مروان سليمان
على عتبات المشهد العسكري و وقائع الميدان و الممارسات السياسية التي تتبعها الأحزاب بشكل عام يكشف لنا هشاشة الهياكل الحزبية لا بل نجد الساحة فارغة من أحزاب تعبر عن مصالح الشعب لأنها أصبحت مثلها مثل التجارة في تلبية المصالح الشخصية و هذا أدى إلى تشوه المفاهيم الحزبية و الديمقراطية و ترك الأثار السلبية في نفوس الناس مما جعلها تنفر من تلك الأحزاب الموجودة على الساحة و خاصة في ظل أحداث يعيشها الشعب السوري عامة و الكردي خاصة الذي ظل التشوه السياسي ملاحقاً و فاعلاُ في النفوس لأن ما تم تطبيقه من قبل النظام قد طبع الأحزاب السياسية و جعل منهم نماذج لممارسات النظام الذي كان يلاحق و يعتقل و يقتل و يعذب و يرفض البديل و تحول الحزبي أيضاً إلى عصا في يد المسؤول الحزبي و هكذا ظهر أداء الأحزاب سيئاُ و فاشلاُ لأن تلك الأحزاب لم تستطع التحول من أحزاب متصارعة تحت اسم الحزب إلى أحزاب سياسية تلبي المصالح العامة في خدمة التنوع السياسي .
بين المحطات الحزبية الكثيرة لم يعطي الزعيم الحزبي و لو جزءاً بسيطاُ من وقته في بناء حزبه أو مناقشة مشروعه الذي لم يأتي بعد لتطوير أفكاره السياسية إن وجدت، و كذلك تعديل بوصلته على التطور الديمقراطي الذي من المفروض أن يطالب به بسبب تحوله فكرياً إلى نسخة من النظام الحاكم و إنتهى به النسيان. و لكن هل هذا مبرر لتقاعس النخب المثقفة أم أنها تبحث فقط عن شماعات المبررات لكي ينأى بنفسه عن المسؤولية التي تقع على عاتقه؟.
حين نستعيد شريط الذكريات القديمة نكتشف كم كنا بريئين و كيف كنا نمد جسور الوفاق و التصالح حيث ذهبت كلها أدراج الرياح و بأن ثمار ما تم زرعه في ذلك الوقت قد تم إتلافها ليس بسبب حادثة عابرة و إنما هذا الشعور نابع من مناخ و أجواء و مرارات و مشاعر العديد من المحيطين و الذين عايشوا الأحداث بعينها و هذا يجعلنا بأن الذين كان البعض يعقدون عليهم الآمال قبل أعوام قد إختلف تماماً حيث أصبحنا أمام مشهد لم تخطر لنا ظواهره و قسماته على بال أحد منا و أضعف ما يقال عنه هو أن شرخاً حدث في العلاقة بين الكورد أنفسهم و تحول مع مرور الزمن إلى فجوة عميقة و تزداد إتساعاً كل يوم و مع الأسف فإن جهود إصلاح تلك الفجوة و ذلك الشرخ حققت فشلاً ذريعاً حيث تراجعت فرص المصالحة و حتى ماتت فكرة العيش المشترك و وصلنا إلى حالة من اليأس و التي يمكن أن تتطور نحو الأسوأ إذا لم نتداركها بعناية تامة و الوقوف عليها بجدية و إخلاص و إذا لم يشارك الجميع في توضيح خطورة الآثار الناجمة عن تراكم هذا الكم الهائل من الخلافات .
