أن تكون في محميَّة من لا تعرفهم

 ابراهيم محمود
” أجراس مهرجان كلاويج العشرون:20-23/11/2016 “
قررتُ أخيراً أن أيمّم وجهي شطر مهرجان ” كلاويج ” الثقافي العشرين، والمُقام سنوياً في ” السليمانية ” الكوردستانية والمزنرة بسلسلة جبلية، انطلاقاً من دهوك التي تناظرها نوعاً ما بزنارها الجبلي الصاعد عالياً. قرار أخير ترتّب على تصوُّر عمّا يمكن أن يقال، وممَّن يسمّي القول، وكيف، وفي أي موضوع واتجاه. وقد لا أكون مبالغاً حين أقول بأن لدي ريبة معينة لا أخفيها تجاه لقاءات من هذا القبيل، شعوراً منّي عن أن الكثير مما يقال في حكم المستهلك، غير أن لكل لقاء محاسنه، أطايبه، وفيه مجهوله المحفّز على الإسراع في الوصول، ومفاجآته المشعِلة أرواحاً.
إن ما يضفي على كل لقاء من هذا النوع، هو أنك تلتقي بأناس تمنيت أن تلقاهم منذ زمان طويل، أنك تصاحب أناساً يشاطرونك قائمة من مشاعرك وينطلقون من زاوية الرغبة عينها، وحيث لكل منهم دمغته الشخصية، هويته النفسية، وتلك هي جمالية المحمية التي أردتها حاملَ عنوان، إنما أيضاً تلك هي فضيلة الأجراس التي تُشتهى على وقع خطوات من أعرفهم ويعرفونني، ولم يحدث أي لقاء مباشر سابقاً. ذلك هو المنجز المستجد في كل لقاء، مناسبة، وقد أخرِجت من طابعها المناسباتي، فالوجوه لن تكون هي ذاتها، وصيغ الخطاب لن تكون هي ذاتها، والأمكنة لن تكون معتادة وإن تكررت رؤيتها، وحتى الذين عرِفوا سابقاً، يضفي التاريخ المختلف خاصية جهول تشد إلى التحرّي عن المختلف وما يحفّز على المزيد من المعرفة.
ولا ثقافة، أي ثقافة فاعلة، دون تعميق أثريات هذا المختلف في مجتمع يناشد مستقبله الأجمل.
وعلي أن أعترف أن ترددي في الذهاب مرجعه عدة أسباب : وضعي الصحي الذي أخشى عليه جرّاء طول المسافة، والطريق الطويل والمتعرج، ويحتاج الحديث عن الطرق في إقليم كُردستان العراق إلى بحث خاص، من ناحية المزيد من التوسُّع في شبكتها وتحسينها، ووسيلة النقل التي تكون السيارة، وليس من سواها هنا، أي كيف تنعدم شبكة طرق أخرى موازية، لا بل ومنافسة للأولى” حديدية مثلاً “، والتي لا تقتصر في دورها على الربط بين جهات الإقليم كافة، بقدر ما تكون مقدّمة للوصل بينها، وهي تشق جبالاً، وتذلل صعاباً، وتريح من يشدّدون على طي هذه الجبال عبر هذه المعابر، وضمن سياق النقل، تكون الحالة النفسية ضاغطة حين تكون بمفردك طوال ساعات خمس وأكثر، سوى أن كاتبنا القدير والصديق عبدالرحمن بامرني، كعادته، كان فاعلاً في الإقرار بوجوب الذهاب في سيارته، والذي أنسانا طول الطريق هو أن الجمع المتلاقي في ” مركبته ” الأنيقة، جمع كتّاب، وهم يعيشون همّاً واحداً رغم اختلاف الزوايا: بدءاً من الصديق بامرني، ومن ثم الصديق الآخر والأكاديمي هوكُر طاهر توفيق، إلى جانب من أصبحوا أحبَّة الحرف ومن جيل تال: نوزاد بيروموس الباحث المجدّ، والقاص المنفتح على وجه مستقبلي واعد بالعطاء: عادل عبدالمجيد، والشاعر المأخوذ بجمر الشعر: ديار..، وأنا الذي بدوت طاعناً في السن مقارنة مع أعمارهم، سوى أن حرارة الجمع وتطلفاتهم وخفة أحاديثهم، حرّرتني من وضعيتي المركَّبة: في العمر والظرف الذي أعيشه كلاجىء، وأشياء أخرى وأخرى لتبقى: أخرى.
