حاوره:عمر كوجري
قال الدكتور الأكاديمي السوري زيدون الزعبي في حوار خاص مع صحيفة «كوردستان» في سؤال عن الحراك الشعبي الحاصل في السويداء حالياً، والذي مازال مستمراً: باعتقادي ما أُخذ على السويداء، ورفع علم الخمس حدود وشعاراتها الممتزجة بالمسألة الوطنية بالإضافة إلى الطابع المحلي جداً هو تكريسٌ لمسألة أن المحلّي لا يتعارض مع الوطني لأنه لا يمكن لك أن تنسلخ عن بيئتك، لا يمكن لك أن تنسلخ عن ثقافتك، ولا يمكن أن تنسلخ عن هويتك المحلية.
وعن واقع سوريا نظاماً ومعارضة قال الدكتور الزعبي:
واقع سوريا، وكلّ من السلطة والمعارضات السورية هو واقعٌ شديدُ المأساوية، وهذا قد يعرّض البلاد للتفكُّك. نتحدّث اليوم عن ثلاث مناطق للنفوذ مناطق النفوذ التركي، ومناطق النفوذ الأمريكي، ومناطق نفوذ روسيا وإيران، ثم نتحدّث عن أربع مناطق للسيطرة، سيطرة الجيش الوطني، وسيطرة هيئة تحرير الشام، وسيطرة الإدارة الذاتية، وسيطرة النظام، وأيضاً نجد سبعَ مناطق حوكمة وهي درعا، والسويداء، وباقي مناطق النظام إضافة إلى الإدارة المدنية في الرقة ودير الزور والإدارة الذاتية في الحسكة وكوباني، ومناطق سيطرة هيئة تحرير الشام والجيش الوطني.
وعن قراءته للمسألة الكردية في سوريا، أكد الدكتور زيدون الزعبي: حال الكرد في تركيا وإيران والعراق وسوريا مرتبط أصلاً بالمظلمة التي وقعت على الكرد على مدى عقود، وبالتالي يجب إيجاد مقاربة إقليمية، وليس فقط مقاربة سورية للقضية الكردية، بمعنى الاعتراف باللغة الكردية، وبالثقافة وبالخصوصية الكردية، واحترام طقوس الكرد سواء عيد النوروز، الزي الكردي إلى آخر تفصيل مرتبط بالثقافة الكردية. هذه المسألة حاسمة كي لا تتفتت البلاد.
فيما يلي نص حوار مع الدكتور الزعبي كاملاً:
المطالب السياسية التي رفعتها السويداء لا تخصُّها وحدَها
*لنبدأ سؤالنا باستفهام من حضرتك في سياق مقالة رأي منشور مؤخراً إذ تقول: كيف يهتف الناس لـ”دولة المواطنة”، ويصدحون بشعار “الدين لله والوطن للجميع”، ويرفعون في الوقت عينه علم “الحدود الخمسة”؟ ماذا تقول في انتفاضة أهلنا في السويداء؟
**انتفاضة السويداء مع دخولها الشهر السابع هي حدث بارز للغاية من حيث الدلائل، أولاً هي تعبير مباشر للوجه المحلي للانتفاضة، وبالتالي نحن هنا نتحدّث عن انتفاضة بدأت مطلبية، ومن ثم تحوّلت إلى مطالب ذات طابع سياسي.
باعتقادي ما أُخذ على السويداء، ورفع علم الخمس حدود وشعاراتها الممتزجة بالمسألة الوطنية بالإضافة إلى الطابع المحلي جداً هو تكريسٌ لمسألة أن المحلّي لا يتعارضُ مع الوطني لأنه لا يمكن لك أن تنسلخ عن بيئتك، لا يمكن لك أن تنسلخ عن ثقافتك، ولا عن هويتك المحلية وإلا أصبح سهلاً عليك أن تنسلخ أيضاً عن وطنك وهويتك الوطنية. وعملياً المطالب السياسية التي رفعتها السويداء لا تخصُّها وحدَها، لكنها أرادت أن توصل رسالة أن طابعَها المحلي، وشكل أهل الجبل، والهوية الدرزية ليست إلا جزءاً من الفسيفساء الحقيقية لهذا البلد، وأنها بالرغم من طابعها المحلي لا تتخلّى عن مطالبها الوطنية. ومع ذلك فإنني أرى عدم التركيز على مطالب محلية إلى جانب المطالب الوطنية نقطةَ ضعفٍ في انتفاضتها. فالسويداء ليست حزباً ليكون لها مطالبُ وطنيةٌ، لكن السويداء محافظة، ومن حقّ هذه المحافظة أن تطالبَ بقضايا تخصها، سيكون لها أثرها الكبير على المستوى الوطني، مثل اللامركزية، والإدارة المحلية، وانتخاب السلطات المحلية، واحترام ثقافة المحافظة، دون الدخول بمطالب وطنية كبيرة، لأنه برأيي ستكون أولاً صعبة التحقيق إذ لا يمكن التفاوضُ عليها من قبل محافظة واحدة مع السلطة. وثانياً قد تكون المطالبُ الوطنيةُ في هذه الآونة مطالبَ طوباوية. بالتالي الحديث اليوم عن مطالب محلية نحو اللامركزية والإدارة المحلية لمحافظة السويداء أظنُّه مسألة في غاية الأهمية، وكان يجب المحافظة عليه، أي المحافظة على الطابع المحلي مع وضع إطار وطني، لأنه بالتأكيد كانت المطالب المحلية ستعزز كثيراً انتفاضة السويداء.
