إبراهيم اليوسف
إلى هايس الجريان
سعى النظام السوري، وعبر عقود مسيرته المدعَّمة بالحديد والنار، إلى تأجيج الصراع بين المكونات السورية، في المناطق الكردية، من ضمن أدواته التي لجأ إليها للتشبث بالسلطة، عبر استبعاثها، وتحويل البلاد إلى ثكنة عسكرية، ليكون النموذج التأسيدي، تأبيدياً، من خلال ترسيخ الشعار الذي ألزم طوابير تلاميذ المدارس والطلاب والعساكر على ترديده: أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة- قائدنا إلى الأبد الرئيس حافظ الأسد، وهو من أخبث أنظمة الشرق الأوسط، وأكاد أقول: العالم، ولدي ما يؤيد هذا الرأي، إذ إنه ركز على فئتي: الطلاب/ الشباب “التربية والتعليم” والجيش مانعاً أي حزب سياسي من العمل في هذين القطاعين، كما جاء في مشروع ماسمي بالجبهة الوطنية “1972” الذي كان عبارة عن طاحونة حاولت الإجهاز على كل ماهو سياسي لا يؤيد فكرالنظام، بل قبل ذلك رأس النظام الذي عومل وأسندت إليه المرتبة الأولى حتى قبل عفنه البعثي!
وما دمنا قد استهللنا هذا المقال بالحديث عن مطحنة – الجبهة- التي جاءت أولاً وأخيراً، كإحدى أدوات تأبيد الرئيس الأسد الأب، وتزيين وزخرفة صورته وإظهاره كأنموذج سوبرماني للنقاء، وهو ما يتم الآن، مع الأسيد الابن، من قبل بعض الحريصين على أعطيات النظام: مراتب ورواتب وتربيتات، وهو الطاغية الأكثر غباء في العالم، والذي تدارأمور مكتبه وبيته من قبل – حراس مقر سكناه- من الجنسيات الروسية والإيرانية، عن قرب أو عن بعد، بالإضافة إلى بعض مقربيه، فإن رأس النظام واصل ترجمة ما خطط له أساطين الفكرالعنصري، ليس تقديساً لهذا الفكرالعفن الذي لم يكن إلا مطية لأبيه ومن ثم له، قبل أن يتخفف الوريث من هذه التبعات، أو يتنصل، نهائياً، آخذاً – ما يخدمه منه فحسب- ومن يراقب خطاب الدكتاتور الأب، في عشرالسنوات الأخيرة من حكمه الذي استغرق من العام1970- 2000″ ير أن صورة الحزب- القائد للدولة والمجتمع- لم تكن لديه إلا مجرَّد مطية أو مسرحية هزلية متقنة الأدوار من قبله وبقية مهرجيه، لتكون القيادة المركزية للحزب وفروعه في المحافظات وشعبه وما يتبعها مجرد أدوات تنويم، ومفارز يتحكم بها عنصر مخابراتي علني أو خفي، يتم تعيين رؤوسهم أو تزكيتهم وتطويبهم وعزلهم من خلال تقارير هؤلاء، ما جعل هؤلاء غير قادرين على التقدم التنظيمي مجرَّد خطوة، إلا بعد أن يتفرغوا من قيمهم، ويتحولوا إلى مجرد ببغاوات مسبحين باسم الطاغية، ومن ثم نجله الصوري، ولذلك فإن الأسد- الأب الذي طرح إلى عقود قضايا أكبر منه، أطلقها كمفرقعات وبالونات سرعان ماتمَّ افتضاح أمرها، من خلال شعارات “جبهة الصمود والتصدي” إذ إن إسرائيل انتعشت في ظل عهده، وغدت أكثر أماناً، ولذلك فقد راح يلهي المنطقة بتصدير أزماته و إدارة ارتكاب أعمال إرهابية، واحتضان الإرهابيين وحشر أنفه في كل صغيرة وكبيرة، لتسيد المنطقة والعالم، من دون أن ينسى تنشئة ثقافة – العدو الداخلي- وإسرائيل الداخل “الصغرى” التي تلقاها، وتلقنها عنه وريثه القزم الذي لم يفتأ يشير إلى الكرد كمهددين لأمن البلاد، كما قرأت ذلك في حوار عبر- نشرة كلنا شركاء- في العام 2003 إن لم تخني الذاكرة الزمنية، وماهو مؤلم أن الكردي الذي لم تخل سجون البلاد، على امتداد عقود سلطته من حضوره، صار يومأ إليه ” لقد تحسنت نظرة النظام إلى الكرد” وهذه النقطة تحتاج إلى شروحات كثيرة تدحض ذلك لأن كل المشاريع التي أسس لها غلاة عنصريي الناصرية والبعث إنما طبقت في عهد الأسد الابن، ولم يرفع عنهم مجرَّد قيد واحد، كما الإحصاء مثلاً، أو حق التعلم بلغتهم، أو تمثيلهم في الإدارات المحلية والبرلمانات والوزارات أو الجيش ولو كان ذلك عبر رئاسة مخفر بينما نجد فيما قبل مرحلة تمكن شوكة ومخالب البعث و استفراد الأسد الأب بالسلطة، وصول عدد من الشخصيات ذات الأصول الكردية إلى مراتب عليا كرئاسة الجمهورية – مثلاً- بل إن التعريب الحقيقي، ضمن أوساط واسعة في المدن السورية: دمشق- حلب- حماة- إدلب- اللاذقية إلخ، إنما تم في عهده ومن ثم عهد وريثه الطاغية الأهوج!
