تركيا بعد 11 سنة على أسر أوجلان

هوشنك أوسي *

«الخائن» الذي قضى من عقوبة السجن المؤبَّد بحقِّه، 11 سنة، دخلت حادثة اختطافه من العاصمة الكينيَّة نيروبي، من قبل الموساد الإسرائيلي، وتسليمه إلى تركيا، عامها الثاني عشر.

هذا الرجل، خان طقوس الدولة التركيَّة، وإرثها الدموي الثقيل في سحق الشعوب والدول، ابتداء من سحق الصفويين، وحُكم العرب أربعمئة سنة، وسحق تمردات شعوب البلقان، والوصول لحدود فيينّا، وإبادة الأرمن، وسحق الثورات والتمردَّات التركيَّة، الواحدة تلو الأخرى.

إذ لم تقف أيَّة دولة أو جهة أو شخص في وجه تركيا، مثلما قارعها أوجلان، على مقاعد الدراسة في جامعة أنقرة في مطلع السبعينات، وبعد هروبه من تركيا في تموز (يوليو) 1979، إلى سورية فلبنان، ولغاية يوم اختطافه من نيروبي، وأسره في سجن انفرادي بجزيرة إمرالي في بحر مرمرة، وحتّى هذه الأيّام.

هذا الرجل، «خان» طقوس الزعامة التقليديَّة الكرديَّة أيضاً، إذ لم يستند لا على إرث عائلي أو قبلي أو أيّة دوغما دينيَّة ومذهبيَّة، في بناء كاريزماه كزعيم لحزب وثورة وشعب.

وبعد دخول حادثة اختطافه عامها الثاني عشر، آن لتركيا أن تجري جردة حساب لنفسها.

وآن للعمال الكردستاني أيضاً أن يجري جردة حساب لنفسه.
حتى قبل 1999، كانت تركيا لا تزال تنكر وجود الأكراد ووجود قضيّة كرديّة فيها، وتنكر على الاكراد حقوقهم.

وترفض التحاور من أيَّة جهة، لها أيَّة علاقة مع حركة أوجلان.

وبعد مضي 11 سنة على مؤامرة اختطاف وأسر أوجلان، تركيا تعترف بوجود الشعب الكردي، حتَّى ولو لم يكن ضمن الدستور.

وتعترف بوجود قضيّة كرديّة.

وأنّ هذه القضيّة، هي قضيّة الديموقراطيَّة والخلاص والتلاحم الوطني.
كل هذه التراجعات والتنازلات، اجبرت تركيا عليها، واليوم يوجد في البرلمان التركي 20 برلمانياً كردياً، بينهم 8 نساء.

ويرأس أكراد 100 بلديَّة جنوب شرقي تركيا، بينهم 14 امرأة.

ويوجد أكثر من 10 آلاف مقاتل كردي، نسبة النساء تزيد على 30 في المئة فيهم.


تركيا، وبعد مرور 11 سنة على اختطاف وأسر أوجلان، في حاجة الى وقفة حقيقيّة وجادّة وجريئة وتاريخيَّة مع الذات، ومراجعتها ونقدها، وتصويبها وتصحيح وتنقيح أخطائها وخطاياها، وكفاها شرُّ التحايل على الذات، لئلا تغرق في دماء أبنائها، وتصبح ضحيَّة أوهام وخرفات وثن الدولة – الأمَّة.


فالدول اليوم تتشكل وفق عقد اجتماعي جديد ينظم علاقة الناس بالمكان وبمصالحها ويعيد تنظيم المجتمعات والأفراد وفق هذه القاعدة.

أي التشكّل وفق الأمكنة والأعمال والمصالح والمهن، وليس القوميات والعشائر.

فتلك مرحلة وتجربة بشرية سابقة يجب تعديها، لأنها ربما كانت تناسب حالة من الإنتاج والإدارة والطبقية كانت سائدة ولم تعد اليوم موجودة.


صحيح أن أوجلان معتقل ولكنه ليس ضعيفاً كما يبدو.

ولعله اليوم أقوى من أيام المقاومة والعمل السري.

فقد أتاح له السجن تطوير أفكاره ومطالبه وتحدي الجمهورية القومية فعلياً والعلمانية شكلاً، ولعله في حالة تشبه مانديلا في أوائل التسعينات عندما استطاع من سجنه تقويض العنصرية القومية والعرقية وبناء دولة على أسس جديدة».
* كاتب كردي سوري

عن جريدة الحياة

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نظام مير محمدي* لم تکن ممارسة عملية الحکم من قبل النظام الإيراني سهلة وهينة لأنه ومنذ البداية واجه رفضا داخليا قويا مثلما کانت هناك عزلة دولية تفاقمت عاما بعد عام، وحاول النظام جاهدا مواجهة الحالتين وحتى التعايش معهما ولاسيما وهو من النوع الذي لا يمکن له التخلي عن نهجه لأن في ذلك زواله، ولهذا السبب فقد مارس اسلوب الهروب…

نارين عمر ألا يحقّ لنا أن نطالب قيادات وأولي أمر جميع أحزاب الحركة الكردية في غربي كردستان، وقوى ومنظّمات المجتمع المدني والحركات الثّقافية والأدبية الكردية بتعريف شعوب وأنظمة الدول المقتسمة لكردستان والرّأي العام الاقليمي والعالمي بحقيقة وجود شعبنا في غربي كردستان على أنّ بعضنا قد قدم من شمالي كردستاننا إلى غربها؟ حيث كانت كردستان موحدة بشمالها وغربها، ونتيجة بطش…

إبراهيم اليوسف منذ اللحظة الأولى لتشكل ما سُمِّي بـ”السلطة البديلة” في دمشق، لم يكن الأمر سوى إعادة إنتاج لسلطة استبدادية بشكل جديد، تلبس ثياب الثورة، وتتحدث باسم المقهورين، بينما تعمل على تكريس منظومة قهر جديدة، لا تختلف عن سابقتها إلا في الرموز والخطاب، أما الجوهر فكان هو نفسه: السيطرة، تهميش الإنسان، وتكريس العصبية. لقد بدأت تلك السلطة المزيفة ـ منذ…

شادي حاجي سوريا لا تبنى بالخوف والعنف والتهديد ولا بالقهر، بل بالشراكة الحقيقية والعدالة التي تحفظ لكل مكون حقوقه وخصوصيته القومية والدينية والطائفية دون استثناء. سوريا بحاجة اليوم إلى حوارات ومفاوضات مفتوحة وصريحة بين جميع مكوناتها وإلى مؤتمر وطني حقيقي وشامل . وفي ظل الأحداث المؤسفة التي تمر بها سوريا والهستيريا الطائفية التي أشعلت لدى المتطرفين بارتكابها الجرائم الخطيرة التي…