شيرزاد عادل اليزيدي
مع اقتراب موعد إجراء الاستفتاء في كركوك وغيرها من مناطق كردستان المعربة على يد النظام البعثي البائد والمقرر في نهاية العام الجاري ومع شروع اللجنة العليا المكلفة تطبيق المادة (140) من الدستور العراقي الدائم في عملها لتطبيع الأوضاع في المناطق الكردستانية المستقطعة من إقليم كردستان بفعل سياسات التعريب والتهجير والتلاعب الإداري بحدود المحافظات الكردستانية عبر سلخ أقضية ونواحي كردية وضمها إلى محافظات عربية
في هذا الوقت وتزامنا مع تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية في كركوك تحديدا ضد سكانها الأكراد زادت حدة التصريحات والتهديدات التركية على لسان رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته عبدالله غول وصولا إلى جنرالات جيشه حتى أن التدخلات التركية السافرة والفاضحة في شؤون العراق وكردستان خاصة وصلت إلى حد عقد جلسات علنية وسرية للبرلمان التركي لبحث وضع كركوك ومصيرها وكأننا لا زلنا في القرن الثامن عشر أو التاسع عشر ولا زالت كردستان والعراق عامة عبارة عن مجموعة ولايات تابعة إلى إمبراطورية آل عثمان التركية المنقرضة غير المأسوف عليها ودخل البرلمانيون والمسؤولون الأتراك في سباق محموم من المزايدات الرخيصة للدعوة إلى التصدي للخطر الكردي ونجدة التركمان وإنقاذ كركوك من مؤامرات التكريد وما إلى ذلك من اتهامات طورانية عنصرية وفاشية وقد وصلت الفجاجة وانعدام اللباقة الديبلوماسية في تركيا إلى حد الدعوة إلى وضع كركوك تحت الوصاية الدولية في أحسن الأحوال والى وضعها تحت الوصاية التركية في أسوأها لا بل أن السيد أردوغان ما فتئ يدعو إلى وضع خاص لكركوك فحبذا لو كشف لنا تصوره لهذا الوضع الخاص هل يريد مثلا ضمها إلى تركيا أو هو ربما يكتفي بالحق في إدارتها عبر وكلائه في الجبهة التركمانية مع امتيازات وحصص كبيرة لأنقرة في نفط كركوك .
على أن التركيز التركي على كركوك لا يحول دون تلويح أنقرة بحقها في مطاردة مقاتلي حزب العمال الكردستاني في كردستان الجنوبية ( كردستان العراق ) كذريعة أخرى لتبرير حملاتها الكلامية ضد الأكراد في العراق ولا ريب أن تركيا بسياساتها وطموحاتها التوسعية هذه وبتدخلها السافر في شؤون العراق إنما تزيد تخبطها تخبطا وتزيد وضعها المحتقن تعقيدا واحتقانا لاسيما في ظل تعثر جهود انضمامها إلى أوروبا اثر تجميد المفوضية الأوروبية جزئيا لمفاوضات انضمامها إلى الاتحاد على خلفية تلكؤها في الإصلاحات المطلوبة وبخاصة على صعيد الملف الكردي ومواقفها العدائية من قبرص الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي ومن هنا يمكن استيعاب خلفيات هذه الهستيريا التركية ضد الأكراد وتجربتهم الديموقراطية في العراق فتركيا تمر في مرحلة حرجة ومفصلية لعلها الأكثر حراجة ومصيرية في تاريخها منذ تأسيسها على يد مصطفى كمال أتاتورك في 1923 وهي تقف بالفعل كدولة وككيان أمام استحقاقات التغيير التاريخية التي لم يعد بالامكان تأجيلها وتجاهلها وهي تطال المداميك والمرتكزات التأسيسية العنصرية والدمجية في معمار الدولة والمجتمع في تركيا وبعبارة أوضح فهي أمام خيارين : إما المضي على هدي آيديولوجيتها الكمالية الفاشلة والتمسك بإرثها الثقيل الذي أفرز بعد ثمانين عاما من التحديث الفوقي المفروض من أعلى والمعزول عن أسسه ومقوماته الثقافية والحضارية وعن سياقاته السياسية والاجتماعية والروحية والنفسية أفرز دولة مسخ هجينة لا شرقية ولا غربية وإما نفض غبار الكمالية والخروج من إسار