محمد قاسم (ابن الجزيرة)
غالبا ما يحكم الحديث عن السياسة، موقف مسبق وسلوك مصطبغ، بما في هذا الموقف ظاهرة تبدو راسخة ومستفحلة في ثقافة السياسة الدولية تتجلى تنفيذيا في الشرق الأوسط، ومناطق شبيهة في العالم، وتشترك معها بخصائصها (استراتيجية الموقع، موارد، سوق استهلاكية لإنتاج الصناعة العسكرية والمدنية، ورخص الأيدي العاملة … ).
أما ما يخص ثقافة السياسة الدولية ونعني بها في الدرجة الأولى (ثقافة قوى متنفذة وعلى رأسها أمريكا)، فمفهوم «المصلحة» أي مصلحتها هي طبعا، هي محور الفعالية السياسية وما في امرتها، وهي تعلن عنها صراحة (وهي مفهوم انتجته بحوث ودراسات وخلاصات سلوك استخباراتي ذي تقنية عالية…). لكنها تختلف في الشرق الأوسط، مع انها ذاتها نتاج ثقافة السياسية الدولية المشار إليها، عبر التقليد و التأثير.
وكما تم في «سايكس بيكو»، تقسيم كوردستان إلى أقسام عدة (لازالت الخارطة والتاريخ يحتاجان بحوثا ودراسات أكثر حيادية وموضوعية)، فقد هيمنت القوى المنتصرة، بعد الحرب العالمية الثانية، وأسست دويلات في العالم.
مذ هيمن الغرب وتنامت القوة الأمريكية إلى درجة الزعامة العالمية، لاسيما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، والمنظومة التابعة لها تحت اسم نظم اشتراكية، أو معسكر شرقي، فإن السياسة تتجه إلى إعادة تقسيم الشرق الأوسط بصيغة جديدة «الشرق الأوسط الجديد» أو «الشرق الأوسط الكبير» أو «كونفدرالية الشرق الأوسط»… جميعا تسميات تشارك فيها، الغرب وإسرئيل بالدرجة الأولى، وهناك تناغم روسي معها في صورة ما – كما يبدو- لتضمن بعض الكعكعة .!
وهذا ما تفعله في التدخل في سوريا وتحت ظلال اتفاقيات معلنة أو خافية بينها وبين أمريكا والغرب عموما، ودور إسرائيلي غير خاف فهي مهيمنة في صورة ما على مفاصل السياسات الأمريكية بل الدولية وعبرها، تؤثر على مفاصل رئيسية لسياسات تجري في العالم.
هذا، يبدو كمحور في السياسة العالمية ( لعبة مصالح و تفوق)، لاسيما أن تكنولوجيا السلاح والصناعة عموما هي في يد أمريكا و الغرب وإسرائيل.
وأن روسيا والصين حتى اللحظة مضطرة- للتناغم مع سياسات الغرب في طريقة ما – لئلا تتعرض لما يعيق تطورها التقني الذي لا يزال اقل فاعلية و دورا بالتسبة لتقنية الغرب .
يقال إن رأس المال الصيني بلغ مكانة مؤثرة في السياسات الدولية، لاسيما أن أمريكا تدين لها بمبالغ طائلة، كما نسمع في الإعلام، لكن المال وحده لا يستطيع ترجيح المعادلة، مع أن التقنية وخفاياها، والتي هي ذات دور مرجّح غالبا، إضافة إلى قوى ذات خبرة عسكرية عالية … توفر مالا.!
يبدو منذ نصف قرن على الأقل، أن الغرب يخطط لترتيب جديد يجري في الشرق الأوسط، وأن هذا الترتيب يحتاج تغييرات فيه، بيد كأن الكورد لهم حساب في المعادلة
فالحلفاء التقليديون، من عرب، و تركيا، وإيران، على الرغم من مظاهر تبدو مختلفة أحيانا فيما يخص إيران التي تنتهج هذا النمط في السياسة أسلوبا اعتادته تقليديا.
وفيما يخص تركيا فأهميتها لا تزال قائمة، لكن تغيرت في مداها وعمقها، فلم يعد هناك اتحاد سوفيتي، بل حلت محلها روسيا في موقع أقل تأثيرا وأكثر استعدادا للتعاون مع شيء من الاضطرار، وأضحت إيران دولة تلعب على حبال جعلت كراهية شعوب المنطقة لها تزداد.
وحتى من العرب ربما على الرغم من مصالح مشتركة لم يعد العرب في موقع مؤثر في السياسة الدولية، لأسباب عديدة منها فقدان دور ديني إسلامي واقعيا، و لم يبق من ذلك سوى رمزية متمثلة في الحج ( الكعبة) بالدرجة الأولى، فضلا عن اكتشاف البترول في مواقع عديدة أخرى، والبحث عن الطاقة البديلة على قدم وساق.!
لذا تغيير الشرق الأوسط يحتاج نوعا من التغيير الذي يعقبه الاستقرار، وهذا لا يكون إذا لم تؤخذ حقوق كوردية بعين الأعتبار في المخطط الجديدن كما أن كوردستان ستكون دولة خام في كل شيء، و قابلة للاستثمار فيها، لاسيما أنها تتمتع بمزايا مثالية من وجهة النظر الغربية، فهي تملك رصيدا نفطيا مهما، وسوقا ويدا عاملة رخيصة و مصدرا لمواد خام مختلفة، إضافة إلى انها خام وتنتظر بناء تحتيا يمثل إغراء للغرب، فضلا عن كون الكورد سيكونون حلفاء في بداية عهدهم ( أكثر توافقا مع غرب يحقق لهم دولتهم)، وهم أكثر استعدادا للتعاون معه في استثماراته، وفي حماية مصالحه.
فالكورد يعرفون أن لا دولة لهم دون تبني الغرب لها، وبالتالي فسيظلون تحت احتلالات مختلفة إلى ما شاء الله، و إنّ نظما تحتلها ذات قسوة في الممارسة، يشهد لها تاريخها و حاضرها، و ذات ضعف في ثقافة سياسية متوازنة، لأن الفكر الايديولوجي غالب في تركيبتها الثقافية مما يغيّب الواقعية و التوازن فيها.