كيف تواجه مَن تراهُ عدواً؟ (الأوجلانية نموذجاً)

ماجد ع  محمد
يمكنك أن تقتل رجلاً لكن لا يمكنك أن تقتل فكرة 
مدجر إفرز
سورياً فكل مَن تابع الأحداث وتتبع مسار حزب الاتحاد الديمقراطي يعرف بأن نفوذه بدأ يقوى بدايةً عبر استغلال قادته لعواطف الرعية المتحمسة لأي حراكٍ يُشعرهم بأناهم التي فقدوها فترة لا بأس بها في قمع أنشطتهم وكرنفالاتهم العقائدية، حيث باشر الحزب مع بدء الحراك الشبابي في عموم سوريا بلملمة الناس وتجميعهم حوله بعد حينٍ من التشتت والخمول، وذلك من خلال اختلاق الاشتابكات مع هذا الطرف أو تلك العشيرة، وكذلك في التعامل بديناميكية ملحوظة وحذاقة ظاهرة من خلال معاداة النظام على مستوى الشارع، والتعامل الخفي على مستوى القيادة مع من كان يقمعهم قبل الثورة، حيث كان من نتاج هذه الثنائية في التعاطي مع المستجدات بذكاءٍ وانتهازية سياسية صارخة أن قوي نفوذ الحزب ليس فقط سياسياً، إنما عسكرياً أيضاً، وغدا له وحدات وفصائل عديدة تتبع الرافد السوري المتفرع عن المبع الأم في قنديل.
ويبقى الملفت للاستهجان الضمني هي البلادة وعقلية التوكل التي اعتمدها كمنهجية عمل معظم المثقفين الكرد مع مجموع أحزابهم، إذ أن لسان حال كل التنظيمات الكردية في سوريا بما فيهم جماعة الثقافة كان يقول: بأنه ولمجرد أن ينتهي النظام السوري ويسقط فسينتهي معه مصير حزب الاتحاد الديمقراطي الذي انتعش من خلال تعامله مع عدة محاور اقليمية ودولية، ولكن المنطق يقول بأن هذا التعويل غير عملي ولا نتائج مضمونه له، والدليل هو ماضي وتجارب الحزب نفسه، حيث سبق له وتعرض الحزب المذكور لمضايقات شديدة جداً وحظرت أنشطته في عموم سوريا بعد ركل الأسد لزعيم حزب العمال الكردستاني بالاتفاق مع تركيا، وكان النظام السوري يعتقل الفرد منهم لمجرد العثور على صورةٍ لشهيد من شهداء الحزب أو صورة للزعيم أوجلان في منزل أحد حاملي أفكاره، ومع ذلك بقي المؤمنون بتلك الأفكار متمسكين بها ولو أنهم في فترة ما وبسبب الضغط الأمني عليهم كانوا يتبرؤون من الحزب وأفكاره وينكرون انتماءهم إليه، ولكنهم بعد كل خفوتٍ لهم كانوا يستعيدون نشاطهم وحيويتهم السياسية من جديد ويخرجون أكثر قوة مما كانوا عليه وينتفضون من تحت رماد الظروف التي حالت دون انتعاشهم وعملهم بحرية.
وهذا ما يؤكد بأن الأوجلانية لم تعد مجرد مجموعة من الأحزاب الراديكالية التي تمشي على هدي شعاراته السياسية، إنما غدا الأوجلانيون كالأحزاب الراديكالية الاسلامية يعتمدون على الفكرة وليس مؤسسها أو الناطق باسمها، وغدت العقيدة تشكل قيمة سياسية ومعرفية ونضالية، وبهذا الخصوص فياما من شخصيات تاريخية غدت بمثابة الأساطير بالرغم من عدم امتلاكها لأدنى مقومات النظرية الساسية أو العلمية المتكاملة، وفيما يتعلق بصاحب الفكرة ومختلقها، أي أوجلان نفسه فالكثير من الكرد يتصورون بأنه ولمجرد موت أوجلان قد تموت الأوجلانية، إلا أن ثمة تجارب عربية وعالمية أثبتت بأن الفكرة لا تموت برحيل مبتكرها أو مختلقها، بل قد تحيا أكثر مع موت أصحابها، والحركات الأصولية والنظريات الدينية والرسل خير مثال على ذلك. 
