ماجد ع محمد
“من يده في الماء ليس كمن يده في النار”
يبدو جلياً لمن يُتابِع ما يجري في المنطقة أنَّ من أولويات حلفاء أميركا في الخليج العربي التخلص أولاً وفي أقرب وقتٍ ممكن من دولة الملالي وذيولها المنتشرة في مجموعة من الدول، باعتبار أنَّ أذرع طهران تعمل على نشر الفوضى والفلتان في ربوع تلك الدول، وتهدِّد الأمن والاستقرار في كل الدول التي تنتشر فيها، كما أن تلك الذيول لا تهدّد أمن دول المنطقة ومصالح أميركا فحسب، إنما باتت مصدر تهديد لمصالح أكثر من دولة غربية بشكل مباشر في البحر الأحمر، وآخر تصريح بهذا الخصوص من قِبل الحوثيين جاء على لسان زعيم جماعة أنصار الله اليمنية، عبد الملك الحوثي، يوم الخميس في 22 شباط (فبراير) 2024، وتوعد فيه بتصعيد العمليات ضد السفن الأميركية والبريطانية المارة عبر البحر الأحمر وخليج عدن وباب المندب، وذلك في كلمةٍ متلفزة بثتها قناة “المسيرة” التابعة للجماعة، هذا وإلى الآن ما من رد فعل أميركي أو بريطاني حيال تهديدات أنصار الله في اليمن.
ولكن مع كل ذلك، يجب الأخذ بعين الاعتبار أن خطر طهران الذي تستشعره شعوب وقادة المنطقة وبناءً عليه يتمنون التخلص من الرأس الماكث في طهران وأدواته المنتشرة في مجموعة من الدول في القريب العاجل لا يستشعره الغرب والأميركان، ومستوى الخوف الذي تشكله طهران وأذرعها على دول المنطقة لا يصل إلى مستوى الشعور بالقلق لدى الغرب برمته، باعتبار أن لا طهران ولا كل أدواتها باستطاعتهم التقرب من أمن واستقرار الدول الغربية، ولا لديهم القدرة على خلخلة أمن تلك الدول كما يفعلون في دول الشرق الأوسط، بل لعل كل أفعال وتحركات تلك الأذرع بالنسبة لعموم الغرب وأميركا بوجه خاص هي أشبه بمحاولات قاطع طريق يعمل على عرقلة مسار القوافل التجارية، حيث أنَّ التاجر الكبير المقيم خلف البحار في أمانٍ تام، وحتى إذا ما ذهبت البضائع في منطقةٍ ما بين أرجل المافيات المسلحة، فهناك ملايين الأطنان ستحل مكانها، بل وفقدان بعض البضائع قد لا يتسبب بخسارة التاجر الكبير أصلاً، إنما العكس، فقد تكون نتيجة خُسران بعض البضائع في مكان ما سبباً في ازدياد ومضاعفة أسعار البضائع المماثلة في مكانٍ آخر، لهذا فإنَّ الشعور بخطر طهران وأذرعها ليس بنفس المستوى لدى كل من دول المنطقة والدول الغربية.
وعلى الأغلب أنَّ أميركا لا تشعر بأنَّ التهديد الإيراني يرتقي إلى مستوى القوتين الاستراتيجيتين المنافستين لها في العالم، أي روسيا والصين، وربما لم ترتقِ طهران يوماً إلى مستوى التهديد الفعلي للمصالح الأميركية المباشرة في المنطقة حتى تنشغل بها كما تنشغل بروسيا والصين، باعتبار أن التهديدات الإيرانية محصورة بحلفاء أميركا في المنطقة.
والسلبية المعروفة للقاصي والداني عن سلوكيات أميركا تجاه الحلفاء، هي أنها بوجه عام لا تلزم نفسها بالدفاع عن حلفائها في العالم، وغالباً ما تتركهم في الأزمات الكبرى يقلعون أشواكهم بأيديهم، ولا تتدخل من أجل الدفاع عن حليف ما إلاّ إذا ما قارب ذلك الحليف الإنهاك أو الهلاك، وقتها قد تتدخل ليس لردع المهاجم أو القضاء عليه، إنما لابتزاز الحليف أكثر من ذي قبل، وجعله صاغراً أمامها، منتظراً العطف والشفقة منها، وهي في هذا الإطار كثيراً ما تقوم بإذلال حلفائها بشكل غير مباشر ليشعروا أبد الآبدين بأنهم يحتاجون العون من دولةٍ كثيراً ما تترك حلفاءها في العراء بدون أية مظلة تحميهم من العواصف الهوجاء وقت الحاجة إليها.
وفي جانبٍ آخر، قد لا يكون محط ترحيب من قبل المجتمع الدولي في الوقت الراهن قيام أميركا باستهداف رأس العقرب في طهران، بما أن تصرفات طهران وأدواتها لم ترتقِ بعد إلى المستوى الذي يجعل المجتمع الدولي يُفكر فيه بالتخلص من نظام الملالي، وحينها بناءً على الإجماع الدولي تفكر واشنطن باستهداف النظام الإيراني وليس الاكتفاء باصطياد قائد ميليشيا هنا وزعيمَ تنظيمٍ هناك.
على كل حال طالما أنَّ طهران حتى الآن لا تشكل أيَّ خطر حقيقي على الغرب وأميركا، لذا فلربما مستبعدة فكرة الانقضاض على النظام هناك كما كان الأمر بالنسبة للنظام العراقي في 2003، ولكن بما أن الذيول الإيرانية المنتشرة في كل من لبنان والعراق واليمن وسوريا هي التي تقوم بمجمل الأفعال نيابةً عن الرأس في طهران، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو ما المانع من قطع مجمل تلك الذيول من قِبل أميركا طالما أن العقرب أصلاً لا يلدغ إلاّ من آخر فقرةٍ في ذيله؟ أم أن كل أعمال وتحركات الميليشيات المذهبية والأذرع الطائفية التابعة لدولة الملالي هي مجرد أنشطة ميدانية ومباريات حربية تبث التشويق وتستجلب المتعة البصرية في الوقت الراهن لبعض قادة الغرب عامة وأميركا على وجه الخصوص؟ وذلك كما كان حال أباطرة روما إبان الفُرجة على المصارعين والمسابقات الجماهيرية الفظيعة والمعارك الصورية وصيد الحيوانات والإعدام وإعادة تمثيل المعارك الشهيرة التي مات خلالها في كولوسيوم روما العشرات من المصارعين الذين ضحوا بحياتهم من أجل تحقيق المتعة والترفيه للمتفرجين.