إبراهيم محمود
ماذا وراء عنوان صيغَ بالطريقة هذه؟ ماذا يجمع بين الرمزين الكرديين الكبيرين، وكتسلسل تاريخي: جلادت بدرخان وملا مصطفى بارزاني؟ ثمة الكثير مما يضع الكردي الكردي” من باب التشديد ” في مواجهة مفارقات قائمة في ذهنية الكردي المعتبِر نفسه سياسياً وكاتباً، وكيفية تعامله مع الأحداث: أي حيث يكون الجمع الفاعل بين رمز كردي” كردستاني في الصميم ” فعَّل ثقافته بكاملها في الواقع، ليكون نموذج المثقف الكردي وله بصيرة سياسية، وليس مثقف ” البرج العاجي ” ودفع حياته ثمناً لكل ذلك، ليستحق لقب شهيد الثقافة الكردستانية، أعني به، كما هو مقدَّم: جلادت بدرخان، ورمز كردي ” كردستاني في الصميم ” ربط سياسته كما علَّمته طبيعة كردستان، جغرافيتها، بجبالها وسهولها، وحضوره بين كرده، وليس مجرد قراءة في مدرسة أو جامعة معينة، ربط سياسته بواقع رحب المدى، وببصيرة إنسان مأهول بصورة شعب مأساوي ويطمح إلى الحرية وتقرير مصيره، فاستحق هذا ” الكردستاني في الصميم ” لقب شهيد السياسة الكردستانية في حياته ذات المآثر.
بين الأول حيث تترجم الثقافة الكثير مما يتداوله الكتّاب الكرد فيما بينهم، ويعبّرون عنه قولاً وفعلاً، والثاني، حيث تترجم السياسة الكثير مما يتداوله السياسيون” الحزبيون في الواجهة ” فيما بينهم، وفي القول والفعل، في نطاق الحركة الكردية، التي تشمل الجميع وليست حكراً على ما هو حزبي كما يُزعَم هنا وهناك. إنما ما أبعد المسافة، وعلى أكثر من صعيد، بين هؤلاء الذين يأتون على ذكر مير الثقافة الكردستانية بحق جلادت بدرخان، وصلتهم بألفبائها، ومتطلبات الحديث عن الكردية لحظة تمثيلها واقعاً،بوصفهم كتاباً، وأحياناً يتنافسون على طبيعة الانتساب إليه: من الأقرب، والأكثر قرباً منه، والأقدر على تمثيله. وهؤلاء الذين يتشدقون بالحديث، حال أولئك الكتاب الكرد، باسم ملا مصطفى بارزاني، والبارزانية، والتباهي بها شعاراتياً وهتافاتياً، أي في مشاهد استعراضية، والتنافس فيما بينهم، جهة القرب من هذا الرمز الكردستاني كبير، ومصداقية الانتساب إليه. ولا أكثر من الأمثلة العيانية الدالة على ذلك وفي هذا الشهر المعتبَر: آذار طبعاً.
وحين سطَّرت هذا المقال في رحاب آذار المفعَم بالدلالات، فلأنهما شخصيتان آذاريتان ، في العمق، جهة المآسي التي تمثّلها حياتهما النضالية، وجهة الاستماتة في الدفاع عما هو كردستاني، وهو ما يشهد به آذارنا: آذار الكردي الذي اكتسب صيتاً في نسبة كبيرة منه، في ” انتفاخاته ” القومجية والثقافوية ” وتجنب الدخول في حراك الواقع وليكون الواقع الفعلي شاهداً على مدى تحقق ” نصاب ” الكردستانية في أقوال هؤلاء وأفعالهم.
من خلال موقع ” ولاتي مه ” وكتجربة، وعبْر متابعتي لما ينشَر فيه من جهة الكثيرين المنتمين إلى الثقافة الكردية والسياسة الكردية، ولأننا في هذا الشهر، وكتجربة تاريخية، سياسية وثقافية يُعتَد بها في دلالتها ” حدث 12 آذار 2004 ” لم أجد إلا ما يدل على بؤس أغلب هؤلاء الذين يحمل الموقع أسماءهم، ليس في نوعية كتاباتهم وتجنبهم أي إشارة لها دلالتها إلى هذا الحدث الكبير والعظيم، حدث كردستاني في محتواه، إنما حتى في دلالة تلك التعليقات وخلفية ” اللايكات ” التي يمكن التوقف عندها: من يكون هؤلاء، بأسمائهم الفعلية، ومنهم من طعنوا في السن، والمزورة شأن حامليها، ماذا يجري في واعيتهم، وكيف يمكن تفسير هذا الكم الهائل من ” اللايكات ” إزاء حديث العهد بالكتابة، أو بسيطها جداً، صحبة لقطات ” بوزات ” استعراضية نساء” في الواجهة ” ورجالاً، وما يُراد من ذلك، مقارنة بكتابات أخرى أكثر انتساباً إلى الكردية ثقافة وسياسة؟ أي اصطفافية بائسة ومشينة وراء ذلك، وأي مكايدية رخيصة وغباء في ذلك؟
كما لو أن انتفاضة آذار” 2004 ” انتفاضة متوقفة على الإبراهيمين، كما سماهما الراحل حسن دريعي قبل عقدين من الزمن” إبراهيم يوسف و” الداعي ” يا لهول التنسيب، ورعب الانتساب !
