سامي شورش
بعد أشهر من الاحتقانات والتوترات المتفاقمة، أخذت العاصفة الهوجاء التي ضربت أفق العلاقات بين تركيا وكردستان العراق تدخل مرحلة هدوء نسبي.
لا جدال في أن الأميركيين، خصوصاً الرئيس جورج دبليو بوش، لعبوا دوراً فاعلاً وأساسياً في إقناع الطرفين، التركي والكردي العراقي، بضبط النفس والشروع في البحث عن طرق سلمية لحل مشكلة انتشار مقاتلين تابعين لـ «حزب العمال الكردستاني» في جبال حدودية كردية عراقية.
وكان الاجتماع الذي عقده الرئيس بوش مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في واشنطن في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري حاسماً في اتجاه دفع أنقرة نحو تخفيف لهجتها التهديدية القاسية بحق أكراد العراق.
لا جدال في أن الأميركيين، خصوصاً الرئيس جورج دبليو بوش، لعبوا دوراً فاعلاً وأساسياً في إقناع الطرفين، التركي والكردي العراقي، بضبط النفس والشروع في البحث عن طرق سلمية لحل مشكلة انتشار مقاتلين تابعين لـ «حزب العمال الكردستاني» في جبال حدودية كردية عراقية.
وكان الاجتماع الذي عقده الرئيس بوش مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في واشنطن في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري حاسماً في اتجاه دفع أنقرة نحو تخفيف لهجتها التهديدية القاسية بحق أكراد العراق.
مع هذا كله، يظل صعباً التكهن بمستقبل الهدوء الحالي: هل يمكن له أن يستمر؟ هل يمكن له أن يتحول الى حل دائم وثابت وقابل للتطوير؟ الإجابة عن أسئلة كهذه لا تزال صعبة.
فالمناطق الحدودية بين العراق وتركيا تشهد اكتظاظاً لافتاً بقطعات الجيش التركي، فيما مقاتلو «حزب العمال» لا يزالون يحكمون قبضتهم على جبلي قنديل وخواكورك الحدوديين.
هذا، إضافة الى حالة شديدة من الترقب والحذر تأخذ بخناق أطراف معادلة الصراع، انتظاراً لما يمكن أن يفعله الأميركيون في المستقبل القريب لمعالجة أسباب المشكلة المستعصية المتمثلة بانتشار مقاتلي «حزب العمال» في أراض كردية عراقية.
فيما الحال على هذه الشاكلة، يصح القول إن الدور الأميركي كان أساسياً في إقناع الأطراف بضبط النفس.
لكن الأصح أن دور واشنطن يظل ناقصاً ولا يتعدى كونه نصف الحل.
أما النصف الآخر، فيتجسد في ما يمكن أن تفعله الحكومتان اللتان يقع بينهما الخلاف والتوتر: الحكومة التركية والحكومة الإقليمية في كردستان العراق.
إذ من دون توجّه حقيقي لدى الطرفين نحو استكمال جهود واشنطن بحل تركي كردي، يظل الاحتمال واقعياً في انهيار نصف الحل الأميركي في أي لحظة.
إذن، ما الذي يمكن للطرفين أن يفعلاه على طريق أداء واجبهما المتعلق بصوغ النصف الآخر المطلوب لاستكمال الحل وتحويله الى حالة دائمة ومتطورة؟ حتى اللحظة، لا تبدو الإجابة عن سؤال كهذا سهلة.
فالطرفان لا يزالان يتغذيان على تراث من الأحقاد والضغائن المتبادلة.
فيما عناصر الثقة بين أنقرة وأربيل وصلت الى حد الانتفاء الكامل.
استطراداً، يشكل الطرفان حلقتين أساسيتين في تحالفات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط على رغم الفارق بينهما في الإمكانيات والمواقع.
ثم أن واشنطن نجحت لتوها في تسجيل انتصارين سياسيين ملحوظين في كل من العراق وتركيا.
ففي العراق بدأت الأوضاع الأمنية تشهد نوعاً لافتاً من الاستقرار والهدوء بعد أعوام من العنف الأعمى والاضطرابات الدموية.
وفي تركيا، انتعشت آمال الأميركيين والأوروبيين بإمكان عقد تصالح حقيقي بين الدين والعلمانية، بعد فوز حزب «العدالة والتنمية»، ما فتح الأفق واسعاً أمام فرص تضييق جديد على نفوذ الإرهاب في الشرق الأوسط.
