التقرير السياسي لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)

لقد أعتمد حزبنا النضال السلمي الديمقراطي سبيلاً للعمل الجماهيري بهدف الوصول إلى التغيير الجذري وإقامة دولة ديمقراطية برلمانية تعددية لامركزية تؤمن حقوق جميع مكونات الشعب السوري على اختلاف قومياته وأديانه وطوائفه، وإنهاء سلطة الاستبداد الشمولية المرتكزة على النظام الأمني المتغوّل.

فمنذ اندلاع الثورة السورية السلمية، وكرؤية موضوعية لمعالجة الأوضاع الناشئة والتحديات التي برزت على الساحة الوطنية، والتحاور بروح وطنية ومسؤولية عالية بعد توقيف أعمال العنف وعودة الجيش الى ثكناته والدبابات والمدافع الى مرابضها، وإطلاق سراح المعتقلين وغيرها من الخطوات الضرورية التي تسبق الحوار، لكنها للأسف، لم تلق آذاناً صاغية من النظام الذي اعتمد الخيارَ الأمني العسكري دون سواه بهدف تحريف سلمية الثورة وإنهاء الأزمة والاستمرار في اغتصاب السلطة وممارسة تفرده ودكتاتوريته السوداء،
وتجاهلاً من بعض أطراف وشخصيات المعارضة التي اعتقدت بأنها تستطيع الانتصار عسكرياً في وقت قصيرٍ على نظام يفتقر إلى حاضنة شعبية وأصبح خارج الشرعية الدولية والأخلاقية، غير مدركين بما خبّأته المصالح الدولية والإقليمية من خرابٍ ودمار لسوريا وأهلها.
يبدو من اللوحة السياسية وحسب قراءاتنا أن الوضع المأساوي في سوريا سوف يبقى بين شد وجذب مصالح القوى المتصارعة على مناطق النفوذ لفترة قد تطول، فبعد فشل المفاوضات في جنيف2، تبينَ للقاصي والداني بأن التفاهمات بين روسيا وأمريكا والدول الغربية  حول التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية ونقل السلطة إلى هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحية كانت هشة ولا تستند على أسس متينة، كما أن بروز الوضع الناشئ في أوكرانيا على تخوم الاتحاد الروسي مؤخراً وإقدامها على التدخل العسكري في شبه جزيرة القرم وضمها إلى أراضيها، وما تركت تلك العملية من آثار وتداعياتٍ سلبية على العلاقات الروسية الأمريكية والغربية، تلتها قراراتٌ تتضمنُ عقوباتٍ اقتصادية بحقها ناهيك عن تسميم الأجواء التي خلّفتْها،  قد زادت من تعقيد الأزمة السورية الملتهبة وإطالة أمَدها بعد تدخل ميليشيات حزب الله والقوى التكفيرية والظلامية، ومن المرجح أن تقومَ القوى الدولية ومن يسمون أنفسهم بأصدقاء الشعب السوري بتزويد المعارضة بالسلاح ليس من أجل انتصار المعارضة وإسقاط النظام، بل من أجل  الحفاظ على التوازن وعدم الإخلال بموازين القوى القائمة، وكذلك، فإن السلطة ومهما امتلكت من القوة، فإنها غير قادرة على إنهاء المعارضة وإخضاعها لسيطرتها بقوة السلاح، مما ينبئ باستمرار القتل ودوامة العنف في البلاد حتى انهاك الطرفين واقتناعهما بأنه في ظل موازين القوى الراهنة المرتبطة أساساً بالمصالح الدولية والإقليمية، ليس هناك غالبٌ ولا ومغلوب، واضطرارهما بالتالي إلى حوار جاد لإنهاء الأزمة ووقف نزيف الدم.