وإذا كان هناك مَن يشعر بخطورة الأوجلانية على الشعب الكردي عموماً، ويعتبر بأن الأوجلانية طُبخت في أفرع استخبارات الدول الغاصبة لكردستان، عبر الغُرف الأمنية المشتركة لتلك الدول التي كانت تقيم اجتماعاتها الدورية لبحث المواجهة المشتركة لأي نفوذٍ كردي ينشط في الدول الأربعة أي تركيا وسوريا والعراق وإيران، والتي كان محورها في فترة ما النظام الأسدي في دمشق، فعليه أن يبحث عن سبل قوية  لمواجهة الفكرة بالفكرة، العقيدة بالعقيدة، قبل التفكير بمواجهة الفصائل العسكرية التابعة لذلك الفصيل الكردي الحامل للواء تلك الفكرة، لأن الهزيمة العسكرية قد لا تكون صعبة لأي فصيل مسلح في العالم، ولكن الأفكار مَن ينتزعها من عقول الناس الذين آمنوا بها عشرات السنين وقدموا الشهداء في سبيلها؟ فإذا لم تكن هنالك فكرة بديلة قادرة على إزاحة الفكرة الأخرى من رأس صاحبها، فمن شبه المحال التخلص من المخاطر التي تشكلها هذه الجماعة، والتجارب الاسلامية خير مثال على ذلك، فما أن تُباد حركة إسلامية راديكالية حتى تراها مثل الغازات الباطنية التي تحاول بشتى الوسائل أن تجد لها مخرجاً آخر لتعبر عن نفسها من خلاله، وربما لن تنتهي الحركات الراديكالية في الاسلام أو غيره من العقائد إن لم يتم إنهاء الفكرة الأساسية التي تتشكل منها نواة كل حركة أصولية جديدة. 
وبهذا الصدد يمكننا الاستشهاد بما كتبه المفكر الايراني علي شريعتي في كتابه (النباهة والاستحمار) حيث يقول شريعتي: “مجموعة من القدرات العلمية والصناعية تقاتل جماعة تفقد الصنعة والعلم وأن مصير هذا القتال بعد اختلاف عدة اشهر وسنين، سيكون لصالح أولئك الحفاة في هذه الدنيا بلا شك، لصالح أولئك الذين لا يقرأون ولا يكتبون، وستخسر تلك القدرات التي حازت على الذخائر العلمية والفنية مدى الدهر، فالعلم يقتتل مع الفكر، فهذا الحافي الجائع الذي قُدّر له ان يبقى فقيراً عرياناً مريضاً ولكنه في الوقت نفسه تسلح بسلاحٍ واحد هو الفكر والإيمان والعقيدة، وله هدف واحد جعله يقاتل ذاك الانسان الذي جمع المقدرات العلمية والصناعية والفلسفية فسيتغلب عليه رغم كونه أميا” وهذا الأمر ينسحب على مختلف الحركات الأصولية التي تنتعش في الدول الأوربية يوماً بعد يوم.
وكردياً أيضاً حدث ويحدث نفس الشيء، إذ أن أولئك الذين يرون بأن معظم الفيلق الأوجلاني هو متشكل من العوام والرعاع وليسوا سوى مجموعات من الأنصار الأميين والمتخلفينن إلا أنه رغم كل هذه النعوت السلبية لهم من قبل المتعلمين إلا أنهم يتناسون بأن الجماعة في إنتعاشٍ دائم ليس في كردستان وحدها إنما حتى في عموم أوروبا، ونرى مدعي العلم والمعرفة يُهزمون أمام الاوجلانيين في أغلب الدول الغربية، والسبب بسيط جدا هو لأنهم رغم كل الشهادات التي يتفاخرون بها لا يمتلكون مشروعاً فكرياً، ولا عقيدةً، ولا إيمانا قوياً يجعلهم قادرون على مواجهة الأبوجي البسيط الأمي والجاهل! لأن الشخص الأبوجي البسيط يمتلك إيمان وعقيدة وفكرة وهو ما يفتقر إليه ذلك الديك الذي يتفاخر بشهادته ومستواه العلمي والمنصب الذي يتبوأه.
لذا وكلي قناعة بما أقول بأن البسطاء من المؤمنين بالفكرة الأوجلانية لا ينبغي محاربتهم ولا الحقد عليهم ولا التفكير بدحرهم، إنما على الطرف الآخر الذي يدّعي الفهلوة والحذاقة أن يستفيد من هذه الطاقات البشرية، وأن يكون مدَّعي المثاقفة مؤهلين لزراعة أفكارهم في التربة الخصبة لهؤلاء المضحين البسطاء، هذا إن كان المناههض للعقيدة الأوجلانية أصلاً ممن يمتلك فكراً حقيقياً قادراً على إزاحة الأفكار الموجودة في رؤوس ذلك الفريق الكردي.
وفي الختام سيبقى سؤالنا موجهاً للكرد الذرائعيين والباحثين عن أسباب الهروب والرفاهية هنا وهناك بحجة مضايقات أنصار حزب الاتحاد الديمقراطي لهم، افترضوا جدلاً بأن الوظيفة الرئيسية لحزب العمال الكردستاني بفروعه وروافده السياسية والعسكرية هي إشعال المناطق الكردية بالنزاعات المستمرة والصراعات اللامجدية لتكون سبباً مباشراً لفِرار الكرد من مناطقهم تلبية لرغبات استخبارات الدول المغتصبة لكردستان، فهل يا ترى عليكم الانصياع لما يُخطط له هذا الحزب ومَن وراءه؟ أم عليكم أن تجدوا الطرق والوسائل المناسبة لمواجهة خطره ومخططات أعدائكم؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…