في الحالين، أميركا غير مستعدة للتضحية بأي من المكسبين.
ولا للعودة الى وضع مصالح الاكراد تحت رحمة الدول الإقليمية.
لكل هذا، تظل واشنطن متمسكة بخيار تقديم كل مساعدة ممكنة للتوصل الى الحل المطلوب.
لكن الأهم أن تشرع تركيا وكردستان العراق من جهتيهما بخطوات جدية وحيوية للوصول الى صوغ مفردات الحل وتفاصيله ومتطلباته.
الأكيد، في هذا الإطار، أن الخطوة الأولى تبدأ بمحادثات مباشرة بين أربيل وأنقرة هدفها المصارحة والمكاشفة بغية البدء في إعادة بناء الثقة المفقودة بين الطرفين.
في الواقع، تعترض أنقرة على أي حوار مباشر مع حكومة إقليم كردستان العراق انطلاقاً من اعتقادها أن هذه الحكومة تدعم «حزب العمال الكردستاني» وتوفر لمقاتليه ملاذاً في أراضيها.
في حال أصرّت أنقرة على اعتراضها، يمكن للطرفين أن يتفقا على بدء الحوار عبر بغداد.
لكن المشكلة أن أي آلية أخرى، عراقية أو غير عراقية، لا يمكن أن تغني عن أهمية الحوار الثنائي المباشر.
ثم ان أنقرة التي تعتقد أن في إمكانها الاستمرار في تجاهل الحقيقة الجيوسياسية المتمثلة بجوارها الكردستاني العراقي، يجب أن تستوعب الحقائق التي أفرزتها التغييرات الحاصلة في بنية السياسة في العالم خلال العقدين الماضيين.
أحد أهم هذه الحقائق وأكثرها تأثيراً في مجريات السياسة في الرقعة الشرقية من الشرق الأوسط هي الحقيقة الكردية التي لم يعد في إمكان الدول الكبرى تجاهلها فكيف بتركيا؟
من دون شك، ليس القصد من إقرار تركيا بالحقيقة الكردية أن تتوجه أنقرة الى حل مشكلتها الكردية الداخلية، إنما القصد هو توجهها نحو التعايش السلمي والتعاون الإيجابي والتواصل السياسي مع فضائها الإقليمي الكردي العراقي.
أما مشكلة أكرادها فإنها في أحسن الأحوال شأن داخلي تركي ولا يمكن لحكومة إقليم كردستان العراق أو أحزابها أن تتدخل فيه إلا في حال طلبت أنقرة من هذه الجهات المساعدة على ترتيب شروط حلها سلمياً.
في ما يتعلق بـ «حزب العمال» ووصفه بالإرهاب، ينبغي على أنقرة أن تتفهم الحساسية القصوى لدخول حكومة إقليم كردستان العراق في حرب طاحنة مع «حزب العمال الكردستاني»، تحت يافطة الإرهاب، في ظل الظروف الأمنية والسياسية الراهنة للعراق والمنطقة الكردية، فالأكراد في العراق نجحوا في ظل رئاسة مسعود بارزاني، في بناء تجربة مدنية وديموقراطية رائدة واستقرار أمني وسياسي واقتصادي متين.
في هذا المنحى، لا ينسى الأكراد أن يذكّروا على الدوام بجميل تركيا والولايات المتحدة والدول الأوروبية في منحهم هذه الفرصة العظيمة للحاق بركب الإنسانية.
في الوقت ذاته، يهمّهم أن لا يعيدوا تلطيخ التجربة الكردية بقتال كردي كردي آخر قد يكون مدمراً للتجربة.
صحيح أن الأكراد في العراق يدركون أن ما تتحدث عنه أنقرة في هذا الخصوص هو الحرب ضد الإرهاب وليس القتال الكردي – الكردي.
مع هذا، يصعب على القادة الأكراد تعبئة جيش كردي للمشاركة في أي حرب ضد بني جلدتهم قبل أن يصار الى طرح حل سلمي من جانب تركيا للقضية الكردية.
حل كهذا، يمكنه أن يمنحهم مبرراً شرعياً لمقاتلة «حزب العمال» بذريعة إرهابيته وهروبه من الحلول السلمية.
في الواقع، يصعب على الطرفين التوصل الى توافق تركي كردي عراقي في هذا الشأن في عجالة.
