اسماعيل عمر كما فهمته، أو الطريقة الإسماعيلية لحل القضية الكردية

خالص مسور

سأتناول هنا باختصار شديد وبشيء من الدرس والتحليل سياسة رئيس حزب الوحدة (يكيتي) الراحل اسماعيل عمر بغض النظر عن صحة هذه السياسة من عدمها، وسأتناول منهجه السياسي والذي بدأ في التبلورفي المدة الأخيرة وقبيل رحيله المبكر، وسأحلل ما سمعته منه ورأيته واستنتجته بكل حيادية ونزاهة رغم احتكاكي القليل معه.

كل هذه الإستنتاجات تبلورت لدي من خلال تصاريحه السياسية الذاتية، وما سمعته من الجهات الكردية وغير الكردية، مسيسين ومستقلين من خلال كلماتهم التي ألقيت في خيمة عزائه، ومن سمو أخلاقه وعلاقاته الحميمة مع كل مكونات الشعب السوري…الخ.
فبعد سنوات طويلة من الخبرة والمران في الشؤون السياسة على الساحتين الكردية والعربية في سورية، أي بعد العمل الطويل في الأحزاب الكردية والعمل مع المنظمات العربية – ورغم مآخذ البعض عليه بأنه أصبح أداة طيعة لدى تنظيم كردي سوري آخر- بعد هذا كله يمكن القول بأن رئيس حزب (يكيتي) الراحل اسماعيل عمر، قد تمكن من اكتساب ومراكمة خبرة سياسية كبيرة في الشأن السياسي الكردي والسوري وحتى العالمي، قادته خبرته تلك إلى رسم سياسة ممنهجة واضحة في نشاطه الحزبي، كان يرى فيها السبيل الأنسب لتحقيق المطاليب الكردية في سورية، وليس سراً أن الأحزاب الكردية لازالت تتخبط في التعامل مع الحكومة السورية حول الحقوق الكردية في سورية، فبعضهم يقترح الحقوق الثقافية والإدارية، وآخرون الحكم الذاتي، وليخط بدوره الراحل السيد اسماعيل عمر لنفسه وحزبه مساراً منهجياً  – بغض النظر عن صحته أو خطأه – ما يمكن تعريفه بـ(النزعة السورية)، ضمن حالة سياسة مميزة وواضحة لديه هو، والغامضة بعض الشيء لدى كثير ممن هم خارج حزبه حيث لم يصرح بكل مضامينه في العلن، وضمن هذه المعالم كان يرى أن كل السوريين يعيشون في دولة واحدة بكل مكوناتهم وأطيافهم، من العرب والكراد الذين يشكلون القومية الثانية في سورية بعد العرب، ثم الآثوريون الذين يختلطون مع الكرد والعرب في الجزيرة السورة بشكل خاص، ويضمون مختلف المكونات المسيحية من سريان وآشوريين وكلدان…الخ.

ثم الأرمن والذين لهم وضع خاص كمواطنين سوريين أيضاً.
ومن خلال ذلك كان الراحل اسماعيل عمر قد وضع نصب عينيه السير نحو معالم هذه الإستيراتيجية السياسية الأثيرة لديه، والتي كان يرى أنها ستؤدي – وفي حال تطبيقها – إلى حل القضية الكردية مع قضايا المكونات الاخرى في سورية بأريحية تامة، مع المحافظة في نفس الوقت على سورية واحدة وموحدة ويمكن تلخيص هذه السياسة بما يلي:
1 – القضية الكردية سيتم حلها في دمشق وليس في مكان آخر، ولهذا كان اسماعيل عمر يحاول خلق حالة انعطاف في الخطاب السياسي الكردي واستخدام مفردات حزبية جديدة تتسم بالعقلانية والمنطق حسب رأيه، فكان يرى أن السوريين يمكنهم حل مشاكلهم بأنفسهم بعيداً عن العنجهية والشوفينية أو التدخلات الخارجية، وأنه يمكن انبناء أواصر وعرى أخوة وثيقة للشعوب السورية في ظل حكومة ديموقراطية تأخذ بعين الإعتبار هذا الفسيفساء الجميل الذي لامثيل له في مكان آخر غيره، أو أن يصار إلى حل هذه القضايا بنوع من الوفاق الداخلي مع حكومة سورية تتفهم وضعها الداخلي بدون عصبية وتشنج، واعتماداً على هذا كان يود التفاوض مع الحكومة الحالية بشأن القضية الكردية ومشاكل المكونات الأخرى في سورية، وأعتقد أن تصريحه الأخير مع (قدس برس) حول معاملة الحكومة السورية للأكراد حينما سأله الصحفي: ما معناه هل صحيحاً مايروج عن ضغط الحكومة السورية عليكم أنتم الكرد فقال بدون تردد: (إن هذا الشيء مبالغ فيه).

