الحكم الذاتي وسجال المتخندقين

حسين عيسو

سأل أحد الأخوة العرب ذات مرة : ماذا تعني الديمقراطية ففسر له ذلك وأعجب بها , لكنه استدرك سائلا ومن يطالب بها قيل له الأكراد , فردَّ قائلا : ” شينة أي سيئة مادامت مطروحة من كردي” , ذكرت هذه النكتة ليس لإضحاك الناس ولكن للتذكير بالهوة التي بدأت تتسع في الفترة الأخيرة بين الكردي والعربي في بلدنا هذا وعصرنا هذا.

منذ أيام والسجال والتساؤلات دائرة بين طرفين “للأسف متخندقين” لم يقرأ أحدهما للآخر سوى العناوين وللأسف أقول أن أغلب الردود جاءت على ما في تلك العناوين , لا النصوص , ولأبدأ اليوم بمقالتين للصديقين العزيزين (فيصل الظفيري “عربي” ووليد عبد القادر”كردي”) واللذين أعرفهما من خلال النشر أو الرسائل الموجهة اليَّ من كليهما , راجيا من القرّاء الكرام المقارنة بين رسالة الظفيري المعنونة باسمي , ورد الأخ وليد عليها لمعرفة كم ابتعدنا نحن وشركائنا في هذا الوطن عن بعضنا
بداية أقول للأخ الظفيري : كنت أعتقد أننا تجاوزنا مرحلة اتهام المختلف بأشنع التهم , خاصة وأنها تأتي من أحد المنادين بالوطنية , بعيدا عن الشوفينية التي عانينا جميعا ولعقود من كوارثها التي أوصلتنا الى ما نحن فيه اليوم , فكلنا وكما يذكر الأخ الظفيري نشترك في شرب نفس الماء الملوث , فاذا كنا شركاء في المعاناة , يبقى السؤال لماذا هذا العنوان الاستفزازي , ولماذا تنسى كل ما نعانيه معا في لحظة , وتعود مرة أخرى الى نغمة الاتهام وتشبيه الكرد باسرائيل , ألم تصبح هذه النغمة ممجوجة خاصة وأنك أحد أبناء الجزيرة السورية , وتعلم جيدا أن الكردي كان من أشد المدافعين عن الأرض السورية بل من أوائل من حارب المحتل الفرنسي والأمثلة على ذلك كثيرة بدءا من “ثورة ابراهيم هنانو في جبل الزاوية , والمريدين في عفرين الى معركة بياندور في الجزيرة السورية” ألا يشهد ذلك على أن الكرد ليسوا أقل وطنية من غيرهم , أما العلاقة أو القرابة بإسرائيل , كنت أعتقد أنك تعرف أيضا أن من بنوا العلاقات معها أولا كانوا قادة العرب وليس الكرد , واذا كنت لم تعرف بعد فأخبرك بأن تركيا استنجدت باسرائيل لاعتقال الزعيم عبدالله أوجلان حين عجزت هي عن ذلك , واسرائيل هي التي لاحقته واعتقلته وسلمته الى تركيا وهذه المعلومات موثقة , ثم هل تعلم أنني حمدت الله كثيرا حين رفضت تركيا السماح للأمريكان بغزو العراق عبر أراضيها  “خشية اتهام الكرد” , ومع أنها دخلت من الجنوب عبر بلدان عربية ومطارات عربية وكانت كردستان العراق آخر منطقة وصل اليها الأميريكان ومع ذلك اتهم الكرد , هل تعلم لماذا ؟ , يبدو لأنهم الحلقة الأضعف في المنطقة … ياصديقي تأكد أن الكرد هم أكثر من عانوا من غدر الأميركان وهذا معروف لدى الانسان الكردي منذ عام 75 والى 91 وفي 2003 لم تغزو أمريكا العراق الا لخدمة مصالحها وهذا يعرفه كل كردي.

