حول المؤتمر السادس لحزبنا

  افتتاحية نشرة يكيتي *

يبدو أن ثقافة الاختلاف والتعدد لم تجد طريقها بعد إلى عقول الكثيرين من مثقفينا وساستنا الكرد, فبمجرد انتهاء أعمال المؤتمر السادس لحزبنا, وانتشار الأنباء حول مناقشاته ومواضيعه الخلافية – مع ضرورة الشفافية – حتى بدأت الصفحات الانترنيتية المفتوحة على كل شيء دون أية معايير أو ضوابط لتحري المصداقية والصلاحية,  فيما إذا كانت الموضوعات المنشورة تفيد أي طرح معرفي أو أية قضية سياسية, أو فيما إذا كان النص يشكل إسهاماً ما في أي حوار مفتوح.

فقد وردت الكتابات في مجملها – إلا من عصمته نفسه عن الابتذال – على شكل قراءات سطحية, وتكهنات وافتراءات حول درجة الشرخ الموجود داخل الحزب, وإمكانية تعرضه لتشظي وانشقاق داخلي, وكأني بالبعض يتمنى ويعمل على ذلك, ويتحين الفرصة ليعمل على تحقيقه
 ولما خاب ظنهم بدؤوا بكيل الاتهامات والافتراءات على قيادة الحزب ورموزه, متناسين أن الحزب كان قد تجاوز منذ انطلاقته الثانية حدود ثقافتهم المتكلسة تلك, مرتقياً بمفاهيمه المؤسساتية عندما استطاع أن ينقل ساحة المنافسة الداخلية من سوية الصراع على المراكز القيادية, كما هي حال الحركة الكردية عبر تاريخها, إلى مستوى الصراع حول الخطاب والبرنامج السياسي وشعارات المرحلة والتصورات المختلفة حول الممارسة السياسية والسلوك العملي, عبر إجراءات تنظيمية واعية.

لقد تجاوز الحزب المستوى الكلاسيكي للصراع, عندما عمل وبوعي عميق على ترسيخ معادلة الاصطفاف على أساس الموقف السياسي في الشارع الكردي, بدل الانتماء الحزبي أو أي انتماء آخر ما عدا الانتماء للقضية والمصلحة العليا للشعب الكردي.

الحقيقة هي أن حزباً جماهيرياً واسع الانتشار في كل مناطق التواجد الكردي, في الداخل والخارج ويمتلك عدداً كبيراً من الكوادر المثقفة النشيطة, ويرتكز في علاقاته الداخلية على أكثر المفاهيم الديمقراطية حداثة, يفسح المجال واسعاً أمام أعضائه للدفاع عن آرائهم ومواقفهم وتصوراتهم, لدرجة الإقرار بحق كل عضو في إشهار آرائه وقناعاته داخل الحزب كتابةً وشفاهاً.