لكَم هو الإقليم ثريُّ أتيٌّ بجباله، موفور العطاء الجغرافي بمساحات سهبية وهضبية ووديان وقمم جبال، وأشجار تتنفس عالياً، وسماء تشد الجميع إليها. أحسب أنه لو أن المقيمين في الإقليم أمعنوا النظر ولو قليلاً، في جغرافيته، لأدركوا نوع الاختلاف المثير فيه، وارتقوا بأنفسهم أكثر.
بالشعور هذا، إلى جانب أحاديث مختلفة، وتجاذبات خواطر مختلفة، بلغت مشارف مدينة ” السلام “، والمعتدة بنفسها، وطريقتها في الكلام، وهي الجامعة بين الطابع الأوبرالي” صوت يخرج من الداخل ” والطابع الاسترسالي في القول، وربما كان في ذلك تشاركُ كل من الجبل بعلوّه، ومنبسط الأرض وعمق أغواره، ودخلت السليمانيةُ بقدر ما تسرّبت بكل تضاريسيتها دفعة واحدة إلى حيث أرشيف الذاكرة، حتى بلغنا الفندق الموعودين به” آشتي: السلام “.
وكما هي العادة” وهي العبارة الوحيدة التي تستحق أن تبقى: عادة “، أجلنا النظر هنا وهناك علَّ العين تنشّط الروح أكثر بوجه مألوف سابقاً، أو من يأتي إليك من خلال صورة منشورة.
الفندق لا يخفي مناقبه، وهو يقدّم لك ما هو محتو ٍ عليه، ويثير فيك مشاعر وأحاسيس وأفكاراً عن الذين كانوا فيه وأين هم الآن، وماذا فعلوا هنا، وأبعد من مكانية ” هنا “، وكيف أمضوا أوقاتهم، وأين هي أصواتهم، كيف يمكن تحرّي آثار تردداتهم الصوتية، ظلال وجوههم على مرآة هذه الغرفة المرقمة، الحمّام، الممر، المصعد، ردهة الفندق…الخ، تلك التماعات محفّزة على تداعيات، روابط للنظر في أكثر من اتجاه بغية التركيز على اتجاه واحد، وبلورة فكرة ما..
كلمات كسواها، مغايرة لها، متداخلة معها، منفصلة، متقاطعة، متقاطعة، متفاعلة، تقوم بأدوار تتسلسل، تتنقل بين فم وفم، بجامعها البصري، وربما يُحَس بها وهي تنبض في المساحات الواسعة للفندق، وبجوار هذه المجموعة من الطنافس والكراسي أو طاولات المطعم وممراته، كلمات لها أعمارها، أطوارها، أدوارها، انتكاساتها، بدعاتها، كما لو أنها الأًصوات عينها.
أقولها، وأنا بصدد ما أريد التنويه إليه دون ضبط خطى القول، على طريقة الأكاديمي، حيث الفسحات مختلفة، والمكان رغم اعتباره محميّة، إلا أنه يهبُ المدعو لأن ” يشق عصا الطاعة ” فثمة الكثير مما يمضي به في أكثر من اتجاه في طريقة اللقاء، التعارف، الحديث.
وما أريد التنويه إليه، هو أكثر من الطابع البروتوكولي، لأن الأحاسيس لها زمنها الخاص، أسلوبها في وهْب المعنى ما يحرّكه من مكانه، ويخرجه من أوانه ونظام دلالته، وأنا أسمّي بداية البروشور الذي تلقفناه، لأن فيه ما يغذّي ميكانيزم الفضول: برنامج المهرجان، الفيستيفال.
