صالح بوزان
انهالت الإدانات علي جريمة مقتل الكرد اليزيديين من قبل المسؤولين العراقيين كرداً وعرباً، وبدأ التباكي على هذه الطائفة من الكرد بالبيانات والتصريحات من جديد.
ولكن يجب ألا يقف الأمر هذه المرة عند ذلك، فالرد الأولى على هذه الجريمة هو الكشف عن من يقف وراءها، فيما إذا كانت هناك معلومات فعلية لدى المسؤولين في الحكومة العراقية المركزية أو لدى حكومة إقليم كردستان العراق.
لا بد الانتقال إلى حماية الأكراد في هذه المنطقة بطريقة عملية.
أحب أن أوضح منذ البداية، أن هذه الجريمة مرتبطة بالدوافع الشوفينية للجهة المنفذة ضد الكرد بشكل عام، وضد أكراد هذه المنطقة بشكل خاص.
أي أن المسألة ليست مسألة يزيديين أو غير يزيديين، إنها مسألة تطهير عرقي و”تنقية” المنطقة من الأكراد بدافع قومي شوفيني، كما كان يفعلها صدام حسين.
إنها عملية أنفال جديدة.
ثمة مسؤولية كبيرة تقع على عاتق حكومة إقليم كردستان اليوم في الدفاع عن القضية الكردية من حيث المبدأ، لا سيما أن هناك مساعي من جهات عراقية عدة، بما في ذلك من بعض المشاركين في العملية السياسية، لعرقلة المادة 140 من الدستور العراقي حول المناطق التي اقتطعها النظام السابق عن جسم كردستان.
بمعنى أن المؤامرة عامة على جميع أكراد العراق.
ولعل الأطراف التي تدعو إلى تأجيل إجراء الاستفتاء في هذه المناطق، أو الطلب بتدويل مسألة كركوك، تهدف من وراء ذلك لانتظار الفرص في المستقبل، ليس لتعطيل الاستفتاء فقط، بل لتحجيم المكاسب الراهنة التي حصل عليها الشعب الكردي في العهد الجديد.
لقد ارتكبت حكومة إقليم كردستان العراق خطئ كبيراً منذ البداية لعدم التدخل العسكري الفوري في كركوك وبقية المناطق الكردية وحسم الأمر على أرض الواقع منذ انهيار النظام السابق، لأن قوى سياسية عراقية، سواء الطائفية منها أو القومية لديها النية للالتفاف على الحقوق الكردية، وهي لا تتنازل عن شهيتها لابتلاع هذه الحقوق من جديد، عندما تتمكن من السيطرة على السلطة.
لا أقول هذا الكلام انطلاقاً من نظرة شوفينية مقابل النظرة الشوفينية القومية العربية، بل لأن التراث الفكري والسياسي لدى العديد من القوى السياسية العربية في العراق وخارج العراق، هو نفس التراث الإسلامي والقومي العربي الكلاسيكيين الذي يعتبر كل ما وقع تحت سلطتها وبأية طريقة كانت، هو جزء من ممتلكاتها.
من هنا أرى أن الاكتفاء بالإدانة من قبل حكومة إقليم كردستان العراق، هو المقدمة لأن يحقق الذين خططوا لهذه الجريمة هدفهم النهائي، وهو طرد الكرد من هذه المنطقة والاستيلاء النهائي على هذا الجزء من كردستان.
صحيح أن المساعدة التي قدمتها حكومة الإقليم للضحايا كانت كبيرة، لكن الأمر يتعلق بالمستقبل.
خصوصاً أن أهداف الجهة المنفذة للجريمة تلتقي مع أهداف جهات إقليمية تعلن صراحة معاداتها للأكراد من حيث المبدأ، وتسعي ليلاً ونهاراً للقضاء على أي طموح قومي كردي مهما كان متواضعاً.
ثمة ضغط كبير يجري على الأكراد من أجل التراجع عن مطالبهم والاكتفاء بالنذر اليسير منها.
ويجري هذا الضغط بأساليب مختلفة، ولعل أقذر هذه الأساليب المستخدمة هو التهديد بالمستقبل بعد خروج الأمريكان من العراق، وكأن الأمريكان جاؤوا إلى العراق بطلب من الأكراد، أو كأن الأمريكان حلفاء للأكراد.
إنهم يتجاهلون عن عمد من أن الطرف الكردي هو الأكثر حذراً من السياسة الأمريكية، وهو الأقل ركضاً نحو الأمريكان مقارنة بكل الأطراف العربية العراقية وغير العراقية.
هناك جهات عربية عراقية؛ سواء كانت طائفية أو قومية، غير قادرة من حيث التفكير القبول بالواقع الكردي الراهن.