وكذلك أنت , فلماذا هذا التجني , أما التهمة الأخرى عن الغثيان الكردي من ذكر كلمة الأمة العربية “لست أدري من الذي أوحى لكم بذلك” ولكني أستطيع القول لك عد الى التاريخ العربي وأرجو وأنت المثقف أن تعود اليه لتخبرني عن مرة واحدة كان الكردي فيها خصما للعربي خلال أربعة عشر قرنا من الزمان , لا بل كان الى جانبه في الشدائد دائما , وحتى لم يتميز عنهم حين كان العرب أمة “تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر…..وتؤمن بقوله تعالى : وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا” أي تحترموا الآخر وحقوقه , أعني قبل وصول أفكار ساطع الحصري وميشيل عفلق ونشر فكرة الأمة التي تحاول اذلال الآخر الأضعف والغاءه وتجريده من كافة حقوقه الانسانية, حتى ولو كان صديقا لهم عبر التاريخ , أرجو أن تقرأ تاريخ هاتين الشخصيتين لتعلم أن أفكارهما العنصرية الاستعلائية كانت السبب في تدمير بلدين كان المفروض أنهما من أفضل بلدان الشرق الأوسط تاريخا وحضارة وغنى , ولتعلم أن فكر التفوق العرقي الذي جلبه ساطع الحصري الطوراني “وقيل أنه من يهود الدونمة” من أسياده في الاتحاد والترقي , ذلك الفكر الذي كان يحتقر العرب أيضا كما الكرد وغيرهم أيام حكم الاتحاد والترقي في تركيا العثمانية , ثم انقلب بعد هزيمة الاتحاديين في الحرب العالمية الأولى لينضم الى الملك فيصل ويعيد نشر نظرياته مترجمة الى اللغة العربية التي لم يتقنها حتى مماته , فقط استبدل لفظ الطورانية التركية بالعروبة في التفوق العرقي وألغى ما فيها من تشنيع بحق العرب,عد الى تاريخ كل من الحصري وعفلق لتكتشف كم من المأسي تسببا فيها للعرب قبل الشعوب التي عاشت الى جانبهم .
أعود الى ما جاء في نص المقالة وأقول باني فهمتها عكس الأخ وليد عبد القادر , فحين يقول الظفيري : “هؤلاء القادمين من كوكب آخر وعالم آخر عالم الغلو والتطرف واللاواقعية واللادراية والمعادين أصلا لعيش الإنسان مع أخيه الإنسان ، ضمن حدود دولة الحق والقانون والعيش المشترك لكل فئات هذا النسيج الرائع من مكونات هذا الشعب، والذي يعيش على ارض هي بالحق أقول ليست لي وليست لك بل هي للأجيال القادمة من أبنائنا أمانة ورثناها من أجدادنا لنورثها كاملة غير ناقصة لأحفادنا” هل القصد هنا أن الكرد قادمون من كوكب آخر كما فهمها الأخ وليد , ألم يظهر واضحا أنه يقصد عالم التطرف من الطرفين وليس الكرد لأن رسالته موجهة لي أنا ويعنينا أنا وهو أي الكرد والعرب , بينما فهمها الأخ وليد معكوسة فكان رده : “جعلتني أزج غوغل فرحا لأبحث عن كويكبي الذي قدمت منه وحاولت الاتصال مع مخرج الفيلم الخيالي آفتار عساه سرق طريقة انسياحنا لنرتطم ومن ثم ندخل ـ متطفلين ـ ضمن ـ معادلة الوجود على الأرض السورية” يبدو ومع كل التقدير للأخ وليد أن العنوان استفزه فأوقعه في هذا الخطأ الفظيع , خاصة وأنه ككاتب معروف بموضوعيته , كان الأحرى به أن يقرأ رسالة الأخ ظفيري بتمعن أكثر ويرد عليها بموضوعية لتفنيد ادعاءاته , يتابع الأخ الظفيري : “أتساءل ومن خلال مشاركتي لكثير من أهلنا وإخواننا من الكرد آراءهم وخبزهم المحترق ومائهم الملوث (الفرن الآلي ومحطة تصفية المياه لا تفرق بين مواطن كردي او أثوري أو عربي) عن ماهية هذه الدعوات الباطنية والمعلنة حول الانفصال والقومية الثانية والمكون الاثني الثاني على الخارطة السورية…….

اذاً هناك ثاني وثالث ورابع وخامس ، فهي درجات ومحاصصة ؟! وكيف لهؤلاء(المتثاقفين) قبول الدرجة الثانية بكل ما تعني من سيطرة الدرجة الأولى (أصولا) وضمن معيار الاحتكام الى قانون الغالبية او الأكثرية وسيطرة الغالب على مقدرات الحكم ” هنا أفهم من مقال الظفيري أنه يؤمن بالتعددية وليس القومية الأولى ثم الثانية التي يراها مثل الدرجة الأولى ثم الثانية والتي يتوقع ألا يقبلها الكردي على نفسه لأنها تحط من مكانته بينما رد الأخ وليد : من يتدستر بالحقوق السماوية المقدسة ويعرب الأرض والسماء !! من يلغي الآخر ـ الآن ـ وفي سياق نصك لا أكثر !! وفعلا لقد ـ طوبتها !! فهي أرضك ومن لا يعجبه فليرحل ـ يا لثقافة المواطنة والمساواة ـ وتدعي بالمواطنة !!! حقا !! ..

لقد مارستموها ـ الهجرة القسرية للكرد ـ تجويعا واستنزافا ……حينما تقر بندية الكرد ومساواته لك في الحقوق والواجبات لحظتها صديقي العزيز قد تستطيع ان تلق المحاورة العقلانية …..

ان سياسة التخوين والمزاودة على الكرد في الجانب الوطني السوري هي لعبة قذرة …..