لكن الأهم هنا، هو شروعهما في حوار ثنائي يمكن أن يمهد الأرضية لاتفاق في الرأي حول هذه المسألة الشائكة والبالغة الحساسية ومسائل أخرى قد لا تقل تشابكاً وتعقيداً.
في مربع آخر، يمكن للطرفين أن يتحدثا عن أوجه التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً في ميادين الصناعة النفطية.
بل أن يبحثا في ما يمكن فعله لترسيخ قناعة أنقرة بتمسك الاكراد بالوحدة العراقية وإدراكهم لاستحالة بناء دولة كردية مستقلة في الظروف الراهنة.
الى هذا، يمكن لتركيا أن تسمع، بشكل مباشر، وجهة نظر الأكراد في العراق حول أوضاع الأقلية التركمانية في كردستان العراق، وأهمية تعاون جميع الأطراف على طريق تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي، الخاصة بحل قضية كركوك وإزالة آثار سياسة التطهير العرقي البعثي التي طالت الأكراد والتركمان فيها في عهد النظام العراقي السابق.
أما كردياً، فالحقيقة أن رئيس حكومة إقليم كردستان العراق نيتشيروان بارزاني بادر بعد عودته من الولايات المتحدة الى طرح أفكار حيوية بالغة الأهمية في خصوص حل الأزمة الكردية التركية.
وكان سباقاً الى إغلاق مكاتب حزب «الحل الديموقراطي» الكردي الموالي لـ «حزب العمال الكردستاني» في أربيل ودهوك والسليمانية.
كذلك الى بذل جهود كبيرة على طريق إطلاق سراح الجنود الأتراك الأسرى لدى «حزب العمال» ومطالبة الأخير بوقف نشاطاته المسلحة ضد الدولة التركية.
في الوقت ذاته، نشرت حكومة اقليم كردستان العراق شبكة واسعة من نقاط التفتيش والسيطرات العسكرية على الطرق المؤدية الى جبال قنديل وخواكورك بغية منع وصول الأسلحة والمؤن الى مقاتلي «حزب العمال».
مع هذا، يظل مهماً بالنسبة الى حكومة كردستان العراق أن تبذل جهداً إضافياً واستثنائياً لإيصال وجهة نظرها الى المؤسستين السياسية والعسكرية في أنقرة.
ومن المهم أن تقدر الحكومة الكردية أهمية تركيا في موازين السياسة الأميركية أولاً، وأهميتها في موازين الوضع الاقتصادي والتجاري والسياسي الكردي والعراقي ثانياً.
خلاصة القول، إن الطرفين مدعوان الى الشروع في محادثات مباشرة بغية استكمال مشروع نصف الحل الأميركي والتمهيد لصياغة ملامح جديدة للعلاقات الكردية التركية.
والأكيد أن صياغة كهذه لن تفيد الأتراك والأكراد فقط، بل ستفيد، أيضاً العراق والولايات المتحدة والدول الأوروبية والعالمين العربي والإسلامي، ما يعني أن الجميع مطالبون بالمساعدة في وضع حد نهائي لتوالي الانفجارات في العلاقات بين أنقرة وأربيل.
كاتب عراقي
فالمناطق الحدودية بين العراق وتركيا تشهد اكتظاظاً لافتاً بقطعات الجيش التركي، فيما مقاتلو «حزب العمال» لا يزالون يحكمون قبضتهم على جبلي قنديل وخواكورك الحدوديين.
هذا، إضافة الى حالة شديدة من الترقب والحذر تأخذ بخناق أطراف معادلة الصراع، انتظاراً لما يمكن أن يفعله الأميركيون في المستقبل القريب لمعالجة أسباب المشكلة المستعصية المتمثلة بانتشار مقاتلي «حزب العمال» في أراض كردية عراقية.
فيما الحال على هذه الشاكلة، يصح القول إن الدور الأميركي كان أساسياً في إقناع الأطراف بضبط النفس.
لكن الأصح أن دور واشنطن يظل ناقصاً ولا يتعدى كونه نصف الحل.
أما النصف الآخر، فيتجسد في ما يمكن أن تفعله الحكومتان اللتان يقع بينهما الخلاف والتوتر: الحكومة التركية والحكومة الإقليمية في كردستان العراق.
إذ من دون توجّه حقيقي لدى الطرفين نحو استكمال جهود واشنطن بحل تركي كردي، يظل الاحتمال واقعياً في انهيار نصف الحل الأميركي في أي لحظة.