لعله اعتبار معزَّز وفي محله، أن يأتي في لغات أربع: الكوردية، والعربية، والفارسية، والانكليزية تجاوباً مع الحضور، وثمة ما يشبه العلامة الفارقة، حيث تلت عبارة ” مهرجان كلاويج العشرون ” عبارة مفصلية لافتة” عقل حر لجيل متنور “، عبارة مخيفة ولها دلالتها، وربما تترجم ما هو متخوَّف منه وعليه: 
أن لا بد من عقل حر ليكون لدينا جيل متنور.
ثمة عقل ليس حراً، فلن يكون هناك جيل متنور إذاً.
أعطني عقلاً حراً، أعطك جيلاً متنوراً.
الجيل المتنور رهينة العقل الحر…الخ.
تلك تخريجات، لكنها تبقي للتخوفات مكانتها وفي الإقليم بالذات، فما أكثر ما يُتخوَّف منه، ما أكثر ما يتردد من قرب زوال ما يصلنا بالعقل، بكل معنى الكلمة، وكأن هناك جرس إنذار، وفي الوقت الذي جاءت صفة” حر ” تأكيداً على هذا العقل ” المطلوب “، ولا أدري هل العقل الحر المطلوب يكون خلال فترة المهرجان حصراً، أم ما يجب على مدعوّيه أن يتصفوا به؟ في الحالتين ثمة قياس الإحراج:
إذا كان هناك إلزام، فليس من حرّية، عدا عن تلميح واضح بأن القادمين بصفة المدعوين لن يحملوا معهم ” عقلاً حراً “، وأن التالين عليهم: كجيل، هو جريرتهم.
وإذا لم يكن من إلزام، فمن أين جيء بهذه الصيغة؟ هل أن الرهان على من تمت دعوتهم؟ حسنٌ، ومنذ متى كان لهؤلاء وأمثالهم هذا المجال المفتوح، أو الامتياز المسجَّل ليكونوا هم صانعي ” الفُلك النوحي “، وفي وسط عارم مضطرب، له منحى طوفاني؟ أين حمامة المثقف؟
أحسب أن هناك ما هو أكثر من اليوتوبيا، أكثر من تحميل الكاتب أو المثقف ما ليس قادراً على حمله، ليس لعجزه، وإنما لوقوعه كثيراً، ضحية عجز من يطلبون منه ذلك، على طريقة:
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له   إيّاك إياك أن تبتلَّ بالماء
نعم، لكم هو جميل أن يُرى في الكاتب، والمثقف، أو المتنور” كدرجة عليا في الثقافة والمعرفة “، ما يبقيه في واجهة الأنظار، سوى أن ريبتي التي سلف ذكرها، هي أن هذا التقدير دفع به إلى الواجهة ليتحدث كما لو أنه المعني بما يقول، وله سلطة اتخاذ قرار تنفيذية، وتحديداً، عندما يدقَّق في ” عقل حر “، وكأن صيغة ” العقل ” غير ضامنة للتالية، كما هو مطلوب، وإلا فلماذا نقول ” فلان عاقل “، فهل ثمة عقل وعقل وعقل من جهة العموم؟ نعم، تلك عبارة وصفية وتؤكّد على ما ينبغي التنبه إليه، لكن ذلك يبقي الإشكال قائماً، وأرى أن الذي ألصقوها ” لوغو ” أو ما يشبه ” إيقونة ” مهرجان ” راعوا هذا الجانب، دون النظر في الوجه الآخر لها، لأن الجيل الذي يتحرك خارجاً، الجيل الذي ربما جرت تسميته، بالكاد وجِد من يمثّله، وهو في الغالب جيل موبايلي، فيسبوكي، وأن من ينوّره بداية هم الذين يؤلّفون فيه حكاياتهم، أساطيرهم، ألاعيبهم، قصص الأسماء الخاصة، الدورات ” التثقيفية والدوغماتيكية الخاصة، وبالتالي، فإنه ليس على المثقف ” المثقف ” من حرج، إن قال هنا بصوت عال: أين أنا لأكون أنا، أنا ؟
ما تبقّى، له منحى آخر في القول، وسرديات الانطباعات وتلقّف الأقوال والمتابعات المختلفة.