حداثتها الشكلية المزيفة للاندماج في العصر وتبني الحداثة الحقيقية على أسس المواطنة والتعددية والديموقراطية والمساواة بعيدا عن عقلية الضم والإلحاق والقسر واضطهاد الشعوب الأخرى وفي مقدمها الشعب الكردي وطمس هوياتها إذ لا يعقل في عصرنا هذا المضي في إنكار وجود قرابة خمسة وعشرين مليون كردي في تركيا ولم يعد ممكنا البتة التعاطي مع قضية أمة كردية يربو تعدادها على الأربعين مليون نسمة بهذه العقلية الاستعمارية الرثة إلا إذا كانت تركيا تريد التقهقر حتى عن بعض إصلاحاتها الجزئية المبتسرة واللحاق بركب جبهة الممانعة الإيرانية – السورية التي تستعدي العالم بأسره ولا تتردد في الدفع باتجاه تفجير المنطقة وإغراقها في بحور من الدم والدمع لابتزاز المجتمع الدولي وللحفاظ على مصالحهما وبقائهما وللحؤول تاليا دون انهيارهما كنظامين متهافتين وفاقدين للشرعية وكم هي باعثة على السخرية الممزوجة بالقلق والريبة زيارة الرئيس الإيراني محمود أحدي نجاد إلى إخوانه أو رفاقه ( لا فرق ) في أميركا اللاتينية والذي يحاول من خلالها إحياء وتقمص دور سيد الكرملين الأخضر هذه المرة وليس الأحمر فهو يتحدى الولايات المتحدة الأميركية ويناكفها حتى في حديقتها الخلفية ورغم ما اكتنف الزيارة من فولكلورية ثورية مضحكة إلا أنها لا شك دليل آخر على مضي إيران في سياساتها الكارثية المتحدية للعالم بأسره وعليه فكل المؤشرات تشير إلى حتمية المواجهة بين المجتمع الدولي والمحور الإيراني – السوري فإيران وسورية تراهنان علنا وتعملان جهارا نهارا على تدمير دول بأكملها وتفجير مجتمعات بأسرها عبر إشعال الفتن والحروب الأهلية في العراق ولبنان وفلسطين وليس خافيا أن عدوى الحروب الأهلية لاسيما في طبعتها الطائفية لن تقتصر على هذه الدول والمجتمعات المذكورة أعلاه بل ستعم المنطقة برمتها نظرا إلى تشابك الأوضاع والأحداث وتداخلها فضلا عن تشابه يصل حد التطابق بين التراكيب الطائفية والمذهبية والاثنية في مختلف دول المنطقة مع اختلاف النسب طبعا وتباينها بين دولة وأخرى وما يزيد الأمور سوءا وكارثية أن إيران تسير قدما في برنامجها التسلحي النووي لفرض نفسها كقوة إقليمية عظمى وفي هذا السياق تأتي التعزيزات والتحشدات العسكرية الأميركية في مياه الخليج والمتزامنة مع إعلان الاستراتيجية الأميركية الجديدة في العراق والتي بات واضحا أنها تقوم أساسا على التصدي بحزم للتدخل الإيراني – السوري في العراق الهادف إلى توريط العراقيين في أتون حرب أهلية طائفية طاحنة لا تبق ولا تذر بحيث يصبح الحديث عندها عن عملية التحول الديموقراطي في العراق أشبه بنكتة سمجة لا تثير الضحك أمام هول وبشاعة ما يجري في العراق في قسمه العربي من فظائع ومجازر وقتل على الهوية في مشاهد يومية وحشية وكئيبة تفوح منها روائح الموت والدم والبارود وكم هي لافتة وبليغة الدلالة في هذا الصدد لعبة تقاسم الأدوار بين طهران ودمشق فبينما تتكفل طهران بدعم وتمويل المليشيات وفرق الموت الشيعية كجيش المهدي وجماعة جند السماء تتكفل دمشق في المقلب الآخر بدعم وتمويل وإسناد المليشيات والجماعات السنية البعثية والتكفيرية كالقاعدة وأخواتها هذا في العراق أما في لبنان فان التحرك الانقلابي لحسن نصرالله وميشال عون أوصل البلاد إلى شفير حرب أهلية جديدة لا يتواني حزب الله وهو الأداة الضاربة للسياسة الإيرانية – السورية في لبنان عن الدفع باتجاهها بكل السبل والوسائل وفي فلسطين يمكن القول أن الحرب الأهلية غدت واقعا شاخصا تزداد ملامحه تبلورا يوما بعد يوم .