لابد أن تتشكل داخل هكذا حزب قناعات ومفاهيم وآراء متعددة ومختلفة, وفي بعض الأحيان متباينة ومتناقضة, ولكن عبر آليات الحوار الديمقراطي والإيمان مبادئ الاختلاف على أساس الوحدة, ولما كان الحزب يرتكز في وجوده على الوعي العميق بقدسية الإنسان, والإيمان بأن الحرية هي جوهر هذه الإنسانية, فإن تمكين كل فريق من الدفاع عن رؤيته حتى آخر حجة هي جوهر المنظومة الأخلاقية لحزب يكيتي, وأن التعدد والاختلاف والتنوع هي تمظهرات طبيعية وحقيقية لهذه المنظومة, بما تحقق من غنى في الآراء وتشكل أرضاً خصبةً لرؤى إبداعية تسهم في تقدم وارتقاء العقل السياسي الكردي.
لقد اكتسب الحزب مراناً وخبرات وقدرات كبيرة في تحويل الاختلاف والتعدد إلى عزيمة ووحدة في النضال, تعجز عن إدراكه العقول الكلاسيكية المتخشبة أو المتحجرة, فما تناولته الألسنة والأقلام من اختلافات في وجهات النظر داخل يكيتي ليس أمراً طارئاً أو جديداً, بل هو جزء من مشروعه النهضوي الذي يستهدف إلى تعميق ثقافة التعدد لدى الشعب الكردي والسوري عامةً, وهو يرتقي بوسائله التنظيمية باستمرار ليكون بمستوى مقولة ’’ الوحدة مع الاختلاف ’’.
ثم إننا نرى بأنه من حق كل كردي أن يدلو بدلوه ويناقش ما يشاء من مواضيع تتعلق بالحزب وسياسته, وما يصدرعن محافله العامة ومؤتمراته, فلا ندعي بأن الحزب ملك فقط لأعضائه, فهو أسس ليكون في خدمة الشعب الكردي وقضيته القومية في سوريا, فهو ملك للجميع, ولكن علينا أن نميز بين من يفعل ذلك عن وعي وإدراك مدفوعاً بكرديته ونقاء سريرته, ومن يفعل ذلك بدوافع غير نبيلة وكيدية, من دون وعي بكرديته.
إننا نعلن بأن حزبنا سيبقى مصراً على المضي قدماً على طريق النضال والتقدم والحرية رغم الصعاب والتحديات, ورغم ما يحاك ضده من مؤامرات وما يضع في مسيرته من متاريس, وسيثبت الأيام ذلك للجميع, وإننا سنعمل على ترسيخ وتجذير ثقافة الاختلاف والتعدد ما أمكن, باعتبارها إحدى أهم ضرورات الحياة المعاصرة, رغم المتشبثين بنظام الحزب الواحد والزعيم الواحد والفكر الواحد, لأن حزبنا ليس مشروعاً سياسياً نضالياً.

* نشرة شهرية تصدرها اللجنة المركزية لحزب يكيتي الكردي في سوريا – العدد المزدوج 175-176 ت2 ك1 2009 م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نحن أبناء قبائل الملية وحرصا منا على وحدة الصف وتمسكا بقيم وتضحيات أجدادنا التاريخية التي دأبت على توحيد الكرد، فإننا ندين ونستنكر بشدة زج اسم عشيرة الملية في البيان الصادر والمعنون ب بيان الكتل السياسية والعشائرية والمدنية الكردية برفض وثيقة مؤتمر القامشلي والذي نشر بتاريخ ٢٨-٠٤-۲۰۲٥- والذي يرفض وثيقة مؤتمر وحدة الموقف والصف الكردي المنعقد في قامشلو بتاريخ ٢٦ نیسان…

بيمان حسين ما حدث في 8 ديسمبر من عام 2024، على قدر جماله وروعته، كان شيئا غير متوقع على الإطلاق. فحلم الانعتاق والتحرر من نير النظام القمعي كان حلما تطلب تحقيقه مهرا غاليا من التضحيات اللامتناهية. في أعرافنا وثقافاتنا، نربط الأشياء غير المفهومة بالقدرة الإلهية، ولكن في هذا الموضوع بالتحديد، هناك رغبات وقدرات أخرى غير إلهية كان لها التأثير الأكبر…

المهندسِ باسل قس نصر الله في زمنٍ مضى، كانتْ سوريّٞةَ تصنعُ رجالاً لا تصنعُهمُ ٱلظروفُ، بلْ يصنعونَ ٱلظروفَ ذاتَها. فارسُ ٱلخوريِّ كانَ واحداً منْ هؤلاءِ: معلماً، ومشرِّعاً، ورجلَ دولةٍ يعرفُ أنَّ الوطنَ ليسَ شعاراً يُرفعُ عندَ ٱلحاجةِ، بلْ عقدَ شرفٍ يُمارسُ كلَّ يومٍ. فارسُ ٱلخوريِّ لمْ يُعرفْ بطائفتِه ولا بمذهبِه، بلْ بسوريّتِه المطلقةِ. وقفَ في وجهِ الانتدابِ الفرنسيِّ،…

جلسة حوارية منظمة من قبل منصة ديفاكتو الحوارية حول مفهوم الإعلان الدستوري في سوريا في فندق الشيراتون . حاضر فيها الاستاذ أحمد سليمان نائب سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا والأستاذ معن الطلاع مدير قسم البحوث العلمية في مركز عمران للدراسات و بتيسير من الأستاذ خورشيد دلي بمشاركة عدد من المثقفين و المهتمين بالشأن السياسي السوري. تمحورت الجلسة حول…