فالحضور المرئي كان يفصح عن فضول لأن يكون داخل العقل” لندع صفة الحر جانباً، لأنها مربكة هنا “، كان لديه توق لأن ينتقل إلى فضاء الصوت.
وعلي أن أثبت ما أراه جديراً بتسمية هذا العقل، وكوني أنسّب نفسي إليه:
إن مجرد ربط أي مناسبة ثقافية، والمهرجان الكلاويجي ضمناً، بما يخرج عن نطاق مفهومها، يضفي على العقل المسمَّى صفة أخرى، وفي ضوء ذلك، فليس لدي أي تحفظ حين أسمع كلمة سياسي أو مسئول سياسي، سوى أن الافتتاح بكلمة السياسي وهي تأتي بانورامية، وتغطي زمناً محسوباً، لا تعطي انطباعاً بأن المهرجان الثقافي ” هنا ” خارج تصنيفه ” ثقافياً ” إنما تثبت منحاه في الركْب السياسي، أو تحت مظلته، مهما كان حجمها كبيراً.
لا بأس أن يختصر زير الثقافة حضوره بكلمتين، أن يقول المشرف على المهرجان كلمة، وما عدا ذلك، هو إيقاع للمهرجان في شرَك اللاثقافي، شرك ” العقل السياسي ” إن جاز الوصف، كما لو أن المدعوين ليس لدى أي منهم فكرة عما يجري. أم تراهم مطلوبين لأن يُلقَّنوا بما هو سياسي ليلقّموا ما هو سالك ثقافياً في الطريق السياسي؟
ذلك ينطبق حتى على الكلمة الختامية للسيد ملا بختيار، المشرف العام للمهرجان، والذي أٌقدّر فيه طريقته في الاسترسال، سوى أن هذا التعامل، ولزمن يطول” ثلاثة أرباع الساعة في الختام  خاصة”، يعلِم بما هو عائد إلى تراتبية العلاقة بين السياسي” وهو رجل سياسة قبل كل شيء، وفي موقع السياسي والحزبي “، والثقافي المقيَّد حتى في بيته المتداعي.
أليس الأَولى، أن تقال كلمة ترحيب، وتمنٍّ بالنجاح، إشعاراً للمدعو أنه يتحرك ويتكلم بصفته الاسم الخاص به، والمكانة التي يطمح لها حباً بـ” العقل: الحر ” وتشوقاً إلى ” جيل: متنور”؟
في الداخل الآن
تالياً، كان المقدَّم تنويعاً وتلوينا للأصوات واللغات حيث تمازجت أصوات عربية، فارسية، أرمنية، كوردية. كان للطيف هلمت الكوردي ما يعزّز نباهة الصوت الكوردي بداية، ترافق معه الصوت الشعري العربي الطليق بمعناه للشاعر اللبناني عباس بيضون، وللصوت الفارسي الأنثوي المتموج، صوت الشاعرة شوكا حسيني، إسراء بالصوت المختلف صحبة صوت آخر، أنثوي وطروب بجهته للشاعرة الأرمنية استغيك افيتيسيان.
وفي النطاق الأنثوي السامي كان لزوزان المشرفة على جناح بيع الكتب، في معرض للكتاب بالترافق مع المهرجان، بعد عميق الأُثر، وهي تؤكّد مأثرة الكتاب إلى جانب زوجها الصديق سراج، وبشخصية عامرة بالثقة، حيث كان اللقاء بها يتكرر في رحابة الفندق كل مساء، ويكون الكتاب وما يصلنا به فاتح شهية موضوعات تترى.