وثق تماما ان الدم الكردي سيكون سباقا للتضحية في سبيل صيانة واستقلال سورية وعمرها الحركة الوطنية الكردية ما استقوت بالآخرين رغم حجم الجراحات والنزف القديم والمستمر ولعلها ثوراتوانتفاضات مرحلة الانتداب الفرنسي ..وكذلك الحروب الحديثة ـ أم لعله اولئكم الشهداء الكرد قد سقطوا سهوا” , هنا يخاطب وليد فيصلا لا كانسان يعاني مثلنا من الماء الملوث والحياة البائسة وانما كأنه حاكم سوريا وهو السبب في كل المآسي التي نعاني منها جميعا ولا يلتفت الى استشهاده بمقولة الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي : ليست هناك هوية خالصة، الهوية الصافية ليست أكثر من فكرة فاشية ، تدفع الى مجموعة من الانزلاقات كالعنف والتعصب وإلغاء الآخر) فما رأيك يا صديقي ……؟ هل نقوم بالغاء أنفسنا كي نحقق(للآخر) تدميرنا ؟؟!!, ألا يعني هذا انه ضد العنصرية والشوفينية , ثم ألا يعني كل ذلك أننا ومن خلال الخنادق لا نستطيع التفاهم بهذا الشكل من توجيه الاتهامات والاتهامات المضادة , مع أننا جميعا ندعو الى الوطنية ودولة الحق والقانون التي ليست عرقية أو قومية بل هي دولة الكل الاجتماعي , فمقالة الأخ الظفيري فيها من الاستفزاز والتوتير الكثير , وكذلك رد الأخ وليد عبد القادر , ومع أنهما يتكلمان عن نفس المعاناة , لكن كلا منهما يعتبر الآخر السبب في تلك المعاناة , والمصيبة تكمن في عدم انتباه أحدهما الى أنهما يشتركان في شرب الماء الملوث والاضطهاد الذي يلحق الجميع اليوم , لماذا لم يقرأ الأخ وليد ما ذكره الأخ الظفيري عن قانون الطوارئ ومجردي الجنسية والعاطلين عن العمل والمهجرين وغيرها من المصائب التي نعاني منها جميعا كردا وعربا وآثوريين , دون أن نفعل شيئا لرفعها عن كاهل أبناء محافظتنا خاصة , وهل سنبقى نرفع هذه الشعارات فقط كنوع من رفع العتب , وهل نستطيع أن نعمل معا لرفع هذا الغبن اذا لم نستطع سماع بعضنا , ولماذا لم ينتبه الطرفان الى أنهما يتجادلان حول موضوع “الحكم الذاتي” هذا المصطلح الذي يؤدي دائما الى توتير الشريك العربي الذي ينظر اليه كنوع من الانفصال مع أنه مطبق عندنا في محافظة الحسكة من خلال الادارة المحلية والتي تطبق بشكل ممسوخ ولكنها نوع من الادارة الذاتية للمحافظة , وهنا أود أن أضيف الى ما ذكره الأخ الظفيري وأقول هل يعرف أي من الأحزاب السورية : كردية كانت أم عربية أو وطنية عدد المجردين من الجنسية التي هي اليوم من أقسى وأفظع المشاكل الانسانية ونقطة سوداء في تاريخنا الحاضر , هل تطوعت مجموعة ما لعمل جردة لأعداد هؤلاء والغبن الذي لحق بهم جراء الممارسات اللاانسانية والمعاناة اليومية التي يعيشونها , هل حاول أحدهم دراسة أسباب نزيف الهجرة الداخلية والخارجية والعمل على وقفها , تساؤل أود طرحه كسوري كردي من خلال هذه المقالة على المثقفين والسياسيين الكرد السوريين الحريصين فعلا على مصلحة شعبنا الكردي في سوريا وبعيدا عن الشعارات الشعبوية التي أصبحت ممجوجة لدى القاصي والداني وبمنأى عن المصالح الحزبوية الضيقة  , أقول هل انتبهتم الى ما هو أهم بكثير اذا كنتم تفكرون بمصلحة شعبكم فعلا , هل تعلمون أن محافظة الحسكة بدأت تفرغ من سكانها وأن عدد المهاجرين والمهجرين الى الداخل السوري والخارج من الكرد فقط قد تعدى المليون انسان تقريبا , واذا استمر الحال على هذه الوتيرة والتي يبدو أنها في تصاعد خاصة بعد تطبيق المرسوم 49 فلن تكون هنالك حاجة الى حكم ذاتي في الجزيرة التي تكون قد أفرغت من سكانها الكرد بعد عشرين عاما , هل فكر أحد بما سيكون عليه شكل الغد , صحيح أننا لم نستفد من عبر التاريخ لأننا لم نقرأه , فقط سمعناه من المغنين الذين يشيدون ببطولات لم نجن من وراءها سوى الكوارث , فهل عندنا الإمكانية اليوم لفهم الواقع لننطلق منه الى المستقبل بموضوعية , سؤال أرجو الإجابة عليه بعد قراءة ما أعنيه جيدا .
الحسكة في 25 – 02 – 2010
Hussein.isso@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…