وفي ظل كل هذه الأجواء المشحونة والملغومة تدخل تركيا على الخط لتهدد وتتوعد باجتياح كردستان العراق فهل أن تركيا أيضا دخلت طرفا وشريكا ولو من وراء الكواليس في المخطط الإيراني – السوري لتوتير المنطقة وتفجيرها بغية الحفاظ على المنظومة الإقليمية القائمة رغم تفسخها واهترائها ومنعا لأي تحولات ديموقراطية ايجابية في الإقليم الشرق أوسطي نحو اعتماد وتبني قيم الحرية والتعددية وحقوق الإنسان والجماعات القومية والدينية الأقل عددا وحق الشعوب في تقرير مصيرها ولإبقاء شعوب المنطقة ومجتمعاتها أسيرة في يد الأنظمة التسلطية الاستبدادية التي تتوخى الدين ستارا تارة ( إيران الخمينية ) والقومية ستارا تارة أخرى ( تركيا الكمالية وسورية البعثية ) والأنكى أن ثمة تقليعة جديدة قوامها الجمع بين العباءتين الدينية والقومية ففي إيران نشهد تصعيدا لافتا للنزعة القومية الفارسية تغذيه حكومة نجاد على وقع الموضوع النووي أما في تركيا فثمة تصعيدا للنزعة الدينية تغذيه حكومة أردوغان ذات الهوى الإسلامي الموارب على وقع تعثر انضمام تركيا “المسلمة” إلى أوروبا “المسيحية” وفي سورية أيضا ثمة تصعيد للنزعة الدينية تغذيه حكومة البعث على وقع “الهجمة الغربية – الصليبية” التي تستهدف الأمة العربية الإسلامية وليس الأمة العربية الواحدة كما جرت العادة في الرطانة البعثية فهل يعقل أن تركيا تجهل انعكاسات وتداعيات هكذا تحول استراتيجي خطير في طبيعة دورها وموقعها المتراجعين أصلا بعد الحرب الباردة وخصوصا بعد حرب تحرير العراق إذ لا ريب أنها ستكون تداعيات كارثية على وزنها الإقليمي ومكانتها الدولية وعلى مستقبل علاقاتها مع الأسرة الدولية وخصوصا الاتحاد الأوروبي فضلا عن أن الغوص في الرمال العراقية المتحركة هو أكبر خطأ قد تقدم عليه أي دولة إقليمية فتركيا عندما تلوح بالتدخل في كركوك فأنها تمنح العراق وخصوصا أكراد العراق الحق في التدخل في ديار بكر عاصمة كردستان تركيا وإذا كان ثمة ربع مليون تركماني تدعو تركيا إلى حمايتهم وتأمين حقوقهم المؤمنة أصلا في كردستان العراق فان ثمة ما يقارب الخمسة وعشرين مليون كردي محرومين من أبسط حقوقهم الإنسانية ناهيك عن حقوقهم الوطنية والقومية ولا شك أن تركيا تدرك عواقب هكذا تدخل والذي إن حصل فلن يكون أبدا نزهة عابرة .