وهذا الكلام سواء نقله الصحفي بأمانة أو بغيرها، فقد جاء ضمن إطار هذا المسار الخطي المتوازن الذي رسمه ضمن الرؤيا الكاريزمية لسياسات حزبه الخارجية، وباعتقادي ورغم ما قد يعكس هذا الأمر سلباً على حالة الخطاب الكردي في سورية، فإن رئيس حزب يكيتي قال هذا الرد المباشر كنوع من عدم التصعيد ورسالة واضحة إلى الحكومة السورية بأن الكرد مستعدون لحل مشاكلهم معها بشكل سلس ومباشر.

ولكن حينما واجهه بعض رفاقه بما قاله أنكر هذا القول جملة وتفصيلاً …من يدري؟، مما يدل على أنه لم يفصح عن كل مايدور في رأسه لرفاقه بعد وأن خارطة الطريق التي رسمها لاتزال تتطلب بعض التمهيد والوقت.


2 – على الأحزاب الكردية ألا ترتبط مع الخارج الكردي: أي كان يرفض وصاية الأحزاب الكردية في الجهات الأخرى من كردستان على سياسة حزبه رغم موقفه الودي أو غير العدائي منها، وكان يريد المعاملة بالمثل والمحافظة على خصوصية حزبه وسياسته التي تلائم الوضع الكردي السوري، وكان يرى أن الحزب المرتبط بالخارج الكردي سوف لن يكون قراره مستقلاً دوماً، وسيخلق حالة من عدم الوحدة والإستقرار، وستنشأ علاقات سياسية قد تتناقض مع الشأن التنظيمي والسياسي الكردي في سورية.

ولذلك وحين رحيله لم نشاهد بعض الفضائيات الكردية تنعيه بما يستحقه الرجل ولو من باب المجاملة أوتخفيفاً لغصة الموت الأليمة.


3 – كلنا شركاء في هذا الوطن: وقد سمعته يردد هذه المقولة مرات عديدة، أي ما كان يقصده بقوله هذا هو، أن سورية وطن الجميع، و الجميع فيه يجب أن يكونوا متساوين في الحقوق والواجبات، ولافرق بين مكون وآخر إلا بمقدار ما يقدمه المكون لهذا الوطن، وليس هناك ابن جارية وابن ست والكل متساوون أمام القانون، يحق لأحدهم ما يحق للآخر، في وطن ينعم بحرية الأحزاب والتعبير عن الرأي ورؤية الآخر المختلف دون التفريق بين مكون وآخر، وحسم الأمور الإدارية بدءاً من مجلس الشعب إلى الإدارات المحلية عن طريق الديموقراطية وصناديق الإنتخاب.


4 – كما كان اسماعيل عمر يرى أن للكرد السوريين خصوصيتهم المستقلة، وأنه لايمكن الآن إطلاق شعار كردستان سورية، أوربط الحالة الكردية السورية بالأجزاء الأخرى من كردستان، بل أن كل جزء سوف يحل مشكلته مع حكومته بدون تدخلات خارجية سواء من الأحزاب الكردية أو غيرها، وكان يرى في وحدة الكرد السوريين في مرجعية واحدة سوف تزيدهم قوة ومنعة وثقلاً تفاوضياً مع الحكومة السورية، بالإضافة إلى أنها ستجمع شمل الكرد وتقيهم من التذرر والفرقة والتشتت، بينما يرى آخرون غيره أن الأمل معقود على المجلس السياسي الذي يضم حالياً ربما تسعة أحزاب سياسية كردية.

هذا باختصار إستنتناجاتي الشخصية عن السياسة التي انتهجها الراحل اسماعيل عمر وحزبه (يكيتي).

ولا ندري من الآن فصاعداً وبعد رحيل المغفور له، كيف ستسير الأمور سياسياً وتنظيمياً..؟ ولكني أتوقع إنتقالاً هادئاً للمنصب، وإستمرارية على النهج الذي خطه الراحل بل ربما تطويراً مقبلاً له أيضاً.

      

……………………………………

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…