ولعل الدائر في يوم الاثنين” 21-11-2016 ” والمتعلق بموضوع ساخن وحساس” الإبادة الجماعية للأرمن وصلتها بالكورد “، وفي جلسة الصباح، من قبل ثلاثة من الأخوة الأرمن: سورين مانوكيان، وفاهرام بيتروسيان، وآتوم مخيتاريان، إلى جانب مشاركة الأكاديمي هوكُر طاهر توفيق، والذي تمحورت أطروحة الدكتوراه الخاصة به حول هذا الموضوع، ومن ثم توضيحات الباحث الكوردي محمد حمه صالح توفيق، لعل ذلك كان معزّزاً لقول المزيد، والتحول إلى المزيد من المكاشفات، خصوصاً وأن الذي أسمِع لم يخف توتراته، وتوبع ذلك في جلسة المساء، ومن قبل بحث الأكاديمي المعروف هنا زرار صديق رغم أنه تاريخي.. إنها إسهامات جلية الأثر، ولكن البت في أي معلَم تاريخي، وإن كان للباحث دور في إبرازه، منوط بالسياسي.
ذلك كان مجالاً آخر للتعرف على ما تردد بألسنة آخرين ومن زوايا مختلفة، كما في حال الباحث الكوردي والمقيم في برلين” عبدالغني كاكو ” وقد استمتعت بصحبته تالياً.
وأحسب أن جلسة ” النصوص الإيرانية ” الصباحية في اليوم التالي، لمجموعة باحثين مجدّين وفي موضوعات راهنة، كانت منشّطة، لكل من مشيت علايي، فرزان سجودي، سارا سالار، قاسم كشكولي، رغم توجيه ملاحظات كثيرة إلى بنية المقدم، من جهتي، وجهة آخرين، وقد عبَّرت عن جماليات اللقاء، اللقاء الذي أفصح عن عمق معناه أكثر في الجلسة المسائية، وتخصيصاً حول موضوعة الهوية من قبل الشاعر عباس بيصون، والباحثين العراقيين المعروفين جيداً في الوسط الكوردي، وقد وصف في التقديم، بصديقيّ الشعب الكوردي: الأكاديمي ماللك المطّلبي، والباحث ياسين النصير.
ولعلّي في جلسة النصوص الكوردية في اليوم التالي” الأربعاء “، ومن قبل مجموعة من الأدباء الشباب نسبياً، تلمستُ طموحاً في قول المختلف، رغم تعثرات في التمكن، ولكن ذلك لا يغيّب عن حرارة البحث، ومن قبل الباحثين: غريب زاهر غريب، وجمال حسين، وهريم عثمان ونجاة اسبينداري، فقد كان التاريخ والنقد والتنظير عاصر فاعلة في المقاربات البحثية.
ذلك ما أمكن تلمسُّه في اللجنة التالية، والتي تنوعت محاورها، سوى أن علي التأكيد على أهمية إسهام الباحث الشاب نوزاد بيرموس، والذي عنون بـ” الإيزدية أساس للوعي المشترك للهوية الكردية في رواية- قصة الجزيرة- ليشار كمال “، حيث تآزر الصوت والصورة، وأضفى هذا التناغم طابعاً من الأريحية والنباهة على الموضوع وتحديداً بالنسبة لقامة شامخة في الأدب وضمن إشكالية اللغة وهو كردي: يشار كمال، ونوزاد أمضى عدة أشهر في استانبول ليتعرف على بيئته، وموضوع رسالته الجامعية ” الماجستير ” كان في هذا الجانب الممتع بإضاءاته.
لا أقلل من أهمية أي موضوع، سوى أن هناك ما يُقرأ وينسى في الحال، وما يقرأ ويفكَّر فيه لئلا يُنسى، وما يقرأ ويتمسَّك به ضداً على النسيان.
أما عن توزيع الجوائز فهذا اعتيادي، في كل سنة، وأعتقد أن قناة ” روداو ” التي غطَّت أنشطة المهرجان سهت؟ عن بث مقاطع تعني بعض الشباب:نوزاد ، ديار، عادل، وكنت المعني بالتسليم كنوع من التقدير، وكان يجب ألا يحصل خلل كهذا.