السؤال الذى يستحق أن نفكر فيه جيدا هو: لماذا فشلت جهود تأسيس العيش المشترك؟ إذا استبعدنا فكرة المؤامرة أو الأدوار الخارجية أيا كانت دورها، و إن من أسباب تفشي هذه الظاهرة في مجتمعنا أننا لم ننجح فى التوصل إلى تشخيص صحيح للمشكلة، واختزلناها فى بضع طلبات تتعلق بزيارة القبور و إقامة الأربعينيات وشغل الوظائف وحصص التمثيل فى المجالس المنتخبة والمناصب العليا في الهيئات و الفعاليات التي تشكلت في الفترة الأخيرة. كأن الوضع سوف يتصلح و الآلام والمرارات سوف تختفى والنفوس سوف تصفو إذا تمت الاستجابة لتلك الطلبات.
كما إن سقف محاولات ترقيع الواقع و العمل معاً يرتفع حينا بعد حين، وإن مطلب المساواة فى الحقوق والواجبات لم يعد كافيا ولا مطلب التعايش بات مثيرا للحماس. و هكذا كانت النتيجة إن جسور الحوار الحقيقى لم تعد قائمة، وإن المؤسسات التى يمكن أن تنهض بهذه المهمة جرى تغييبها أو اختطافها، فصغر شأنها واختزلت فى أشخاص جاهلين يحملون السلاح و بيدهم مفاتيح القوة آثروا استخدام الضغوط وممارسة لى الأذرع بديلا عن الحوار.
و السبب الأخر في الفشل هو هشاشة المواقف و ضعفها داخل الهيئات بسبب التعامل غير المتزن و البحث عن المصالح و المكتسبات الحزبية الآنية أكثر من البحث عن مصلحة عامة الشعب و هذا ما دفع بالبعض الآخر إلى الإحتماء بالأقوى و تعاملت الهيئات القوية التي تحمل السلاح و وضعت نفسها في خدمة الآخرين مع الهيئات الضعيفة كمنافس لها و أصبحت تحاربها على جميع الأصعدة فعملت على إعتقال الشباب و النشطاء و تغييبهم و التلاعب بالأسعار و سوء إدارة المنطقة و الغلاء المعيشي و نقص المواد الغذائية و غلاء المحروقات كلها أسباب جعلت المواطن لا يشعر بأنه يعيش في وطن يستحق أن يدافع عنه.
هل فهم الناس طبيعة القيادات و حتى أحزابهم ذات الأسماء الرنانة لكي يتخلوا عنهم أو يخرجوهم من الهالة السياسية التي يعيشونها في أنفسهم في شكل نموذج فاضح للفشل و الأخطاء التي يرتكبونها؟ و هل بدأ البحث فعلاً عن طرق جديدة و قيادات متحررة من هذا الفشل بعد كل هذه التطورات و الحقائق الموجودة على أرض الواقع؟ و هل يتم تنظيف الساحة السياسية من القيادات المنتهية صلاحياتها و تم تطوير القاعدة الحزبية في سبيل وضع خطط و برامج و أفكار جديدة؟ .
و أخيراً نقول جوهر المفاصلة الحقيقية و الخلاف الناشب ليس بين الكورد أنفسهم ولكنه بين سلطة فرضت نفسها بقوة السلاح في غفلة من الزمن وبين المجتمع الكوردي الذي أصبح أسيراً للسياسات الهمجية لذاك الطرف الذي أصبح يعمل من أجل تحقيق أجندات الدول الإقليمية و الدولية بدون أن يكون لهم في المعادلة ناقة و لا جمل إلا قبض أثمان أكفان القتلى في معاركهم الخارجية و البعيدة كل البعد عن الحدود الكوردية.
التنظيمات الكردية تقلد الديمقراطية و لم يخترعوها و لكنهم أيضاً لم ينجحوا حتى الأن في بناء أحزاب سياسية تحمل مشاريع قومية حقيقية و تعمل من أجلها في واقع الأمر و لم تنجح تلك التنظيمات في تحرير نخبها من الأمراض التي تعانيها في فشلها الذاتي حتى ترتقي إلى مستوى مرحلة تكوين حزب جماهيري لكي يحمل ذلك المشروع الذي يحلم به كل كردي غيور
السلك التربوي- المانيا
03.07.2022