صلاح بدرالدين
اهداني الصديق العزيز وصهر عائلتنا السيد – كاظم حسين اسعد – نسخة من مذكراته الصادرة عام ٢٠٢٣ – بالقامشلي – ٢١٦ – صفحة ، ويسعدني ان اتناولها ليس بقراءة نقدية مفصلة ، حيث ساترك ذلك للنقاد المتخصصين ، بل كاستعراض لعناوينها الرئيسية ، وإبراز الاحداث الهامة التي وردت بالكتاب .
يدون المؤلف في مذكراته ماسمعه ، ورآه ، وعاصره في مسقط راسه قرية – جرنا – ومنطقة الجزيرة بشكل خاص ، والمحيط الابعد بشكل عام ، منذ عشرينات القرن الماضي ، وحتى قبل نحو عقد وكما يكتب هو : ( فقد انهيت كتابتها وانا في العام الثالث والتسعين من عمري ، لتجد فيه تفصيلا عن احداث ووقائع وامور جرت عشت فيها ، وتفاعلت معها ، وقد كنت شاهدا عليها ، باستثناء تلك الأمور التي لم اكن حاضرا عند حدوثها ، وفيما بعد تحدث عنها والدي لي بدقة ) .
في الصفحات الأولى يقوم بسرد سيرته الذاتية ( تزوجت عام ١٩٤٨ ، بعد ان طلب والدي يد زوجتي المرحومة – ماشا الله – من ابن عم والدها المرحوم بدرالدين ديبو والد صلاح بدرالدين في قرية جمعاية … وكانت العادة ان يتزوج شبابنا من بنات الاغوات والعائلات المعروفة ، فوالد زوجتي” خليلي سمي آغا ” … الذي كان له ولابناء عمومته اكثر من ثلاثين قرية وكان زعيم قبيلة علكان ، ونفته السلطة التركية الى منطقة – بالي كسر – القريبة من استانبول ) وذلك بسبب مشاركته وعشيرته في انتفاضة الشيخ سعيد بيران ضد نظام اتاتورك .
بعد ان يكتب المؤلف ( مشاركته في تأسيس اربع لجان يعتبرها انعطافات في مسيرة حياته وهي لجنة الخدمات الخاصة بعائلة محو تزة ، ولجنة الإصلاح ، ولجنة مؤازرة الثورة الكردية بكردستان العراق ، ولجنة المستقلين الكرد ، ينتقل الى سرد نبذة تاريخية عن جده محو تزة وعائلته ، واجتماع زعيم عشيرتهم بالجنرال الفرنسي – تيريه – بالقامشلي عام ١٩٢٥ ، كما يطرح مجمل علاقات عائلته خلال تزعم والده المرحوم – حسين اسعد – مع العشائر ، والعائلات الكردية والعربية ، والشخصيات المسيحية بالجزيرة ، وكذلك علاقاته الخاصة بالشاعر الكردي الكبير – جكرخوين – ، ويؤكد الكاتب على الموقف الوطني لوالده الشخصية المعروفة – حسين اسعد محو تزة – الذي رفض التحالف مع الانتداب الفرنسي ، وطالب باستقلال سوريا ، وإرساء علاقات الوئام و العيش المشترك بين سائر المكونات في الجزيرة خاصة وفي سوريا بشكل عام ) .
زيارة الرئيس شكري القوتلي
كما وثق زيارة الرئيس السوري شكري القوتلي الى والده الشخصية الوطنية وزعيم عشيرة – الميرسيني – في قريته – جرنا – خلال جولته في المحافظات السورية عام ١٩٤٧ وذلك تقديرا لمكانته ، ودوره .
باكورة التواصل الكردي – الدرزي
مايلفت النظر في هذه المذكرات هو تدوين الكاتب نبذة عن علاقات نشأت بين والد الكاتب وعائلته ، وبين شخصيات درزية كانت تعمل بالجزيرة ، والتي وصلت الى اللقاء بين الشخصيتين الوطنيتين الكردية – حسين اسعد – والزعيم الوطني الدرزي سلطان باشا الأطرش ، كما جاء في المذكرات بالشكل التالي : ( في عام ١٩٤٣ جلبت فرنسا ( ٢٠٠ ) فارس من فرسان او ( خيالة ) جبل الدروز في عربات تتقدمها الاحصنة وانشأت لهم مركزا في قرية – دودا – الحدودية مع تركيا الواقعة شمال غرب قامشلي ، وجعلت مضافة المختار مقرا لقيادتها ، كما أنشأت عدة نقاط عسكرية من هؤلاء الفرسان حول القرية من جهة الشمال في مواجهة مقر عسكري تركي .
وكان قائدهم ” إبراهيم بك الأطرش ابن شقيق الزعيم الدرزي سلطان باشا الأطرش ، اما نائبه فكان ضابطا معروفا باسم ” ابي الخير ” .
قام والدي بزيارتهم في قرية – دودا – ونشات صداقة بينهم فدعاهم والدي ” حسين اسعد ” الى وليمة في قريته – جرنا – .
