كيفَ نفهمُ الحرّية معَ طقوس الولادةِ والموتِ؟؟!! الحلقة (21)

نارين عمر

منذ أن خُلِقَ الإنسان, خلقتْ معه الأضدادُ والمتناقضات, ورافقته خلالَ القرون والعصور وما تزالُ.
فالحبّ قابله الكره, والفرحُ صارعه الحزن, والخيرُ نافسه الشّرّ, والنّجاحُ واجهه الفشل.

هكذا حملَ كلّ عصرٍ طبائعَ ومعتقدات وعادات النّاس الذين تعايشَ معهم للعصر الذي تلاه, على الرّغم من وجودِ تباينٍ بين كلّ عصر وسلفه.
لكن ما يسمّى بالموروث أو المورّث أو المتوارث, كان وما يزالُ له نصيبه الموفور في احتفاليةِ تلاقي العصور وتواصلها, حتى باتتْ هذه المفاهيمُ والقيمُ من لوازم تعايش الإنسان واستمراريته, لأنّه يتعلّمها وهو جنينٌ في رحم أمّه, وتنمو معه إذا ودّعَ عرشَ الرّحم وحلّ ضيفاً سيّداً على هذه الدّنيا الرّائعة.
مؤكدٌ أنّ هذه كلّها تشكّلُ الدّعائمَ الأساسية في سرّ ديمومته وتواصله مع تربه الإنسان, لأنّها أسّستْ له طقوساً ومناسباتٍ تؤرّخُ لفرحه وحزنه, لحبّه وكرهه.
يمارسُ فيها آراءه ومعتقداته المخيّرَة أو المفروضة عليه وضمنَ المحيطِ الذي يتواجدُ فيه.
أبرزُ هذه الطقوس التي توحّدتْ مع روحهِ وشعوره, هي طقوسُ الولادةِ والموتِ.

هذان الضدّان اللذان ما زالا يجعلانه يتخبّطُ في تفكيره, ويتلعثمُ في محرابِ أبجديةِ نطقهما وتفهّمهما وسبل التّعامل معهما.
في محرابِ الولادةِ تتبخترُ سرائرُ فؤاده وحسّه, وتتراقصُ خلايا شعوره ولاشعوره غبطة وابتهاجاً,والكونُ برمّته يتحوّلُ إلى قاعةٍ للسرور والسّعادةِ, بعدما تتقهقرُ فلولُ البؤس والقنوطِ  والغمّ إلى أوكارها مكرهة.
أمّا في حضرةِ الموتِ,فالحزنُ ثمّ الحزنُ, وما أدرانا ما الحزنُ الذي يحتكرُ سدّة القلبِ والوجدان معاً, وما تفعله مشتقاته من الغمّ والهمّ والنّحيبِ واللطم على الوجوهِ والأقدام والأكفّ .
إذاً نحنُ أمامَ ضدّين لدودين في قواميسِ ومعاجم تفكيرنا وحسّنا, ولكنّهما صديقان حميمان في مفهومهما, لأنّهما يؤسّسان لأبجديةِ الحياةِ تنسيقاً وتنظيماً.

فلولا الولادة لما كانَ الموتُ, وبالعكس والموتُ بحدّ ذاته رحمة للإنسان ورأفة به وخاصة إذا بلغَ من العمر حدّاً يفقده القدرة تماماً على أن يحيا وإن لم يأته الموتُ فهو مَنْ سيسعى إليه لأنّنا نسعى دوماً –نحن البشر- لأن نكونَ الأقوى في هذا الكون بل وأسياد الحياةِ بدون منازع من بين جميع
 الكائنات الحيّة الأخرى, كوننا وُهبنا جرعاتٍ أكبر من العقل والتّفكير, والقدرةِ على التّلاعبِ بمدركاتِ الكون ومكنوناتِ الحياة.

