أين نحن من التأسيس لمشروع وطني ديمقراطي؟

معروف للجميع الوضع المزري الذي تعيشه الحركة الكردية بشكل خاص والحركة الوطنية والديمقراطية في البلاد بشكل عام.

فعلى المستوى الكردي توالت الانقسامات الواحدة تلوه الأخرى مما أنهكت الحركة وشلت من دورها وقدرتها على تحمل المهام الجسام الملقاة على عاتقها، صحيح أن تلك الانقسامات تلازمت باصطفافات من نوع آخر، إلا أنها في كل الأحوال كانت مشوهة سواء على مستوى التشكيلات التنظيمية التي تمخضت عن تلك الحالة أو على مستوى الأطر التي تشكلت ولم تكن سوى ملاذاً أو قفزاً فوق الأزمة وهروباً من استحقاقات المرحلة والواقع الراهن
 حيث أنها في مجملها لم تبنى على قاعدة المقاربات الفكرية والسياسية التي كان من الممكن أن تمنحها الديمومة والاستمرارية بدليل أن جملة المحاولات التي بذلت وبالرغم من أنها وصلت إلى مرحلة متقدمة إلا أنها باءت بالفشل ابتداءً من الحوار بين الأطر الثلاث من أجل مرجعية كردية ومروراً بالتنسيق الثنائي بين الجبهة الكردية والتحالف الكردي وانتهاءً بالتحالف كإطار كان من المفروض أن يكون أكثر تماسكاً، يظهر أنه كان مقدراً له أن يؤول إلى ما آل إليه.

ومع أن أصوات الرفض للحالة المزرية القائمة تأتي من كل حدب وصوب، وعلى المستويين السياسي والشعبي ومن قبل أوساط المثقفين والكتاب الكرد بشكل أقوى وأشد، إلا أننا نعتقد أن الرؤية لا زالت مبهمة، ولا زالت أصوات الرفض على الغالب تدور في فلك دائرة الرفض السلبي وتتجنب ملامسة الواقع كما هو وليس كما يراد له أن يكون.
فالكردايتي لا شك في أنه يشكل هدفاً عاماً وغاية عظمى، إلا أن الواقع يؤكد على أنه ليس لوناً واحداً مما يستوجب فهمه بتنوعه وتلويناته المختلفة، ومن هنا ينبع واقعية بروز أكثر من تيار سياسي في صفوف الحركة حيث أن ما يجري على أرض الواقع يؤكد ذلك ولا ينفي أبداً ائتلاف مجمل هذه التيارات في إطار سياسي شامل.
إن التراكم الهائل للأخطاء والممارسات الخاطئة يضع الحركة وجهود كل الخيرين في موقع العجز عن حلها دفعة واحدة وإن أية محاولة من هذا القبيل لن تتعدى حدود القفز فوق الواقع أو بمعنى آخر هروباً إلى الأمام وبالتالي تكريساً لواقع أنهك كاهل شعبنا وحركتنا السياسية وكذلك ترحيلاً للأزمة باتجاه الشارع والجماهير وتوسيع دائرة الأزمة وتعميقها.
إن الأزمة السياسية التي تعانيها الحركة منذ عقود من الزمن واستفحالها في العقد الأخير نظراً للتفاعلات القائمة إقليمياً ووطنياً تضعها وجهاً لوجه أمام مسؤولياتها وضرورة تحمل هذه المسؤوليات والتعامل بشفافية تامة سواء على مستوى الاعتراف بما آل إليه الوضع من جراء الممارسات والسلوكيات اللاديمقراطية والنابعة في أغلب حالاتها من نزعات ونزوات فردية من قبل البعض بهدف التحويش على الكل الممتنع لأسباب واعتبارات تعود في أساسها إلى التركيبة الاجتماعية للمجتمع الكردي وإفرازاته السياسية أو على مستوى التصدي للمهام وضرورة تمرحل المهام والذي يبدأ الخطوة الأولى منه الاعتراف بأن الأزمة هي أزمة الحركة وأنها هي التي تسببت في تأزيم الوضع وأنها تتحمل المسؤولية الكاملة عن ذلك وإن كانت المسألة نسبية بين طرف وآخر.
ومع أن بناء إطار سياسي للحركة الكردية يطرح نفسه بقوة ويفرض نفسه يوماً بعد يوم، ومع أن الحوارات قائمة وقد لا تكون مكتملة إلا أنها تشكل الخطوة الأنجع في اتجاه حل الأزمة نظراً لعمق الأزمة وشموليتها.