يتوجّب على السلطة والمعارضات النظر في إطار يقوم على مبدأ «لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم»
*كيف تحلل واقع النظام السوري ضمن المعطيات الحالية؟ وما قراءتك لحال المعارضة السورية بمختلف تصنيفاتها؟
واقع سوريا، وكلّ من السلطة والمعارضات السورية هو واقعٌ شديدُ المأساوية، وهذا قد يعرّض البلاد للتفكك. نتحدّث اليوم عن ثلاث مناطق للنفوذ مناطق النفوذ التركي، ومناطق النفوذ الأميريكي ومناطق نفوذ روسيا وإيران، ثم نتحدّث عن ثلاث مناطق للسيطرة، سيطرة الجيش الوطني، وسيطرة هيئة تحرير الشام، وسيطرة الإدارة الذاتية، وسيطرة النظام، وأيضاً نجد سبعَ مناطق حوكمة وهي درعا، والسويداء، وهاتان منطقتان لا تشبهان مناطق سيطرة الحكومة، وهناك تبايناتٌ حقيقيةٌ بين دير الزور والحسكة والرقة والتباين كبيرٌ جداً بين شمال حلب وإدلب. بالتالي البلد تتفتت حرفياً أي المزيد من العنف، ومن التطرُّف، وهذا ليس لمصلحة دول الجوار ولا الإقليم ولا المجتمع الدولي. عليه يتوجّب على السلطة والمعارضات النظر في إطار يقوم على مبدأ «لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم»، أي فكرة التشارُك في السلطة عبر إطار حكم لامركزي سيؤدي في نهاية المطاف إلى تغيير وجه الدولة نحو دولة أكثر تشميلية وتضمينية، وغير إقصائية، نحو دولة أكثر قدرةً على احتضان جميع المكوّنات والأفراد دون دخولنا في عملية تغيير جذري قد لا تكون ممكنة أو مفيدة أساساً. لذلك برأيي الحالة السيئة هي فرصة كي تعيدَ الأطرافُ النظرَ في المبتغى النهائي. فما ترفعه المعارضةُ من شعارات «إسقاط النظام بكافة أركانه ورموزه إلى آخره» وما يروّج له النظام من «انتصارات» هو كلام غير منطقي وغير واقعي، لا أحدَ انتصر ولا أحد يجبُ أن يتصوّر أنه قادرٌ على هزيمة الطرف الآخر بالكامل. بالتالي الحال المأساوية هي فرصةٌ كي يتحدّث الجميع بلغة واحدة لإعادة توحيد البلاد في إطار لا يقصي أحد.