—-

الحلقات السابقة من سلسلة مقالات الكاتبة نارين عمر ( كيف نفهم الحرية):


كيفَ نفهمُ الحرّية مع السّؤال التالي: لماذا يُصابُ طلابُ الكرد باكتئابٍ مزمن؟؟!! الحلقة (19)
كيفَ نفهمُ الحرّية مع قتل النّفس؟؟!! الحلقة (18)
كيف نفهمُ الحرّية مع مفاهيم الشّباب؟؟!! الحلقة (17)
كيف نفهمُ الحرّية مع عالم الطفولة ؟؟!! الحلقة (16)
كيف نفهمُ الحرّية مع مشاعر الرّجل ؟؟ الحلقة(15)  
–  كيف نفهم الحرية مع مشاعر الأنثى – الحلقة(14)
كيفَ نفهمُ الحرّية مع تغيّر الأمكنة وسكانها؟؟!! الحلقة (13) (ديركا حمكو كمثال)
–  كيفَ نفهمُ الحرّية مع غلاء المهور؟؟!!/ الحلقة (12)
كيفَ نفهمُ الحرّية مع السّرقاتِ الأدبية والفنّية ؟؟!! الحلقة (11)
 كيفَ نفهمُ الحرّية في مجال النّقد؟؟!! (الحلقة العاشرة)
كيفَ نفهمُ الحرّية بين سطور الطبقة المتعلمة؟؟!! ( 9)
–  كيفَ نفهمُ الحرّية في أروقةِ المحامين؟؟!! ( 8)
كيف نفهمُ الحرّية في عالم المعلمين؟؟!! (7)
–  كيف نفهمُ الحرّية في التّعبير؟؟!! الحلقة (6)
كيف نفهمُ الحرّية مع لغةِ المال ؟؟ (5)!!
–  كيف نفهمُ الحرّية في ساحةِ الصّراحة؟! ( 4)
–  كيفَ نفهمُ الحرّية ضمن حدود الحبّ؟! (3)
كيف نفهمُ الحرّية؟!….

(2)

–  كيف نفهمُ الحرّية؟ (1)!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بوتان زيباري   يا سوريا، يا رعشة التاريخ حين يختلج على شَفَة المصير، ويا لُغزَ الهوية حين تُذبح على مذبح الشرعية، ما بين سراديب القهر وأعمدة الطموح المتداعية. أنتي ليستِ وطناً فقط، بل أسطورةٌ تمشي على أطرافِ الجراح، تهمس للحاضر بلغةٍ من دمٍ، وتُنادي المستقبل بنداءٍ مختنقٍ بين الركام. أيُّ قدرٍ هذا الذي يجعل من أرض العقيق محرابًا للدم، ومن…

نتابع، في الشبكة الكردية لحقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، بقلق بالغ تصاعد حالات اختطاف الأطفال القُصَّر، خاصة الفتيات، من قبل ما تُسمى بـ”منظمة جوانين شورشكر” أو “الشبيبة الثورية”. حيث يُنتزع هؤلاء الأطفال من أحضان عائلاتهم ويُخفَون في أماكن مجهولة، دون تقديم أية معلومات لأسرهم عن مصيرهم. لقد حصلنا على قوائم بأسماء عدد من القاصرين والقاصرات الذين تم اختطافهم…

إبراهيم اليوسف   مرت مئة يوم منذ سقوط النظام، وشهدت البلاد تحولًا سريعًا- يشبه ما يحدث في الخيال العلمي- وكأنها عاشتها على مدى قرن بل قرون. هذه الفترة القصيرة كانت مليئة بالأحداث الجسيمة التي بدت وكأنها تحولات تاريخية، رغم قصر الوقت. ومع كل هذه التغيرات، تبقى الحقيقة المرة أن السوريين يواجهون تحديات أكبر من أي وقت مضى. بدأت المرحلة الجديدة…

نظام مير محمدي*   في خطبته التي ألقاها الولي الفقيه علي خامنئي بمناسبة عيد الفطر قال وهو يشير الى التهديدات المحدقة بالنظام الإيراني: “يهددوننا بالشر. لسنا على يقين بأن الشر سيأتي من الخارج، ولكن إن حصل، فسيتلقون ضربة قاسية. وإذا سعوا لإشعال الفتنة في الداخل، فإن الشعب الإيراني سيتولى الرد”، وفي کلامه هذا الکثير من الضبابية وعدم الوضوح لأن…