كنا بفكر شمولي فابتلينا بآخر – الجزء الثالث –

دلكش مرعي
هنا سنلقي بقعة من الضوء على أسس نظرية ماركس التي تبناها العديد من أحزابنا ومثقفينا واهتدوا بهديها سابقا ويتبناه الآن – البيدا – وهي نظرية عقائدية شمولية لا ينتج سوى الاستبداد والدكتاتورية والجمود الفكري . وتتلخص بنيانها في ثلاث قوانين أساسية هي – 1 – التحول الكمي إلى نوعي – 2 – وحدة صراع الأضداد – 3 – قانون نفي النفي – فحسب قانونه الأول – فإن المادة هي في تغير كمي متواصل وهذا التغير الكمي هو تغير طفيف وتدريجي وغير ملحوظ إلى أن يتراكم الكم إلى حد معين فيصبح التغير النوعي حتميا – .. فماركس – هنا لا يستثني أي شيء ينتمي إلى المادة وبما إن الدماغ البشري هو من المادة فهو سيخضع حسب اعتقاده إلى نفس القانون ونفس التطور الكمي ومن ثم يتحول إلى التطور النوعي ويجهل بأن الفكر البشري هو مكتسب من البيئة الاجتماعية ومكوناتها الفكرية والعقائدية ولا ينتج الدماغ هذا الفكر أو ذاك العقيدة بالفطرة مع الولادة بل يكتسبها اكتسابا من محيطه الاجتماعي.
فهناك شعوب مازلت تعيش في الحالة البدائية ولم يتحول فكرها من الحالة الكمية إلى الحالة النوعية زد على ذلك هو إن الفكر المتخلف ليس من المادة حتى يتعرض للتطوير والارتقاء فالفكر الديني على سبيل المثال قد مضى عليه آلاف السنين ولكنه ما يزال يحتفظ بنفس البنية العقائدية والشرعية ولم يطرأ على بنيته الجوهرية أي تغير حقيقي ناهيك بأنه ممنوع من الجدل والتغير ولا ينطبق عليه شروط المادة التي تتعرض للتغير والتطوير والتغير النوعي ولكن يمكننا القول بأن مثل هذا القانون فقط ينطبق على الفكر العلمي الذي يتعرض للنقد والاختبار والتقييم العلمي المتواصل وعبر ذلك يتعرض للتطور والتغير المستمر اختصاراً فلو كان الفكر البشري بأنماطه المتنوعة يتعرض لنفس خاصية التطور الماركسي لكان مستوى تطور الشعوب كانت متساوية ولما وجد هذا التباين الهائل بين المستويات الحضارية فهناك شعوب تغزو الفضاء وأخرى لم تخرج بعد من الحالة البدائية ما نود التأكيد عليه هو بأن الصراع في هذا العالم هو صراع فكري بين فكر علمي يتطور ويرتقي ويحرر البشرية من قيم التخلف والصراع يجري بينه وبين فكر متخلف ينتج الحروب والجهل والدمار والظلم والاستبداد للبشرية فلكل فكر نتاج في واقع الشعوب فلولا الفكر الديني لما وجد الفكر الطائفي وحروبه المدمرة ولولا مفهوم الله لما جعل فرعون من نفسه إلهاً فالفكر المتخلف عبر التاريخ البشري لم ينتج نقيضه الإيجابي بل كان ينتج ذاته بعكس ما جاء في قانون – ماركس – وكمثال للتوضيح فعندما عثر على الطفل الهندي الذي كان يعيش مع الذئاب كان يسلك سلوك الذئاب في كل شيء كان يعوي ويكشر عن أسنانه ويجري على أطرافه الأربعة فمن يتربى مع الحيوان سيسلك سلوك الحيوان دون أدنى شك ومن يتربى في بيئة متخلفة فكرياً سيسلك سلوك متخلفاً والأمر ينطبق على بقية البيئات المتباينة فكريا 
أما قانونه الثاني صراع الأضداد – فكل شيء حسب هذا القانون يحتوي على نقيضه أو ضده ويشكلان الشيء ونقيضه معاً صيرورة واحدة متصارعة داخليا وهذا الصراع هو السبب في حدوث التغيرات الكمية التي تتراكم وتصل إلى حد معين لتحدث القفزة النوعية أو الثورية نحو التغير فهو يعتبر بأن الصراع الطبقي القائم بين الفقراء والأغنياء هي التي كانت السبب في تطور الشعوب من حالة المشاعية البدائية الى مرحلة البداوة فالإقطاع فالبرجوازية فالرأسمالية وستكون الامبريالية آخر مراحل الرأسمالية وستنهار النظام الرأسمالي وستحل محله النظام الشيوعي . وهنا لم يوفق ماركس في هذا القانون أيضا فلو كان هذا القانون صحيحاً لكان الكرد الآن في حالة الإمبريالية مع بقية شعوب العالم ولما وجد هذا التباين الحضاري بين هذا الشعوب —- ولو كان كل فكر سلبي يحتوي على نقيضه الإيجابي المتصارع وينتج التغير الإيجابي النوعي لما استمر التشرذم والتشظي الكردي وأعادت أنتاج ذاتها عبر تاريخ هذا الشعب ولتطور وتغير ولظهر الكرد كتلة واحدة موحدة تدافع عن مصالحها ولاختفت ظاهرة الخيانة والعمالة وأنتج نقيضها وتحولت إلى ظاهرة إيجابية … ولظهر داعش بمظهر حضاري بخلاف غزوات الإسلام التاريخية في قطع الرؤوس وسلب الممتلكات وسبي النساء 
أما قانونه – نفي النفي – وهذا القانون هي بالأصل من إنتاج الفيلسوف الألماني – هيغل – الذي كان يعتقد من خلالها بأن – الفكر سيتطور ويتغير ويرتقي وسينفي الأفكار التي كان قبله أو سيحتفظ بقسم منه – لكن كل الوقائع والأحداث التاريخية تؤكد بأن الفكر المتخلف كان ينتج ذاته على الدوام ولم ينتج نقيضه الإيجابي يوماً