والواضح أن كل هذه التهديدات التركية بالويل والثبور وعظائم الأمور هي محض مزايدات للاستهلاك المحلي ومجرد بروباغندا انتخابية قبيل الانتخابات المرتقبة هذا العام فالعراق دولة مستقلة ذات سيادة والقوات المتعددة الجنسيات وفي مقدمها القوات الأميركية المتواجدة هناك بموجب قرارات الشرعية الدولية ملزمة بالحفاظ على سلامة العراق وأمنه ووحدة أراضيه ضد أي تدخل أو تربص من دول الجوار الإقليمي بما فيها تركيا وقد كان السيد جوزيف رالستون ممثل الرئيس الأميركي جورج بوش لشؤون الأكراد في تركيا واضحا عندما اجتمع مؤخرا مع الرئيس مسعود البارزاني حيث أكد على أن مشكلة كركوك شأن عراقي داخلي تحل وفق الدستور العراقي مشددا على ضرورة اعتماد الحوار والحلول السياسية لإنهاء الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني وهذا ما شددت عليه تصريحات كبار المسؤولين الأميركيين في البيت الأبيض والخارجية وصولا إلى السفير الأميركي في أنقرة ما يعني أن تركيا لا شك قد فهمت فحوى هذه الرسائل والمواقف الأميركية المصاغة بلغة ديبلوماسية واضحة والتي تبلغها عبدالله غول رسميا خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن وعلى لسان وزيرة الخارجية الأميركية السيدة كوندوليزا رايس والتي مفادها أن أي انتهاك تركي لسيادة العراق هو بمثابة عمل حربي وعدواني ليس ضد العراق فحسب وإنما ضد قوات التحالف المتعددة الجنسيات في العراق أيضا وهذه الأخيرة لن تقف حتما مكتوفة الأيدي وهي التي تكابد الأمرين لإحلال الأمن والاستقرار في العراق الجديد فكيف لها أن تسمح لتركيا بتوتير الأجواء المستقرة في إقليم كردستان العراق والذي يمثل النقطة المضيئة الوحيدة في ظلام الحرب الأهلية الطائفية المستعرة في باقي أنحاء العراق والتي تذكيها أساسا إيران وسورية .
أما التحجج التركي بتواجد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في كردستان العراق فهي حجة متهافتة ذلك أن قواعد الحزب تقع في مناطق جبلية نائية في المثاث الحدودي بين تركيا وإيران والعراق والمقرات والقواعد الأساسية والرئيسية لقوات الحزب تقع في كردستان تركيا وجبالها الشاسعة وكما أكد الرئيس البارزاني غير مرة فان قضية حزب العمال الكردستاني والأكراد عامة في نركيا هي قضية سياسية تحل سياسيا وليس عسكريا وواقع الحال أن تركيا نفسها تدرك أكثر من غيرها استحالة الحل العسكري وعقمه في التعاطي مع القضية الكردية من خلال صراعها المسلح مع حزب العمال على مدى العقدين المنصرمين فالحل سياسي حصرا وتعريفا عبر الإقرار بالشعب الكردي وحقوقه المشروعة والتفاوض تاليا مع الحركة التحررية الكردية وفي مقدمها حزب العمال الكردستاني الذي يمثل شاءت أنقرة أم أبت الحركة الأكبر في الساحة الكردية في تركيا وهذه حقيقة موضوعية لا تخطئها عين ولا تلغيها الادعاءات والاتهامات التركية للحزب بانه عبارة عن مجموعة عصابات إرهابية صغيرة .