إذن، ما الذي يمكن للطرفين أن يفعلاه على طريق أداء واجبهما المتعلق بصوغ النصف الآخر المطلوب لاستكمال الحل وتحويله الى حالة دائمة ومتطورة؟ حتى اللحظة، لا تبدو الإجابة عن سؤال كهذا سهلة.
فالطرفان لا يزالان يتغذيان على تراث من الأحقاد والضغائن المتبادلة.
فيما عناصر الثقة بين أنقرة وأربيل وصلت الى حد الانتفاء الكامل.
استطراداً، يشكل الطرفان حلقتين أساسيتين في تحالفات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط على رغم الفارق بينهما في الإمكانيات والمواقع.
ثم أن واشنطن نجحت لتوها في تسجيل انتصارين سياسيين ملحوظين في كل من العراق وتركيا.
ففي العراق بدأت الأوضاع الأمنية تشهد نوعاً لافتاً من الاستقرار والهدوء بعد أعوام من العنف الأعمى والاضطرابات الدموية.
وفي تركيا، انتعشت آمال الأميركيين والأوروبيين بإمكان عقد تصالح حقيقي بين الدين والعلمانية، بعد فوز حزب «العدالة والتنمية»، ما فتح الأفق واسعاً أمام فرص تضييق جديد على نفوذ الإرهاب في الشرق الأوسط.
في الحالين، أميركا غير مستعدة للتضحية بأي من المكسبين.
ولا للعودة الى وضع مصالح الاكراد تحت رحمة الدول الإقليمية.
لكل هذا، تظل واشنطن متمسكة بخيار تقديم كل مساعدة ممكنة للتوصل الى الحل المطلوب.
لكن الأهم أن تشرع تركيا وكردستان العراق من جهتيهما بخطوات جدية وحيوية للوصول الى صوغ مفردات الحل وتفاصيله ومتطلباته.
الأكيد، في هذا الإطار، أن الخطوة الأولى تبدأ بمحادثات مباشرة بين أربيل وأنقرة هدفها المصارحة والمكاشفة بغية البدء في إعادة بناء الثقة المفقودة بين الطرفين.
في الواقع، تعترض أنقرة على أي حوار مباشر مع حكومة إقليم كردستان العراق انطلاقاً من اعتقادها أن هذه الحكومة تدعم «حزب العمال الكردستاني» وتوفر لمقاتليه ملاذاً في أراضيها.
في حال أصرّت أنقرة على اعتراضها، يمكن للطرفين أن يتفقا على بدء الحوار عبر بغداد.
لكن المشكلة أن أي آلية أخرى، عراقية أو غير عراقية، لا يمكن أن تغني عن أهمية الحوار الثنائي المباشر.
ثم ان أنقرة التي تعتقد أن في إمكانها الاستمرار في تجاهل الحقيقة الجيوسياسية المتمثلة بجوارها الكردستاني العراقي، يجب أن تستوعب الحقائق التي أفرزتها التغييرات الحاصلة في بنية السياسة في العالم خلال العقدين الماضيين.
أحد أهم هذه الحقائق وأكثرها تأثيراً في مجريات السياسة في الرقعة الشرقية من الشرق الأوسط هي الحقيقة الكردية التي لم يعد في إمكان الدول الكبرى تجاهلها فكيف بتركيا؟
من دون شك، ليس القصد من إقرار تركيا بالحقيقة الكردية أن تتوجه أنقرة الى حل مشكلتها الكردية الداخلية، إنما القصد هو توجهها نحو التعايش السلمي والتعاون الإيجابي والتواصل السياسي مع فضائها الإقليمي الكردي العراقي.
أما مشكلة أكرادها فإنها في أحسن الأحوال شأن داخلي تركي ولا يمكن لحكومة إقليم كردستان العراق أو أحزابها أن تتدخل فيه إلا في حال طلبت أنقرة من هذه الجهات المساعدة على ترتيب شروط حلها سلمياً.
في ما يتعلق بـ «حزب العمال» ووصفه بالإرهاب، ينبغي على أنقرة أن تتفهم الحساسية القصوى لدخول حكومة إقليم كردستان العراق في حرب طاحنة مع «حزب العمال الكردستاني»، تحت يافطة الإرهاب، في ظل الظروف الأمنية والسياسية الراهنة للعراق والمنطقة الكردية، فالأكراد في العراق نجحوا في ظل رئاسة مسعود بارزاني، في بناء تجربة مدنية وديموقراطية رائدة واستقرار أمني وسياسي واقتصادي متين.