أقصد أن المسألة تكمن في طبيعة التفكير الذي يسيطر على عقلية هذه الجهات.
هذه العقلية التي مازالت تعيش من الناحية الفكرية والسياسية في نشوة الغزوات العربية الإسلامية التي نهبت الشعوب الأخرى وضخت الأموال والجواري إلى مركز الخلافة، وذوبت شعوباً وأمم في العروبة الإسلامية.
إن الإسلامي والقومي العربيين لا يعترف في داخله بالآخر المختلف، سواء على الصعيد الطائفي أو القومي.
وهم الذين ارتكبوا ومازالوا يرتكبون أبشع الجرائم والمؤامرات تجاه بعضهم بعضاَ تحت شعارات دينية أو قومية.
وإذا كان الأمر هكذا فيما بينهم، فمن الطبيعي أن لا يقبل هذا النموذج من العقل العربي السياسي والفكري الحقوق الكردية، هذا الكردي الذي في ذاكرة هذا العقل التراثي مجرد صنف من الموالي.
صحيح أن هناك بعض المفكرين والسياسيين المستقلين (وبعض التيارات المتواضعة من حيث الحجم والدور) يسعون للتحرر من هذه العقلية العربية القومية والإسلامية التراثية، ويسعون للمصالحة مع الذات وبناء أسس حضارية لمستقبل شعوبهم، وفي العلاقة مع الشعوب التي تعيش معهم.
ولكن..
وللأسف أن دور هؤلاء مازال متواضعاً، بل يتعرضون لشتى أنواع الاضطهاد والتكفير والاتهام بالعمالة من قبل ذلك العقل الإسلامي والقومي العربي التراثي.
أعتقد أن حكومة إقليم كردستان سترتكب خطأ آخر إذا لم تحسم مسألة التدخل في هذه المناطق الكردية التي تتعرض للتصفية القومية والأنفال الجديدة، سواء مع الحكومة المركزية أو مع قوات التحالف، بل عليها التدخل حتى ولو لم تأخذ الضوء الأخضر منهما.
لقد ولى عهد التباكي على المصائب التي تنهال على الأكراد، واجترار الشكوى والشفاعة، بل يجب أن تدافع حكومة إقليم كردستان عن الأكراد اليزيديين والشبك والفيليين بقوة لا تقل عن الدفاع عن أكراد سوران وبهدينان.
فالأكراد يؤسسون اليوم لشعور قومي حديث، ويجب أن يكون أول مبدأ في هذا الشعور القومي أن يصبح فوق التقسيمات الدينية والطائفية والأقاليمية.
و إلا فالجرائم ستتوالى من كل حدب وصوب، وسيصبح مستقبل كركوك والمناطق الكردية الأخرى كلها في مهب الريح، إذا لم نقل تجربة الإقليم نفسها.
أي أن المسألة ليست مسألة يزيديين أو غير يزيديين، إنها مسألة تطهير عرقي و”تنقية” المنطقة من الأكراد بدافع قومي شوفيني، كما كان يفعلها صدام حسين.
إنها عملية أنفال جديدة.
ثمة مسؤولية كبيرة تقع على عاتق حكومة إقليم كردستان اليوم في الدفاع عن القضية الكردية من حيث المبدأ، لا سيما أن هناك مساعي من جهات عراقية عدة، بما في ذلك من بعض المشاركين في العملية السياسية، لعرقلة المادة 140 من الدستور العراقي حول المناطق التي اقتطعها النظام السابق عن جسم كردستان.
بمعنى أن المؤامرة عامة على جميع أكراد العراق.
ولعل الأطراف التي تدعو إلى تأجيل إجراء الاستفتاء في هذه المناطق، أو الطلب بتدويل مسألة كركوك، تهدف من وراء ذلك لانتظار الفرص في المستقبل، ليس لتعطيل الاستفتاء فقط، بل لتحجيم المكاسب الراهنة التي حصل عليها الشعب الكردي في العهد الجديد.
لقد ارتكبت حكومة إقليم كردستان العراق خطئ كبيراً منذ البداية لعدم التدخل العسكري الفوري في كركوك وبقية المناطق الكردية وحسم الأمر على أرض الواقع منذ انهيار النظام السابق، لأن قوى سياسية عراقية، سواء الطائفية منها أو القومية لديها النية للالتفاف على الحقوق الكردية، وهي لا تتنازل عن شهيتها لابتلاع هذه الحقوق من جديد، عندما تتمكن من السيطرة على السلطة.