بعد هذه المقدمة، فإنه يمكننا النظر إلى صورة الكردي و مآلها، في ظل ثقافة” البعث/ التأسيد”، إذ نظر إليه كمشروع مجرم، لاسيما بعد إطلاق تجربة الفيدرالية في العراق، وتجربة- إقليم كردستان- الرائدة على مستوى الشرق الأوسط، وتورط النظام في تأزيم العراق في مرحلة ما قبل سقوط نظام صدام حسين2003، ومحاولة “نصرته”، من خلال وفود- الساسة- الكتاب- المتأسلمين- خريجي معتقلاته….. وغيرهم، ومن ثم فتح أبواب ماسميت بـ – المقاومة- إذ تورط كثيرون من هؤلاء بالانضمام إلى- نويات- التشكيلات الإرهابية التي ساهمت في تأسيس كتاب الراديكاليين، لاسيما في النموذج المابعد وحشي “داعش” الذي لم يضع مواجهة رأس النظام، ضمن قائمة مستهدفيه. لكل هذا نجد أن نظام البعث/ الأسد الذي نادى بالوحدة الوطنية، فإن مفهوم شعار الوحدة لديه كان عبارة عن – طنجرة- لطبخ الكرد، على نحو خاص، و محاولة تذويبهم في بوتقة القومية الرسمية، لطالما أنه لم استهدف ديمومة ملامح القومية الثانية في البلاد. القومية الأكثراستهدافاً، إلى جانب غيرها من القوميات الأخرى: السريان – الآشوريين- الأرمن، التي سمح لها- صورياً- بفتح المدارس الخاصة لأبنائها، وتعليم لغاتها، ونشر ثقافتها، ليكون كل ذلك خاضعاً لرقابة مخبرين ومراقبين: محليين ومركزيين، عن قرب أو عن بعد، إذ لا أحد في المحصلة في منجى من فكي أو رحيي الطاحونة الهاضمة.
وإذا كان قد عرف عن الأسد الأب – براغماتيته- نتيجة ثقافة معينة، وهي – انتهازية- تسلطية، وقد كان يرضخ للقوي للحفاظ على كرسيه فإن ابنه افتقد هذه الخاصية، بل راح يمتطي- حمارالعنترة- لذلك فإن صورة الكردي كانت لديه أكثراسوداداً، ولهذا فإننا واجدون إياه، لم يتنازل للكرد، منذ بداية الثورة السورية 2011، قيد أنملة، وإن كان بعض قصار النظر بيننا يتوهمون نادمين، متذاكين، عبر استحضار و استذكار اتفاقية صدام والكرد في عهد ضعضعة نظام طاغية العراق، قائلين: لو أن الأحزاب الكردية استجابت لمطلب الأسد الابن، بعد انطلاقة الثورة، فإن الكرد كانوا سيحققون منجزات كبرى، من دون أن يعرفوا أن لقاءات قد تمت بين ممثلي أحزاب كبرى من هؤلاء، بل ومن قبل مثقفين، واستمعت بعد بضع سنوات، من بعضهم شخصياً، بأنهم التقوا الأسد، لكنه خيب أملهم، واستصغرهم، وهذا ناجم عن- العصاب العنجهي- كمحور بين مكونات شخصيته المتعجرفة، التي بات يعرفها السوريون، بعد عشرسنوات من ثورتهم- الثورة التي أفرغتها التدخلات الإقليمية والدولية عبرعسكرتها وأسلمتها، بعد انطلاقتها الصائبة، والضرورية، لاسيما من قبل تركيا وبعض بلدان الخليج “لاسيما قطر”. ولعلَّ ما يؤكد أن الطاغية الأسد هو من كان وراء إطلاق النار على الشباب الكردي في العام 2004، هو أنه قام بترقية كل من كانوا مسؤولين عن إطلاق النار، وتعذيب الشباب الكردي حتى الاستشهاد، من دون أن تتم الاستجابة لنداءات الكرد المطالبة بمحاكمتهم، ومن هؤلاء، على سبيل المثال فحسب: المجرمان سليم كبول ورئيس فرع الأمن العسكري خليل خالد وهكذا بالنسبة إلى رؤساء الفروع الأمنية واحداً واحداً مع حواشيهم وبطاناتهم، وهكذا بالنسبة إلى عناصرهم ومخبريهم – بمن فيهم مجرمو إطلاق النار الذين واجهوا المظاهرة السلمية واسترخصوا الأرواح البريئة، ناهيك عن طواقم تعذيب الأسرى، بكل وحشية!
يتبع……..