ما يهم، هو أن الذي تنشَّط على هامش المهرجان من جهة الذين باتوا في خانة الأصدقاء، وهم من الكتاب، وفي مستويات مختلفة، عمَّق في مأثرة المناسبة/ اللامناسبة، وجوه تألقت بحيويتها وخفة دمها وأهليتها لأن تُحب، وأسماء تموقعت في الذاكرة، بدءاً  من الدكتور والمؤرخ نجاة عبدالله والذي يعمل في الأكاديمية الكردية في هولير، والباحث كاكو، وليس انتهاء بقائمة ثرية بفضاءاتها الاعتبارية في جلسة مسائية فاضت بحيويتها، وعلي أن أسميها: صابر رشيد، متعدد المواهب، شتيواث هلبجيي، هيمن برزنجي، سيامند هادي، دانا فايق وجليل كاكا ويس، كقصاصين، وعبدالغني كاكو سالف الذكر، وهو كاتب وناقد وقصصي ومترجم، وصلاح عمر، القاص والروائي…وأعتذر للذين لم تسعفني الذاكر بتثبيت أسمائهم، بقدر ما أجدد شكري الواسع للرفيع القامة كشهقة شراع ضوئي: صابر رشيد، حين سجَّل اسمي ووصفني بـ” العملاق “.
ساعات مضت ولما تزل تمضي بتموجاتها ذات الصلة بالكلام، بلهجات شتى، كما لو أن حضورك كردياً يضمن الدخول في رحابة المأمول.
وإذا كان لكل مناسبة منغّص لم يُحسَب له، فهو رجوع الصديق هوكَر توفيق ظهر الثلاثاء، إلى بيته الدهوكي، سريعاً، لأن أباه الذي أعرفه ع قرب قد أدخِل المشفى جرّاء نوبة عارضة، مضت دون أن تنال منه، حيث لهوكر حضور لافت، وكان يقاسمني غرفتي.
وعلي ألا أننسى ما عشناه بما هو خياليّ القيمة، أثيرها في مساء الاثنين” 21-11-2016 “، نحن مجموعة ممن شملنا ” الحظ لأن نلتقي كنوع من التكريم غير المحسوب خارج الفندق، في فسحة زمنية استغرقت ساعات، ترجمت الكثير مما هو إنساني، حيث تعانقت أصوات وأغاني بألسنة أرمنية، عربية، فارسية، كوردية، وكل منا على طريقته. لم يكن أي منا مغنياً، مطرباً، إلا أن الطوعية كانت ضامنة بهجة تقاسمت الجميع، لأن مجرد سماع الصوت يعني أنك ممتد في الآخر وأن الآخر متفاعل معك، وأنوّه إلى بدعة الفارسية: الشاعرة أصلاً، وذات الصوت المدى الطروب: شوكا حسيني، وهي تناغم ما بين الصوت وأفعوانية الجسد، في فرح لا يُحتكَر.
إنه مهرجان من نوع آخر، لم يحضَّر له، كغيره مما كان يترتَّب في الفندق وخارجه، كما لو أننا نحث السير صوب جمالية الهوامش، حيث يتنفس العقل أكثر.
كان هناك ما لم يخطر في الذهن فحلَّ في القلب، وما كان في القلب استقر في العقل والذاكرة، وما كان مجهولاً بات أكثر معلومية، لتكون أجراس مهرجان كلاويج العشرين رغم ترددات أصواتها الجاذبة، أقل من المنشود، تجاوباً مع الوضع الصعب في الإقليم، وثمة رغبة في أن تكون هذه الأجراس بالصوت الرنان أكثر استلهامية وعذوبة إيقاع في السنة التالية، وأن الذي أشيرَ إليه حباً بالقيمين عليه، أكثر عمق مدىً، واحتفاء بالثقافي، تعزيزاً لإضاءته ليس إلا.
وما تداولناه في طريق الإياب، مجدداً صحبة الصديق عبدالرحمن بامرني، كان جمعاً مشتركاً، لأيام مشترك، وتقاسيم شجن مشتركة، وتحفيزاً صوب مشترك أمضى بشفافيته.
دهوك، في 25-11-2016.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…