جاء قائد الخيالة ونائبه برفقة ( ١٢ ) من هؤلاء الفرسان الذين اقاموا في ضيافة والدي ستة أيام وقدرهم والدي ايما تقدير فكانت ولائمهم المتميزة قائمة كل يوم .
واتذكر جيدا وانا ابن الثالثة عشرة ان والدي قد زرع قسما من ارضه شعيرا فكانت احصنتهم تنمتشر بين الحقول ، طوال تلك المدة كما أتذكر ان والدي كان قد اشترى لي بندقية قصيرة كهدية تسمى بالعامية ” العجمية ” ، وعند انتهاء زيارة إبراهيم الأطرش ومرافقيه وقبل مغادرتهم قدم له والدي تلك البندقية لتكون هدية لابنه ” حمود ” لكنه لم يرض قائلا : لا يا آغا فاصر والدي وقال : انها بندقية ولدي ” كاظم ” فلتكن هدية ” لحمود ” .
وعندما لبى والدي دعوة السيد الرئيس شكري القوتلي الى دمشق حيث كان ضيفا عليه لمدة أسبوعين ، وبعد اللقاء مع رئيس الوزراء سعد الله الجابري ، توجه الى السويداء حيث استقبل من جانب – إبراهيم الأطرش – حسب الأصول المتبعة هناك بكل حفاوة ، وكذلك ابي الخير ، وبعد عدة أيام دعاه الزعيم سلطان باشا الأطرش الى منزله في – القريا – واستقبله بحفاوة وقبل العودة دعاه الزعيم الى مادبة غداء ثانية واهداه بندقية وخنجرا عربونا لصداقة الشخصيتين الوطنيتين الكردية والدرزية .) .
ملاحظتان
لاشك ان المذكرات تحتوي على الكثير من المعلومات القيمة ، والتفاصيل ، حول احداث منطقة الجزيرة ، وسوريا في تلك الحقبة ، والمواقف المتنوعة ، وهي غنية بمعلومات غير معروفة للعامة ، خاصة حول مواقف العشائر الكردية حينها ، وزعمائها من القضيتين الكردية والسورية ، ومن باب الوفاء للتاريخ ، ولانني عاصرت والد المؤلف المرحوم – حسين اسعد – فلم اجد في شخصيته المرموقة الا تواضعه ، وصدقيته القومية ، والإخلاص لشعبه ووطنه ، وهو الوحيد بين اقرانه من وجهاء وزعماء العشائر الكردية في الجزيرة الذي زاره رئيس سوري في منزله ، واستقبله بدعوة رسمية في العاصمة دمشق ، والوحيد الذي استقبله قائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش في دارته با – القريا – وهو بعمامته الكردية .
اسلافنا الوطنييون من الكرد والعرب ومنذ عقود مهدوا الطريق للتعاون ، والتلاحم ، والعيش المشترك ، والوقوف صفا واحدا امام أعداء الوطن ، فحري بنا نحن أبناء الحاضر ان نستلهم منهم ذلك النهج السليم .
ومن المؤكد ان كتابة مثل هذه المذكرات من معاصري المراحل السابقة ستفيد الجيل الجديد لمعرفة المزيد من الحقائق ، وقد احسن الصديق كاظم حسين اسعد صنعا في كتابة مذكراته القيمة التي قد تجد من يختلف معه في سير ، وتقييم الاحداث ، وهذا امر طبيعي ولا ينقص ذلك من قيمة المذكرات ، وفي هذا السياق لابد من تسجيل الملاحظتين التاليتين :
الملاحظة الأولى – ان الشعوب دائما هي صانعة تاريخها ، وان للافراد من المؤثرين بالمجتمعات أدوار – إيجابا او سلبا – ومايتعلق الامر بالكرد السوريين فقد ظهر بينهم شخصيات اجتماعية مرموقة، ووجهاء قبائل ، وعشائر ، وزعماء محليين ، بعضهم قام بادوار سليمة ضمن اطار ، او على مقربة ، او على هامش الحركة الوطنية السياسية الكردية ، والبعض اساء للعمل القومي الكردي خاصة بعد انبثاق التنظيم السياسي الكردي الأول أواسط خمسينات القرن الماضي .
الملاحظة الثانية – طوال تاريخ شعبنا المعاصر ظهر العديد من اللجان ، والهيئات ، والتجمعات خارج اطار الحركة السياسية المنظمة ، ورفعت شعارات الإصلاح ، والسعي الى المصالحة ، وتحسين ذات البين ، وطلب الخير ، بعضها بل اكثرها كان جادا ، ويقف من ورائها أصحاب النوايا الحسنة ، اما البعض الاخر ولو بشكل اقل فكان أصحابها يبيتون النوايا السيئة ، ويتربصون الفرص لضرب الحركة الكردية والحلول محل انقاضها .
وأخيرا من الواجب تقدير جهود المعد الأستاذ خورشيد محمد ملا سعيد ، الذي كان حمله ثقيلا .