في مقاله” يهملون جماليات نوروز أمام هيمنة رمضان ” الأحد، في 10-3/ 2024 ” وفي موقع ” ولاتي مه ” يستغرب باحثنا الكردي محمود عباس، ما يلجأ إليه كردنا في تعاملهم مع نوروزهم الكردستاني رمزهم القومي، مرجعهم التاريخي والملحمي القويم، وخلطه مع شهر رمضان، وعدم التفريق بين ما هو ديني وما هو قومي طبعاً، على الأقل كما يتصرف ” جيرانهم ” أخوتهم المزعومون في الدين، وخصومهم الألداء إجمالاً في القومية
( من الغرابة أن الأخوة الكورد المتمسكون بالدين قبل القومية وخاصة المسلمون، احتفلوا بعيد نوروز قبل وقتها بأكثر من عشرة أيام، لئلا تؤثر على صيامهم، وربما تحرم قدسية الشهر الفضيل كما هي سائدة لديهم!) كما وردت هذه الكلمة بداية المقال، وتالياً ما يشكل حصيلة العلاقة تلك:
(نرضخ لثقافة أجداد غيرنا، والتي بدأت تطمس ثقافة أجدادنا (
هذا الرضوخ بطابعه النفسي، الثقافي، والسياسي في العمق، له تاريخه الطويل، على مختلف الصعد.
ثمة خلل نفسي كبير، عبارة عن صدع مرعب في بنية التكوين النفسي لهذا الكردي، يعرَف به في حله وترحاله وبتباين طبعاً، لا أعني به أولئك البسطاء من كردنا، كردنا هؤلاء الذين يعيشون كرديتهم بطبيعتها، وفيهم إخلاص كبير تجاه هذه الكردية، سوى أن الذين يدعون تمثيلهم، ويعرّفون أنفسهم بأنهم لسان حالهم في الثقافة ” القومية ” الطابع، هم من كانوا ولازالوا يعبّرون عن الكردية بمعايير تخرجها عن تاريخها النضالي، في ربط القول والفعل.
لا غرابة في الجاري” ألا يقولون عن أنه إذا عرِف السبب بطل العجب؟” في مكاشفة أوجه الخلل يمكن معرفة الكثير مما يجري. من ناحية الذين يزعمون تمثيلها، وفيما بينهم، كما لو أنهم متفقون على ” سياسة ” كهذه في مناسباتهم، في احتفالاتهم، وفي لقاءاتهم، وما يجري تقديمه من برامج متلفزة، وعراضات مهرجانية هنا وهناك.
لا أزعمني، ولا بأي شكل، رمزاً للمعتبر: الصواب في الثقافة والسياسة الكرديتين، ومن خلال تجربة شخصية، لحظة الحديث عن ” روجآفا كردستان ” وكيف يتم تقديم الكردية، ومن هم هؤلاء الذين يمثلونها، وفي شهر آذار، وحدثه الأعظم كردستانياً القول، الحكَم الفصل.
توضيحاً، لا أظن أن أياً من هذين الرمزين الكردستانيين: بدرخان وبارزاني بحاجة إلى رفع يافطات، وإطلاق شعارات، وتكبير صور بصيغ شتى، تأكيداً على الإخلاص لهما،جهة الغالبية الكبيرى مما يجري ويقال، عبر فقاعات كلامولوجية في الهواء الخامد لواعية هؤلاء إجمالاً، والواقع هو المحك.
أن ينسّب أحدهم نفسه إلى بارزاني، ويهتف باسمه، لا يصادق على تنسيبه مباشرة، ثمة” القفزة على الصخرة ” كما يقال: الفعل الرهان. لو أن ربع ربع هؤلاء الذين يهتفون باسمه، ويتحزبون باسمه في القلب، وبشهادة الواقع، وكتجربة تاريخية، كانوا، كما كان بارزاني في قوله وفعله، لكان لنا وضع آخر تماماً.
لو أن هؤلاء الذين ينسّبون أنفسهم إلى بدرخان على صعيد دلالة ألفباء الكردية وثقافتها، وعالم صحيفته ” هاوار ” كانوا في ربع ربع ما يتشدقون به جهة التباهي، جسّدوا سلوكه قولاً وفعلاً، لكان لنا الآن وضع آخر.