المجتمعَ المدنيّ السوريّ عمرُه 10 سنوات أي أنه وليد وغير ناضج
*حضرتك تنشط في مجال المجتمع المدني بشكل عام، كيف ترى تأثير وفاعلية منظمات المجتمع المدني في أوقات الحروب؟
**المجتمع المدني ظاهرةٌ جديدةٌ في سوريا، قديماً كان هناك مجتمعٌ مدنيٌّ، ثم اندثر مع حزب البعث، وحتى قبل ذلك مع مجيء عبد الناصر، وقتها تحوّل إلى جمعيات خيرية وحسب، ثم جاءت انتفاضة 2011 وعاد المجتمع المدني بقوة. اليوم هناك من يقول إن المجتمع المدني يتكسبُ من الغرب، ونسي القضيةَ لتلبية المطالب المادية، وينفّذ مطالب المانحين، وفقدَ ارتباطَه بالمجتمعات المحلية، هو قول برأيي غير صحيح وإن كان له ما يبرره. لكن يجب أن نتذكّر أن المجتمعَ المدنيّ السوريّ عمرُه 10 سنوات أي أنه وليد وغير ناضج، فمن الطبيعي أن يمرّ بحالات كهذه. لا أرى أن مَن يهاجم المجتمع المدني اليوم مصيباً، ولا أرى أن مَن يؤيّده بالمطلق، ويقدّسه مصيباً أيضاً. برأي المجتمع المدني مثله مثل أي مجتمع لديه الغث والثمين، لديه الإيجابي والسلبي، فما بالك في مجتمع مدنيٍّ غضٍّ لا يتجاوز عمره عشر سنوات! أعتقد أنه رغم ذلك يقوم بأداء مهم جداً، لكن هذا الأداء للأسف يتعرّض لانتكاسات كبرى بفعل العنف أولاً، وبفعل أموال المانحين ثانياً، لكن هذا لا يعني أنهم لا يسد فراغاً، ولا يقدّم خدمات جليلة، ولكن أيضاً لا يعني أن المجتمع المدني مصيبٌ بكل ما يقومُ به، فهناك الكثير من الأخطاء القاتلة أهمها العلاقة مع المانحين والاستقطاب السياسي، فحين أصبح المجتمع المدني ظلاً للمانحين ينفّذ ما يقولونه تكرّست عملية الاستقطابات بين موالٍ، ومعارضٍ، وموال للإدارة الذاتية، وهذا برأيي خطرٌ كبيرٌ لا يجوز أن يقع به.
كلُّ سلطات أمر الواقع سعيدة بما يحدث ومنسجمة
*قلت في حوار سابق وكان ذلك العام 2019 “الصراع اليوم على وشك وضع خواتيمه، وذلك في نهاية 2019 سنشهد خواتيم المسألة، أو إغلاق الملفّ وانتهاء الصراع والحرب السوريّة. .وها دخلنا في السنة الثانية عشرة من الحرب السورية، ولا أفق لإنهاء الصراع.. ماذا تقول الآن؟
**ما ذكرته في عام 2019 ليس بعيداً عن الواقع، فقد انتهى الصراعُ بشكلٍ تقليديٍّ، ولم يعد هناك حربٌ، ما يحدث هو بعض المناوشات هنا وهناك، قصف هنا وهناك، ولكن ليست حرباً بالمعنى الحقيقي، وربما هذا هو الخطر الآن لأن البلاد على وشك التقسيم، بمعنى أن هذه المناطق التي عددتها سابقا أصبحت تتجذر، وتأخذ ملامح الحكومات المستقلة عن بعضها البعض بالتالي: نحن أمام نماذج حكم محلي تتجاوزه نحو الانفصال، وهذا هو أخطر ما في هذا النزاع، أيّ النزاع البارد، أحياناً سخونة النزاع تجبر الناس على التفاوض، الآن البرودة تبعد الناس عن التفاوض، فلا يريد أحدٌ أن يتفاوض مع أحد، وكل «ديك على مزبلته صياح» كلُّ سلطات أمر الواقع سعيدة بما يحدث ومنسجمة، ولا تريد أيَّ حلٍّ لأنها مكتفية بالبقع الجغرافية التي تديرُها دون الدخول بمفاوضات قد تقصيها.
عملي في المجلس الاستشاري أسمعني المعارضة والموالاة
*تعرّضت للاعتقال مرتين وأنت ابن درعا التي كانت بوابة الثورة السورية، كيف تتحدّث عن تجربتك وعن نفسك؟
**سؤال لطيف، كيف أتحدّث الآن عن نفسي؟ باختصار ما قمت به منذ أن فُصِلتُ من التدريس، بالأساس كنت مدرّساً في الجامعة العربية الدولية، هو العمل في الحقل المعرفي بما يخدم بلدي، لا أبتغي بالعمل المعرفي الوصول إلى اكتشاف معرفي أو تحسين سيرة ذاتية، ما أقوم به هو محاولة إيجاد حل لبلدي، عملي في مسائل التيسير جعلني أرى جميع وجهات نظر السوريين والسوريات، عملي في المجلس الاستشاري أسمعني المعارضة والموالاة، والإدارة الذاتية، هناك أستمع لسيّدات من التيار المحافظ، وأخريات من التيار الليبرالي، أستمع إلى عرب وكرد، عرّفني عملي على المجتمع السوري عن كثب، بعملي ألمس ما يشعرُ السوريون والسوريات به، بدأت أفهم هذه الثقافة المتنوّعة أكثر، البحث عن حلول أدخلني في مجال اللامركزية والحوكمة، وبالتالي عملت عليها لزمنٍ طويلٍ، وأيضاً هو ما دفعني للعمل على الهويات الوطنية حيث أنني في حالة بحث مستمرة لإيجاد هوية وطنية جامعة. كلُّ ذلك مرتبطٌ بمبدأ أساسي ألا وهو البحث ليس لأجل البحث والعمل الإداري ليس لأجل العمل الإداري إنما لغاية واحدة فقط وهي الخروج من هذا الاستعصاء الذي تعاني منه سوريا.