لا أقول هذا الكلام انطلاقاً من نظرة شوفينية مقابل النظرة الشوفينية القومية العربية، بل لأن التراث الفكري والسياسي لدى العديد من القوى السياسية العربية في العراق وخارج العراق، هو نفس التراث الإسلامي والقومي العربي الكلاسيكيين الذي يعتبر كل ما وقع تحت سلطتها وبأية طريقة كانت، هو جزء من ممتلكاتها.
من هنا أرى أن الاكتفاء بالإدانة من قبل حكومة إقليم كردستان العراق، هو المقدمة لأن يحقق الذين خططوا لهذه الجريمة هدفهم النهائي، وهو طرد الكرد من هذه المنطقة والاستيلاء النهائي على هذا الجزء من كردستان.
صحيح أن المساعدة التي قدمتها حكومة الإقليم للضحايا كانت كبيرة، لكن الأمر يتعلق بالمستقبل.
خصوصاً أن أهداف الجهة المنفذة للجريمة تلتقي مع أهداف جهات إقليمية تعلن صراحة معاداتها للأكراد من حيث المبدأ، وتسعي ليلاً ونهاراً للقضاء على أي طموح قومي كردي مهما كان متواضعاً.
ثمة ضغط كبير يجري على الأكراد من أجل التراجع عن مطالبهم والاكتفاء بالنذر اليسير منها.
ويجري هذا الضغط بأساليب مختلفة، ولعل أقذر هذه الأساليب المستخدمة هو التهديد بالمستقبل بعد خروج الأمريكان من العراق، وكأن الأمريكان جاؤوا إلى العراق بطلب من الأكراد، أو كأن الأمريكان حلفاء للأكراد.
إنهم يتجاهلون عن عمد من أن الطرف الكردي هو الأكثر حذراً من السياسة الأمريكية، وهو الأقل ركضاً نحو الأمريكان مقارنة بكل الأطراف العربية العراقية وغير العراقية.
هناك جهات عربية عراقية؛ سواء كانت طائفية أو قومية، غير قادرة من حيث التفكير القبول بالواقع الكردي الراهن.
أقصد أن المسألة تكمن في طبيعة التفكير الذي يسيطر على عقلية هذه الجهات.
هذه العقلية التي مازالت تعيش من الناحية الفكرية والسياسية في نشوة الغزوات العربية الإسلامية التي نهبت الشعوب الأخرى وضخت الأموال والجواري إلى مركز الخلافة، وذوبت شعوباً وأمم في العروبة الإسلامية.
إن الإسلامي والقومي العربيين لا يعترف في داخله بالآخر المختلف، سواء على الصعيد الطائفي أو القومي.
وهم الذين ارتكبوا ومازالوا يرتكبون أبشع الجرائم والمؤامرات تجاه بعضهم بعضاَ تحت شعارات دينية أو قومية.
وإذا كان الأمر هكذا فيما بينهم، فمن الطبيعي أن لا يقبل هذا النموذج من العقل العربي السياسي والفكري الحقوق الكردية، هذا الكردي الذي في ذاكرة هذا العقل التراثي مجرد صنف من الموالي.
صحيح أن هناك بعض المفكرين والسياسيين المستقلين (وبعض التيارات المتواضعة من حيث الحجم والدور) يسعون للتحرر من هذه العقلية العربية القومية والإسلامية التراثية، ويسعون للمصالحة مع الذات وبناء أسس حضارية لمستقبل شعوبهم، وفي العلاقة مع الشعوب التي تعيش معهم.
ولكن..
وللأسف أن دور هؤلاء مازال متواضعاً، بل يتعرضون لشتى أنواع الاضطهاد والتكفير والاتهام بالعمالة من قبل ذلك العقل الإسلامي والقومي العربي التراثي.
أعتقد أن حكومة إقليم كردستان سترتكب خطأ آخر إذا لم تحسم مسألة التدخل في هذه المناطق الكردية التي تتعرض للتصفية القومية والأنفال الجديدة، سواء مع الحكومة المركزية أو مع قوات التحالف، بل عليها التدخل حتى ولو لم تأخذ الضوء الأخضر منهما.
لقد ولى عهد التباكي على المصائب التي تنهال على الأكراد، واجترار الشكوى والشفاعة، بل يجب أن تدافع حكومة إقليم كردستان عن الأكراد اليزيديين والشبك والفيليين بقوة لا تقل عن الدفاع عن أكراد سوران وبهدينان.
فالأكراد يؤسسون اليوم لشعور قومي حديث، ويجب أن يكون أول مبدأ في هذا الشعور القومي أن يصبح فوق التقسيمات الدينية والطائفية والأقاليمية.
و إلا فالجرائم ستتوالى من كل حدب وصوب، وسيصبح مستقبل كركوك والمناطق الكردية الأخرى كلها في مهب الريح، إذا لم نقل تجربة الإقليم نفسها.