والحال أن على تركيا أن تحسب حساباتها الكردية جيدا فالوضع في مجمل المنطقة حساس ومتفجر وأدنى خطأ في التقدير ستكون عواقبه وخيمة على تركيا بالدرجة الأساس إذ ولى الزمن الذي كان الأكراد فيه هم وحدهم الخاسر الأوحد والضحية الأكبر عبر سحقهم وقتلهم وابادتهم على يد الدول المقتسمة لكردستان وتبقى هذه الدول في منأى عن المحاسبة والمساءلة وعن تداعيات نبش “عش الدبابير” الكردي أن أي توجه تركي نحو التدخل العسكري المباشر في العراق وتحديدا في كردستان سيقابله رد عراقي وكردي أشد وأعنف وحسبنا الإشارة هنا إلى ما يتمتع به أكراد العراق من عمق استراتيجي في كردستان المركزية ( كردستان تركيا ) التي يقارب تعداد سكانها خمسة وعشرين مليونا وتبلغ مساحتها قرابة الثلاثمائة ألف كيلو متر مربع إذ لن يتردد حينها الأكراد في العراق عن دعم وإسناد ثوار حزب العمال الكردستاني المنتشرين بالآلاف في منطقة المثلث الحدودي التركي – الإيراني – العراقي فالحريق إذا ما اشتعل هذه المرة لن يقتصر على كردستان بل سينتشر في هشيم الدول المقتسمة لكردستان وعلى رأسها تركيا وإيران وسورية أيضا .
فالمنطقة تمر في مخاض عسير وفي مرحلة تبلور وقائع وحقائق جديدة على الأرض قد تطال حتى خرائط بعض بلدانها والقضية الكردية تقع بطبيعة الحال في قلب هذه المعادلة الإقليمية – الدولية والشرق الأوسط الآن يختزل بلا مبالغة العالم بأسره وما يجري من ترتيبات وتغييرات وصياغات استراتيجية جديدة بهدف إصلاح وتحديث البنى السياسية والاجتماعية والثقافية المعطوبة في الشرق الأوسط الذي قد تقتضي عملية إعادة إنتاجه كمنطقة طبيعية مسالمة ومستقرة ومتناغمة مع سياقات التطور الديموقراطي والحضاري والمدنية والتعايش والتفاعل الايجابي مع العالم قد تقتضي تغييرا في خارطته الجيوبوليتيكية حتى وما يرسم ويعتمد من استراتيجيات دفاعية دولية لمواحهة القوى المتطرفة الساعية إلى وأد وعرقلة بوادر وإمكانيات أي تحول ديموقراطي في المنطقة والساعية إلى إبقاء شعوبها في حالة المراوحة في الزمان الاستبدادي كشعوب مسلوبة الإرادة مغيبة تائهة ومخيرة بين خيارين كارثيين : جحيم الأنظمة القمعية الاستبدادية أو نار الفوضى والحروب الأهلية المتناسلة وهنا تكمن الأهمية الاستراتيجية القصوى للمنطقة في حفظ الأمن والاستقرار الدوليين عبر دحر المشروع التوتاليتاري بشقيه القومجي والاسلاموي وها هنا تكمن أيضا محورية القضية الكردية ومركزيتها فالأكراد هم وبامتياز أكبر ضحايا النظام الإقليمي والواقع الجيوبولتيكي الشرق أوسطي القائم منذ سايكس – بيكو وهم المستفيد الأكبر من نجاح مشروع الإصلاح والتحول الديموقراطي الشامل في المنطقة خاصة وأن الأكراد مقسمون بين أربع دول مركزية في الشرق الأوسط ( تركيا وإيران والعراق وسورية ) وليس سرا أن هذه الدول المصابة بنزعة الانتفاخ الإمبراطوري لدى كل منها مشاريعها وأحلامها وأطماعها التوسعية لا بل أن بعضها تحتل بالفعل أجزاء من دول مجاورة ( تركيا في شمال قبرص وإيران في الجزر الإماراتية الثلاث وسورية في لبنان والعراق البعثي البائد في الكويت ) .