وثيقة المناطق الثلاث تتحدّث عن مناطق، وبالتالي كأن المناطق تضعُ ممثليها
*أطلق مثقفون وأكاديميون ووجهاء وشيوخ معارضون في كلّ من السويداء ودرعا وريف حلب، مبادرة تحت شعار “وثيقة 8 آذار” للمناطق الثلاث دعت جهات سورية إلى “إعلان سوري مشترك بين الشمال والجنوب” لتوحيد الخطاب الجماهيري الوطني المناهض للنظام السوري، معتبرين أن الجامع الوطني المشترك بين المناطق هو رفض مشاريع الحكم الذاتي على حطام الدولة التي هي ملك للسوريين. كيف تقرأ هذه المبادرة؟
**وثيقة المناطق الثلاث في غاية الأهمية، لا من حيث أثرها السياسي المباشر، فبسبب البعد الجغرافي قد لا تُولّد حراكاً حقيقياً، لكن أهميتها تنبعُ من كونها تفسيراً للإطار المحلي الوطني أو الانطلاق من المحلي إلى الوطني من ناحية، ومن ناحية ثانية فكرة اللامركزية كمدخل للحل. في هذه الوثيقة أولاً أنت تتحدّث عن محليات تتحاور مع بعضها، وهذا مهمٌّ لإثبات أن البلد موحدة وخصوصاً أنها صادرة من جغرافيات متباعدة، وثانياً أنت تتحدث عن محليات تتحاور مع بعضها البعض بمقابل المركز الذي تشغله السلطة. وثيقة المناطق الثلاث باختصار تتحدّث عن مناطق، وبالتالي كأن المناطق تضعُ ممثليها، كأنك تتحدّث عن إطار فيدرالي، وربما في هذا حلُّ سوريا خصوصاً إذا كانت هذه الفيدرالية ذات شكل متناظر، لا تمنح جغرافيا حقوقاً أكثر أو أقل من سواها.
تجاهل القضية الكردية هو تهديد لوحدة البلاد ولاستقرار المنطقة
*كيف تقرأ المسألة الكردية في سوريا؟ وما الحل الذي تراه مجدياً لهذه المسألة من وجهة نظرك؟
**حال الكرد في تركيا وإيران والعراق مرتبطة أصلاً بالمظلمة التي وقعت على الكرد على مدى عقود، وبالتالي يجب إيجاد مقاربة إقليمية، وليس فقط مقاربة سورية للقضية الكردية، بمعنى الاعتراف باللغة الكردية، وبالثقافة وبالخصوصية الكردية، واحترام طقوس الكرد مثل عيد النوروز، الزي الرسمي، إلى آخره، هي مسألة حاسمة كي لا تتفتت البلاد. لا تشكل القضية الكردية تهديداً لوحدة البلاد فقط وإنما أيضا تجاهل القضية الكردية هو تهديد لوحدة البلاد ولاستقرار المنطقة، عدم الإحساس أن الكرد هم أمة، ومن حقّهم أن يبرزوا ذلك في جميع المناطق التي يتواجدون بها هو ظلمٌ تاريخيٌّ غير مقبول.
الآن لا أعتقد أبداً أن تكرار النّموذج العراقي في سوريا ممكن أولاً، وثانياً لا أعتقد أن حلم الكرد بدولة مستقلة مقبول اليوم إقليمياً أو دولياً على الأقل في المدى المنظور، بالتالي يجب التفكير في أطر محلية منها الاعتراف الرسمي، وعلى رأسها الاعتراف الرسمي بالهوية الكردية، الاعتراف الرسمي بحقوق الشعب الكردي من قبل جميع الدول. لا يوجد في هذه المنطقة سلام دون تخفيف بؤر الصراع جميعها، فلسطين بؤرة صراع رهيبة إن لم ننهِ هذا الصراع بحلّ الدولتين فلا استقرار في المنطقة، الكرد بؤرة صراع كامن وقد يكون بارزاً أحياناً، لا استقرار في المنطقة دون إيجاد حل للقضية الكردية، وبالتالي حل القضية الكردية السورية ليس وحيداً، ويجب حلُّ قضية الكرد في جميع البلدان، بمعنى تركيا وإيران وسوريا والعراق، يجب إيجاد إطار متفق عليه مع الخصوصيات المحلية لهذه البلدان. أما تجاهل هذه القضية واعتبار أن اللغة الكردية ليست موجودة، وأن الكرد ليسوا أمة، وأن الكردية ليست ثقافة فهذا لن يزيد إلا الألم والتعقيد. الآن لا يمكن تجاهل القضية الكردية على الأقل في ظل وحدة البلاد.