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بوتان زيباري   في أروقة السياسة الدولية، حيث تتراقص المبادئ على إيقاع المصالح، تبدو القضية الكوردية كوتر مشدود بين أصابع القوى الكبرى، كلٌ يعزف عليه لحنًا يخدم نوتته الخاصة، ثم يطويه في غمد النسيان حين تنقضي الحاجة. إنها قضية أمة سُلب منها حقها في التشكل، ليس لأنها تفتقر إلى مقومات الهوية، بل لأن الخرائط التي رسمها المنتصرون بعد الحروب…

تزامناً مع حلول الذكرى الـ(٣٤)، للانتفاضة في كردستان العراق، صدر اليوم المصادف (٨/٣/٢٠٢٥)، كراس (في أدبيات حركة الكردايتي: مظلة الحركة التحررية لشعب كردستان)، وهو من تأليف الكاتب القدير الإعلامي البارز الأستاذ (ستران عبدالله)، الذي سعدت بترجمته من الكردية (السورانية)، ويتناول الكراس موضوع التشتت والشقاق بين صفوف الحركة الكردية، وضرورة وجود مظلة كردستانية تضم أطرافها تحت ظلها، أنه بالفعل (كراس صغير…

علي شمدين في خضم مساعي الحريصين والغيورين على مستقبل الكرد في سوريا الجديدة، ودعوتهم المستمرة لأطراف الحركة الكردية في سوريا للتوافق وتشكيل وفد مشترك يمثل الجميع من دون إقصاء من أجل استثمار هذه الفرصة التاريخية التي توفرت للكرد على إثر هذه المتغيرات الجذرية التي تعصف بالمنطقة عموماً وسوريا خصوصاً، في خضم ذلك هناك من يدفع بالحوارات الكردية- الكردية،…

درويش محما جنكيز تشاندار، المستشار الخاص للسياسة الخارجية لدى الرئيس الأسبق توركوت أوزال، تطرق في كتابه “قطار الرافدين السريع” إلى ضعف عبد الله أوجلان وإطلالته المخزية وهو يعرض خدماته لخاطفيه على متن الطائرة التركية التي أقلته من كينيا إلى السجون التركية، كما كتب عن الحالة اليائسة لأوجلان وخنوعه بعد اعتقاله وسجنه، وتأثير ذلك على مصداقية الرجل ومكانته، الأمر الذي…