والحال أن هذه الدول الأربع لا تتوانى عن إثارة القلاقل والمشاكل بغية عرقلة وإجهاض عملية التحول الديموقراطي في العراق والتي هي بالتأكيد المحك لمدى قابلية المنطقة بأسرها لهكذا تحول باهظ ومكلف لكنه ملح وضروري لانتشال المنطقة وشعوبها من دوامات الاستبداد والتخلف والحروب الأهلية والطائفية المقيتة التي ستأكل الأخضر واليابس ولن يكون أحد بمنأى عن شرورها وشظاياها المدمرة فالمنطقة التي عاشت طويلا في سباتها السلطوي الطويل ها هي على وشك الانفجار دفعة واحدة بكل احتقاناتها ومشكلاتها وأزماتها التي تختلط فيها الأبعاد والخلفيات والسياقات على نحو مركب ومعقد وهذا ما يتمظهر في اللوحة القاتمة السواد التي تظهر بها هذه المنطقة التعيسة من العالم وعليه فالشعب الكردي يشكل لاعبا بارزا وحليفا استراتيجيا هاما للأسرة الدولية في سعيها الدؤوب إلى دمقرطة المنطقة أو أقله وضعها على سكة الإصلاح والتحديث والتقدم بما يقود إلى ترسيخ القيم والمفاهيم والممارسات الديموقراطية وبما يقطع مع ثقافة العنف والاستبداد والتسلط المترسخة والمتغلغلة وللأسف في أعماق البنية القاعدية التحتية وفي صميم المنظومة القيمية والمفاهيمية لهذه المجتمعات المأزومة .
فهل ستتغلب لغة العقل في تركيا ويتم استيعاب كل هذه الحقائق المذكورة أعلاه ما يؤدي إلى اعتماد منهجية ديموقراطية سلمية وعقلانية تتعاطى بحكمة وحنكة سياسية مع الواقع الجدبد في العراق ومد جسور التعاون سياسيا واقتصاديا وثقافيا مع إقليم كردستان العراق الذي يشهد نشاطا محموما وتدفقا هائلا للرساميل والشركات وحتى العمالة التركية فحجم الاستثمارات التركية في الإقليم تصل إلى مليار دولار واستنادا إلى تنمية وتوسيع شبكة المصالح والمنافع الاقتصادية المتبادلة يمكن تطوير حالة متقدمة من التفاهم والتناغم على أسس التعاون والاحترام المتبادل وصولا إلى بلورة حل ديموقراطي سلمي وعادل للقضية الكردية في تركيا لطالما أبدى أكراد العراق استعدادهم للمساعدة في إنضاج هذا الحل الذي سيسهم في تعزيز مكانة تركيا ويزيدها قوة ومنعة وتماسكا داخليا وخارجيا ويفتح الآفاق واسعة أمامها لترسيخ قيم الحق والمواطنة والشراكة والتنوع أما المضي في اعتماد الحلول العسكرية الفاشلة والمجربة مرارا وتكرارا دون جدوى فلن يقود إلا إلى حشر تركيا والدول الأخرى المقتسمة لكردستان أكثر فأكثر في الزاوية فالقضية الكردية بما هي قضية ديموقراطية عادلة هي ورقة رابحة في الاستراتيجية الدولية ضد قوى الظلام والتخلف والتسلط وهي عامل أساسي لدفع هذه الدول إلى تغيير سلوكياتها العنفية التوسعية نحو الخارج والدمجية القسرية والقمعية نحو الداخل وبخاصة نحو الشعب الكردي ولدفعها إلى تبني خيارات ديموقراطية حضارية تكاملية وتفاعلية مع العالم وليست تصادمية أي أن القضية الكردية تسهم والحال هذه في تقليم أظافر هذه الدول الفاشلة لكن الخطرة والمشاكسة ووضعها في حجمها الطبيعي الواقعي وليس الخيالي المتضخم الذي تتوهمه الآيديولوجيات الكمالية والخمينية والبعثية الحاكمة في هذه الدول .