورة والمعارضة الى أصولها الأصيلة .
  نعم مايقلق السوريين أكثر هو ارتهان – الهيئة التفاوضية وضمنها الائتلاف والمجلس – الى القرار الخارجي وفقدان استقلاليتها وعدم امتلاك الشجاعة بالاعتراف أمام الملأ بالفشل وعقم التهافت على جنيف وغيره ثم العودة الى الشعب مجددا لتستمد منه الشرعية الوطنية وذلك بالتسليم بضرورة العمل على عقد المؤتمر الوطني السوري الجامع عبر لجنة تحضيرية معبرة عن حقيقة مكونات الشعب السوري يكون هذا المؤتمر مظلة لجمع ممثلي المستقلين والحراك الثوري وتنسيقيات الشباب وتشكيلات الجيش الحر وسائر الثوار المؤمنين بمبادىء الثورة من دون شروط واملاءات دينية وعنصرية ومذهبية والخروج بمراجعة نقدية بالعمق وبرنامج سياسي ومجلس سياسي – عسكري لمواجهة تحديات السلم والحرب واعادة البناء .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…