فالفراغ السياسي إن صح التعبير أفرز حالة من اليأس والإحباط على المستوى الشعبي والجماهيري وشكل فجوة كبيرة بل عميقة بين الجماهير من جانب وحركته الوطنية من جانب آخر والذي لن يلتئم إلا من خلال إشراك ممثلي مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية في المجتمع الكردي كخطوة تالية على طريق بناء هيئة تمثيلية للشعب الكردي تتمتع بالقوة والمنعة تؤهلها القيام بمهامها القومية وأن تلعب الدور المطلوب على مستوى الدائرة الأوسع وطنياً حيث أن الوضع ليس بأفضل حال وأن المهام المطروحة أمام الحركة ضمن هذا المستوى تتشعب إلى:
1-بناء أوسع العلاقات مع الحركة الوطنية والديمقراطية في البلاد وبناء ما أمكن من الأطر على قاعدة التوافق السياسي.
2-تحديد المحاور الأساسية لنضال الحركة الوطنية على قاعدة تشخيص الحالة السائدة وعلى كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وفي المقدمة منها مسألة الديمقراطية والحريات.
لا شك في أن الحركة قد قطعت شوطاً لا بأس فيه في هذا المجال حيث تمخضت حواراتها عن لجنة تنسيق بين أطراف عربية وكردية تحولت بعد ما يزيد عن عام من عمرها إلى إطار أكثر فاعلية وتماسكاً، إلا أن العلاقات اللاديمقراطية ونزعة التملك والاستئثار بالقرار السياسي دفعت البعض باتجاه إفشال هذا المشروع الذي كان من الممكن أن يشكل النواة لمشروع وطني ديمقراطي شامل يستقطب الطيف الوطني الديمقراطي ويحقق الالتفاف الجماهيري انطلاقاً من الضرورات التي يمليها الواقع الموضوعي للشعب السوري عموماً وللشعب الكردي بشكل خاص لأن تحقيق التلاحم النضالي بات بالأمر الحتمي، ولا مناص منه بل هو الخيار الوحيد باتجاه تناول مجمل القضايا بيد الحل والمعالجة وفي مقدمتها القضية الكردية.
وإن أي شرخ في العلاقات الوطنية أيّ كانت الأسباب والمبررات تدفع باتجاه العزلة والتقوقع فالكل المتنوع أو المختلف بتعبير آخر والمبني على قاعدة التوافق في اتخاذ القرار والموضوعية في ملامسة وتناول القضايا المطروحة على أسس برامجية واضحة وشفافة تشكل القاعدة الأمتن لبناء مشروع وطني ديمقراطي، مشروع يحدد بدقة الاتجاهات والمحاور الأساسية لنضال الحركة الوطنية والديمقراطية في البلاد.
– محور الديمقراطية والحريات:
معروف للجميع أن البلد محكوم بإرادة الحزب الواحد المشرعن دستورياً بموجب المادة الثامنة من الدستور الذي يعتبر حزب البعث قائداً للدولة والمجتمع، وبموجبه فكل ما هو خارج إرادة حزب البعث وسياساته يعتبر من الممنوعات بل جناية يحاسب عليها القانون حتى الموالاة لن تكون خارج دائرة المحاسبة في حال تجاوزت الخطوط الحمر، ناهيك عن المعارضة الوطنية التي كانت وما زالت تدفع ضريبة تلك السياسات، إضافة إلى قوانين وتشريعات تحرم جميع أشكال التحرك الشعبي والجماهيري (قانون الطوارئ – الأحكام العرفية – المحاكم الاستثنائية) فسياسات التنكر والتهميش وزج المئات من نشطاء الحركة الوطنية والديمقراطية في السجون والمعتقلات بات بالأمر المألوف.
في ظل ظروف كهذه، تتصدر مسألة الديمقراطية والحريات مقدمة المهام المطروحة أمام الحركة، مما يستوجب النضال الدؤوب والمستمر من أجل إلغاء كافة القوانين والإجراءات والتدابير الاستثنائية التي تحد من حرية المواطن وتعرقل التطور الحضاري العام وإصدار قوانين وتشريعات تقونن الحياة السياسية في البلاد (قانون للأحزاب – قانون للمطبوعات – إضافة إلى إلغاء المادة الثامنة من الدستور وإقرار مبدأ التداول السلمي للسلطة).
– محور الدفاع عن لقمة عيش الشعب:
في ظل الأوضاع الاقتصادية المزرية والتراكم الهائل من السياسات الاقتصادية الخاطئة التي تسببت في إفقار الشعب حيث بات قطاع واسع من أبناء الشعب تحت خط الفقر ويعاني من الجوع والمرض والتشرد، وتسببت في هجرة الآلاف من الأسر باتجاه المدن الكبيرة والاستقرار في هوامش تلك المدن في ظل أوضاع إنسانية سيئة للغاية إضافة إلى الهجرة الخارجية.
ومن هنا ينبع ضرورة الدفاع عن لقمة عيش الشعب لتأمين لقمة عيش كريمة تحميهم من الفاقة والجوع وتأمين حياة كريمة لائقة بإنسانية الإنسان من خلال قطع دابر الفساد واستئصاله من جذوره وتأمين مشاريع تنموية اقتصادية واجتماعية وتوزيعها بشكل عادل دون تمييز بين منطقة وأخرى.


-حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية:
ليس بخافٍ على أحد ما يعانيه الشعب الكردي في سوريا في ظل الأوضاع الاستثنائية منذ ما يقارب أربع عقود من الزمن، فإضافة إلى ما يتعرض له من سياسات تنكر لوجوده، طبقت بحقه العديد من المشاريع والمخططات الشوفينية والعنصرية تستهدف هذا الوجود وفي مقدمتها الإحصاء الشوفيني والجائر لعام 1962 والحزام العربي العنصري وسياسات التعريب والتمييز المتبعة وزج المئات من المواطنين الكرد في السجون والمعتقلات، فالقبضة الأمنية تشتد يوماً بعد يوم مما يفرض حالة من الخناق والعزلة ويتسبب بدوره في خلق حالة من عدم الاستقرار وإضعاف اللحمة الوطنية بل ضربها.


إن المقدمة الأولى لحماية الوطن وتعزيز التلاحم بين..يتبع ص6 مواطنيه تكمن في الاعتراف بالموجود القومي الكردي كقومية ثانية في البلاد، قومية أصيلة تعيش على أرضها التاريخية وإزالة كافة المشاريع والمخططات الشوفينية المطبقة بحقه ونبذ سياسات التمييز المقيتة وتأمين حقوقه القومية والديمقراطية.
إن الخط النضالي للحركة الوطنية والديمقراطية بشقيها العربي والكردي وكافة مكونات المجتمع السوري وبمحاورها الثلاث بتفاعلها وتعاضدها تشكل القاعدة والأساس لبناء وطن ديمقراطي تعددي خالٍ من جميع أشكال القهر والظلم والاستعباد، وطن يصان فيه حقوق جميع مكونات المجتمع السوري.


عن جريدة طريق الشعب-الجريدة المركزية للحزب اليساري
الكردي في سوريا – العدد (334)

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…