ما مشكلة حزب العمال الكوردستاني

  فارس تمو

هل من الخطأ أن يؤمن المرء بضرورة استبدال لغة السلاح، والنضال الثوري بلغة الحوار، والحلول الديمقراطية، لاسيما أنها غدت ضرورة حتمية، تفرضها ضرورة التخلي عن العقلية الثورية القائمة على نظرية المؤامرة وتقسيم الأشخاص إلى الموالي والخائن، الوطني والعميل، والخروج من الزمن الماضي المبتور، للتمكن من تحقيق التفاعل، والتواصل، والتعايش مع سمات الزمن القادم، زمن إرساء دعائم الفكر الديمقراطي، وكسر جمود العقليات الضيقة القومية، الدينية، المذهبية واحترام حقوق الإنسان مهما كان جنسه ومعتقداته، والاعتراف بالأخر المختلف والمتمايز لوناً وفكراً.
هذا النهج الإنساني لم يعد يستوعب لغة السلاح والعنف، وعقلية القمع، والاستبداد، والقتل، وهدر الدم والعقل الإنساني في سجون ومعتقلات الرأي والضمير، هذه حقيقة لا مفر من إدراكها، مهما عملت الحكومات التي تتنوع قوميات شعوبها، على الإمعان في تجاهلها، كما تفعل الحكومة التركية والسورية والإيرانية، هذا التزام عصري، يفرضه التطور الفكري القائم.

والتحايل على هذا الالتزام العصري، من قبل الحكومة التركية، ليس إلا هدر المزيد من الوقت والمزيد من الدم، في الفترة الفاصلة بين ما هو سائد الآن بين الطرفين، الحكومة التركية وحزب العمال الكوردستاني من تجاهل حقيقة هذا الالتزام، واستحقاق المستقبل، ومرحلة الجلوس حول طاولة المفاوضات لوضع حد للفكر البالي، وتوجيه الشعب التركي متعدد القوميات نحو السكة الصحيحة على طريق المستقبل المنشود لتركيا.

كما ان هذا النهج المعاصر لا يشكل حالة من العداء الحزبي، كوردي- كوردي، كما يتصورها حزب العمال الكوردستاني، ويروج لها كحالة لمعاداة اهداف الحزب الثورية.

ويطلق احكام مسبقة على غيره بحيث تلائم طبيعة تربيته الثورية على أساس نظرية المؤامرة، فمن ليس اوجلاني (آبوجي) من الكورد فهو خائن للقضية الكوردية التي تم اختزالها لديهم في شخص زعيمهم عبد الله أوجلان.

كما ان اطلاق الاحكام وفق نظرية المؤامرة يشكل السبب الرئيسي في عدم تقبل الاخر المخالف له فكرياً  وعدم استيعاب معاني الدبلوماسية السياسية، التي تفرضها أسس مفهوم الدولة، وتعيق فكرهم من النظر ابعد من الحزبية الضيقة.

ما يبرر المخاوف التي تم إثارتها من قبل بعض الأوساط السياسية في حزب العمال الكوردستاني، بشان طبيعة زيارة مسعود البارزاني المقررة إلى تركيا بناء على الدعوة التي وجهت إليه باعتباره رئيسا للإقليم.

والتي جاءت في إطار المزيد من التحسن والتطور الإيجابي للعلاقات الدبلوماسية بين تركيا وإقليم كوردستان، وهي حصيلة تأكيد الإقليم على ضرورة بناء وتدعيم أفضل العلاقات مع دول الجوار، ومنها تركيا التي تعتبر جارة مهمة لإقليم كوردستان، وتربطها مع الإقليم مصالح دبلوماسية واقتصادية مشتركة في المنطقة.

كما أن الكورد يلعبون دورا حاسما في تشكيل الحكومات في العراق، وأنقرة تولي اهتماما بالغا بالانتخابات العراقية وتشكيل الحكومة المقبلة، بصفتها دولة جارة، ولها دور مؤثر في المنطقة.

 لذا فهذه المخاوف الحزبية الضيقة لا معنى لها، وكان بالأحرى توجيه مخاوف هذه الأوساط في حزب العمال الكوردستاني إلى بعض شخوصه القابعة في أنقرة واسطنبول، وتقوم ببيع الشعب والقضية الكوردية يومياً، صباح مساء.

 ولا داعي لكل هذا القلق، لا ن الرئيس مسعود البارزاني ينطلق في علاقاته الدبلوماسية لتحسين علاقات الإقليم مع دول الجوار من ثوابت سلمية قومية غير قابلة للتغير أو المساومة.

هذه الثوابت هي استحالة المساومة أو المفاوضة على الشعب الكوردي وقضيته العادلة في الأجزاء الكوردستانية الأخرى.

وضرورة حل القضية الكوردية في الأجزاء الكوردستانية الأخرى بطرق سلمية وفق ما تفرضه الحالة الديمقراطية من آليات للعمل السياسي، الحالة الديمقراطية التي تعتبر امر واقع، ومصير حتمي يواجه الانظمة الشمولية مهما حاولت الحيلولة دون مواجهتها.
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…