في بنية السؤال: مااذي يخفيه هذا التجاهل لواقعة آذار ” 2004 “؟ من قبل هؤلاء، وفي هذا التوقيت الآذاري؟ أهو جهل بحقيقة الحدث العظيم، علّة ذاكرة، أم تعبير عن خواء وجبن واعتراف ضمني بسلبيتهم، بتطفلهم على الثقافة الكردية، وعلى السياسة الكردية، والفضائيات الكردية، حين تمنحهم حضوراً في التسمية واللقاءات والدعاية لهم، كما لو أنهم –حقاً- رموز كردستانية في مسلك البارزانية والبدرخانية، اختاروا طريق الشهادة التي عرِف بها هذان البطلان، الرمزان، والشهيدان الكردستانيان. وهي تتحمل مسئولية تاريخية إزاء ذلك، والتاريخ يسجل لكل لحظة مما تقدم، ما يمكن قوله وفصله في مدونة التاريخ، وما يمكن أن يقال في قادم الأيام، وجهة تبعات هذا المسلك، وتجاهل الذين ضحوا بدمائهم، وبحياتهم، وعرضوا أنفسهم لأخطار جمة.. أي نوعية غرابة قارّة في مثل هذه العلاقات الجانبية في خاصية السياسة الكردية، والإعلام الكردي؟
أي رصيد اعتباري، أو قيمي، وثقافي فعلي، لمثل هؤلاء الكتاب الكرد الذين تكاثروا ويتكاثرون، وهم يتجاوزون الآلاف ” لا غرابة، فهم مثل الطفح الجلدي تجاوباً مع أكثر من حساسية مرضية مألوفة ” ولا يظهرون إلا في مناسبات، ولا تؤخذ لهم لقطات وتبث هنا وهناك قطيعياً، وفي ظل هتافات تعبوية، حيث نشهد حضوراً لذلك الزبد الكبير في ماء المناسبة المعدوم العمق.
إنهم يخلصون للحكمة الخاوية والجاري تردادها: أمة الخمسين مليون نسمة، ليكونوا شعب آلاف الكتاب الكرد، ومثلهم وأكثر منهم: السياسيون الكرد، أعني بهم: الحزبيين الكرد، وقد أمن كلٌّ منهم على حياته شعبوياً، من خلال ” نحلته ” التحزبية، ليعتد به نضالياً، وليموت ” شهيد كردية ” مناضلها الكردستاني، في ” جنة القومية الكردية ذات المواصفات المقررة من قبل سدنتها ” ألا ما أبأس أولئك الذين يفكرون ويكتبون ويتصرفون خلاف ذلك؟؟؟
ما أكثر أنشطة هؤلاء خارج ما هو آذاري، وهم يعرفون، وفيما بينهم، ماذا يفعلون، وكيف يسيئون إلى غيرهم، ويقدّمون سفهاء وأمعيين لا رصيد لهم في الكتابة، بخاصية ارتزاقية ” اليوم مع هذا الطرف، وغداً مع آخر ” ليكونوا لسان حالهم في نسج الأباطيل والترهات بغية الإساءة إلى الخارجين عن القطيع المعني بهم.
لكم هي بريئة هذه البارزانية والبدرخانية من جملة هؤلاء.
هل يمكن لأي من هؤلاء أن يتقدم بمثال واحد نقيض ما ذكرت، بالقول والفعل ؟
ليس لدى هؤلاء في المجمل أي قابلية لأي يعبّروا عما يجري، أي قدرة في الرد، سوى أنهم لا يدخرون جهداً في نشر كل ما هو كريه الرائحة، دساً ونفاقاً، وتعبيراً عن دونية الشخصية فيهم، ضد الذين عاشوا ولا زالوا يعيشون تلك الكردية التي تنسّبهم إلى رحابة عالم الرمزين الكردستانيين الكبيرين، وما يؤكد شخصية كل منهم قدر المستطاع، وبعيداً عن عراضة شعبوية .
التاريخ بواقع أمره، ليس ما نعيشه اليوم، إنما ما سيتمخض عنه غداً وبعد غداً. هوذا التاريخ الذي نراهن عليه.
بقي علي أن أستعين بتلك اللوحة الرائعة التي رسمها الفنان البولندي توماس كوبيرا: 1844-1916″ الخروج عن القطيع “، وهي تمثّل من يحاول الخروج عن القطيع بعاداته وتقاليده وأوهامه، وكيف أن هؤلاء” من يمثلون القطيع، يشدّونه إلى جهتهم، مدركين في قرارة أنفسهم أن مجرد خروجه وانفصاله عنهم كارثة عليهم، وتعرية لمحتواهم. التاريخ الفعلي، في مختلف عصوره وحالات بروزه لا ينبني إلا على الخروج على القطيع: بجموده، وانغلاقه على نفسه: ألم يكن ظهور بدرخان وبارزاني خروجاً على القطيع، والذين يدعون الانتساب إليهما، إجمالاً، وفي الواقع الذي نعيشه، يمثّلون القطيع الذي يحاول إبرازهما كما لو أنهما ينتميان إليه وليس العكس.
انظروا إلى ما يجري في الواقع، تروا أي قطيع مخيف في عدده لا عدّته، يمْثُل أمام العين المجردة؟!