أصبحنا أمتين متجاورتين لا تستطيعان مخاطبة بعضهما البعض
*لسنوات طويلة- منذ حكم البعث بشكل محدّد- كان هناك اغتراب، وريبة واضحة بين المثقف، أو النخبة السياسية الكردية والعربية، برأيك لماذا؟
**الاغتراب بين المثقف الكردي والمثقف العربي مسألة واضحة. فقد كانت محاولات الكُرد متواضعة لفهم العقل العربي والدخول إليه ومخاطبته، وكذلك كانت محاولات العرب لفهم الثقافة الكردية بل ومتعالية أيضاً، فقد اعتبر العرب أنفسهم أكثرية، ولا يحتاجون التعرُّف على الثقافة الكردية، فانكفأ المثقف الكردي على نفسه ولم يحصل حوار بينه وبين المثقف العربي، وكانت المحصلة عدم فهم الكرد للعرب، وعدم فهم العرب للكرد، لدرجة أنني سمعت في إحدى المقابلات أحد المثقفين العرب يقول إن «العرب الكرد» أي أنه يعتقد أن الكرد هم جزءٌ من القومية العربية…!! إلى هذه الدرجة يجهل المثقف العربي القضية الكردية. واليوم أصبحنا أمتين متجاورتين لا تستطيعان مخاطبة بعضهما البعض، فلم يفهم العرب الظلم الذي وقع على الكرد، ولم يعرف الكرد كيف يسوّقون هذه المظلمة؟؟ لم يشرحوها كما يجب. وبالتأكيد للسلطة والاستبداد أثر كبير في الوصول لهذه الحالة.
طبيعة توزُّع الكرد في سوريا وتشتتهم بين حلب والجزيرة ودمشق يمنع تشكُّل مثل هذا الإقليم
*في سوريا المستقبل، إذا طالب الكرد بحكم ذاتي، أو اتحاد فيدرالي كما في إقليم كوردستان حالياً، هل ستلاقي مطالبهم الدعم من السوريين؟ أم أن أي تفكير بهذا الاتجاه يعدّ تهديداً لأمن سوريا كدولة؟
**أما لجهة نموذج مطابق لكوردستان، فأكرّر هنا مرة أخرى أن حصول هذا الأمر في سوريا صعب جداً لأن الظرف السياسي الذي تم خلاله نشوء إقليم كوردستان مختلف، وطبيعة توزُّع الكرد في سوريا وتشتتهم بين حلب والجزيرة ودمشق يمنع تشكُّل مثل هذا الإقليم، كما أنه لا الظرف السياسي، ولا الظرف الاجتماعي مناسبان، الآن لنموذج مطابق، لكن من الممكن إنشاء نموذج يستعير الكثير من العناصر هناك.
المثقفون الكرد ينشغلون بالسياسة أكثر من تعمقهم بالمعرفة والثقافة
*هل لكم علاقات وتواصل مع النخب السياسية والثقافية والأكاديمية الكردية في سوريا؟ وما مستواها؟ وهل أنتم راضون عنها؟
**نعم، لدي تواصل مع النخب الثقافية والسياسية والأكاديمية الكُردية، الموضوع لا يتعلق بالرضا أو الرفض، أنا أتشرف طبعاً بصداقة الكرد، ولكن لي مأخذ على المثقفين الكرد هو أنهم يشتغلون، وينشغلون بالسياسة أكثر من تعمقهم بالمعرفة والثقافة، لذلك أرى أن القضية الكردية لا تحظى بالكثير من العمل المعرفي الذي تستحقه، الكرد يشتغلون بالسياسة أكثر من انشغالهم بالمعرفة، وهذا مؤلم.
الدكتور: زيدون الزعبي- بروفايل
مواليد درعا- 1974
-حاصل على شهادة الدكتوراه في الإدارة.
– باحث في شؤون الحوكمة والإدارة المحلية والهوية الوطنية. -أستاذ جامعي، ومؤسس لعدد من منظمات المجتمع المدني.
-ميسّر حوارات في عدد من المسارات أهمها المجلس الاستشاري النسائي.