في هذا المنحى، لا ينسى الأكراد أن يذكّروا على الدوام بجميل تركيا والولايات المتحدة والدول الأوروبية في منحهم هذه الفرصة العظيمة للحاق بركب الإنسانية.
في الوقت ذاته، يهمّهم أن لا يعيدوا تلطيخ التجربة الكردية بقتال كردي كردي آخر قد يكون مدمراً للتجربة.
صحيح أن الأكراد في العراق يدركون أن ما تتحدث عنه أنقرة في هذا الخصوص هو الحرب ضد الإرهاب وليس القتال الكردي – الكردي.
مع هذا، يصعب على القادة الأكراد تعبئة جيش كردي للمشاركة في أي حرب ضد بني جلدتهم قبل أن يصار الى طرح حل سلمي من جانب تركيا للقضية الكردية.
حل كهذا، يمكنه أن يمنحهم مبرراً شرعياً لمقاتلة «حزب العمال» بذريعة إرهابيته وهروبه من الحلول السلمية.
في الواقع، يصعب على الطرفين التوصل الى توافق تركي كردي عراقي في هذا الشأن في عجالة.
لكن الأهم هنا، هو شروعهما في حوار ثنائي يمكن أن يمهد الأرضية لاتفاق في الرأي حول هذه المسألة الشائكة والبالغة الحساسية ومسائل أخرى قد لا تقل تشابكاً وتعقيداً.
في مربع آخر، يمكن للطرفين أن يتحدثا عن أوجه التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً في ميادين الصناعة النفطية.
بل أن يبحثا في ما يمكن فعله لترسيخ قناعة أنقرة بتمسك الاكراد بالوحدة العراقية وإدراكهم لاستحالة بناء دولة كردية مستقلة في الظروف الراهنة.
الى هذا، يمكن لتركيا أن تسمع، بشكل مباشر، وجهة نظر الأكراد في العراق حول أوضاع الأقلية التركمانية في كردستان العراق، وأهمية تعاون جميع الأطراف على طريق تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي، الخاصة بحل قضية كركوك وإزالة آثار سياسة التطهير العرقي البعثي التي طالت الأكراد والتركمان فيها في عهد النظام العراقي السابق.
أما كردياً، فالحقيقة أن رئيس حكومة إقليم كردستان العراق نيتشيروان بارزاني بادر بعد عودته من الولايات المتحدة الى طرح أفكار حيوية بالغة الأهمية في خصوص حل الأزمة الكردية التركية.
وكان سباقاً الى إغلاق مكاتب حزب «الحل الديموقراطي» الكردي الموالي لـ «حزب العمال الكردستاني» في أربيل ودهوك والسليمانية.
كذلك الى بذل جهود كبيرة على طريق إطلاق سراح الجنود الأتراك الأسرى لدى «حزب العمال» ومطالبة الأخير بوقف نشاطاته المسلحة ضد الدولة التركية.
في الوقت ذاته، نشرت حكومة اقليم كردستان العراق شبكة واسعة من نقاط التفتيش والسيطرات العسكرية على الطرق المؤدية الى جبال قنديل وخواكورك بغية منع وصول الأسلحة والمؤن الى مقاتلي «حزب العمال».
مع هذا، يظل مهماً بالنسبة الى حكومة كردستان العراق أن تبذل جهداً إضافياً واستثنائياً لإيصال وجهة نظرها الى المؤسستين السياسية والعسكرية في أنقرة.
ومن المهم أن تقدر الحكومة الكردية أهمية تركيا في موازين السياسة الأميركية أولاً، وأهميتها في موازين الوضع الاقتصادي والتجاري والسياسي الكردي والعراقي ثانياً.
خلاصة القول، إن الطرفين مدعوان الى الشروع في محادثات مباشرة بغية استكمال مشروع نصف الحل الأميركي والتمهيد لصياغة ملامح جديدة للعلاقات الكردية التركية.
والأكيد أن صياغة كهذه لن تفيد الأتراك والأكراد فقط، بل ستفيد، أيضاً العراق والولايات المتحدة والدول الأوروبية والعالمين العربي والإسلامي، ما يعني أن الجميع مطالبون بالمساعدة في وضع حد نهائي لتوالي الانفجارات في العلاقات بين أنقرة وأربيل.
كاتب عراقي
الحياة – 21/11/2007