لهذا نرى أن الحل السياسي ما زال هو الخيارَ الوحيد والأنسب لحلِّ هذه المعضلة ووقف هذه التراجيدية (المأساة) وطي صفحة هذه الحرب العبثية التي أزهقت أرواح أكثر من مائة وخمسين ألف مواطن سوري ومئات الألوف من المعتقلين في سجون النظام الدكتاتوري وآلاف المفقودين، وهجّرت الملايين من أبنائها داخل حدود الوطن وخارجها ليعانوا مأساة حقيقية في ظل  التشرد والفقر والحاجة وفقدان الأمن والأمان، هذه الحرب التي امتدت بوادرُ لهيبِ نيرانها إلى الجوار الإقليمي في كل من لبنان والعراق والمرشحة إلى الخروج عن نطاق السيطرة والتحكم إذا بقي المجتمع الدولي مستمراً في صمته وتجاهله لها، عدا عما قد تسببها من مخاطر جادة على السلم والأمن العالميين. من هذا المنطلق ومن تسلسل قراءتنا للأحداث، فقد دعمَ حزبنا عبر المجلس الوطني الكردي عقد مؤتمر جنيف2 واعتبره خطوة في الاتجاه الصحيح لعلّ وعسى أن يتم ممارسة  الضغط على كل من النظام الذي يتحمّل المسؤولية لما آلتْ إليها الأوضاع في سوريا وكذلك المعارضة للتوصل إلى اتفاق من شأنه إيقاف العنف والمباشرة بتشكيل هيئة حكم انتقالية بناءاً على مقررات ومواثيق جنيف1 التي اعتُمِدتْ أساساً لجنيف2، وكان حضور وفدٍ من المجلس الوطني الكردي ضمن صفوف الائتلاف وقوى المعارضة السورية برؤية وورقة عمل موحدة بين المجلسين (الوطني الكردي والشعب لغرب كردستان) حسب اتفاقية هولير الأخيرة موقفاً صائباً، وإنَّ طرحَ القضية الكردية في محفل دولي رفيع الشأن من هذا القبيل، وتثبيتِ مطالبه العادلة وإدراجها في وثائقه، والتي تطالب بتأمين الحقوق القومية المشروعة لشعبنا الكردي في إطار وحدة البلاد وفقاً للعهود والمواثيق الدولية، وتكفل الحريات العامة والخاصة وحرية ممارسة الشعائر الدينية والمذهبية المختلفة، يعتبر مكسباً هاماً لقضية شعبنا العادلة.
ويبقى من الأهمية بمكان التأكيد على ضرورة وحدة وتلاقي كافة فصائل وأطر المعارضة الوطنية السورية على برنامج عمل مشترك يحقق رؤى توافقية لجميع القوى دون التفريط بأحد منها، والاستمرار بمطالبة المجتمع الدولي ومؤسساته بوضع حد نهائي لهذه الأزمة الإنسانية وممارسة الضغوط المختلفة على النظام من أجل الامتثال لقرارات جنيف1، والبدء بعملية تشكيل هيئة حكم انتقالية تتولى المرحلة التي تسبق إجراء انتخاباتٍ ديمقراطية وإرساء أسس الدولة المنشودة التي ضحى السوريون بأرواحهم من أجلها.
وفي الآونة الأخيرة تعرضت المناطق الكردية إلى حصار استثنائي من قبل العديد من المجاميع المسلحة وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابي، والهجوم على ريف كوباني وتل أبيض ورأس العين بأعداد كبيرة والقيام بتفجيراتٍ انتحارية إجرامية في بعض المدن الكردية مثل قاشلو وتربه سبي خلفت العشرات من الشهداء والجرحى، تستهدف في جوهرها إفراغ المناطق الكردية من سكانها الأصليين وتحقيق الحلم الذي طالما راودَ النظام الأمني المستبد منذ عقود وصرف الكثير من المال والوقت لتحقيقه، وصولاً إلى تغييرٍ ديموغرافي في هذه المناطق، والأمر الذي يدعو إلى التساؤل والأسف هو أن الائتلاف السوري المعارض لم يقم بأداء واجبه النضالي في التضامن مع شعبنا الكردي ولم يصدرْ سوى بيان واحد كان دون المستوى المطلوب بياناً يدين فيه هذه القوى الظلامية التي هاجمتْ شعبنا في عقر داره!.
بفعل حالة تدهور الوضع المعيشي للسكان إلى جانب التلويح المستمر بهجوم التنظيمات الإرهابية على المناطق الكردية، ازدادتْ وتيرة الهجرة من مناطقنا ووصلت إلى مستوياتٍ قياسية، تقف حيالها المنظمات الإنسانية موقفَ المتفرج ولا تقدِّمُ أية حلول لهذا النزف البشري الخطير. وفي كل الأحوال، تنبغي الإشادة بالشجاعة وروح المسؤولية التي أظهرها شعبنا الكردي في تصديه لهذه الهجمات الإرهابية التي استهدفت وجوده ووقوفه صفاً واحداً في وجه الخطر الإرهابي الداهم.
إضافة إلى ذلك ، فقد شهدت العلاقة بين المجلسين الوطني الكردي وشعب غرب كردستان توتراتٍ مؤسفة أدت في نهاية المطاف إلى توقفٍ شبه تام للعمل المشترك بينهما، على خلفية إقدام مجلس الشعب في غرب كردستان على إطلاق مشروع الإدارة الديمقراطية في المناطق الكردية دون العودة إلى المجلس الوطني الكردي الذي كان شريكاً له في مناقشات الكثير من بنوده، حيث اختلف المشروع المطروح عما تم مناقشته مع المجلس الوطني الكردي في الكثير من بنوده الجوهرية، خصوصاً في تقسيم المناطق الكردية إلى ثلاثة كانتونات منفصلة وتشكيل ثلاثة إدارات.
بكل الأحوال، نحن لا نرى أنفسنا معنيين بهذه الإدارات، فهي تخصُّ الأطرافَ التي أعلنته، لكن، ونظراً للظروف الاستثنائية التي يمرّ بها شعبنا وبلادنا سوريا ومقتضيات المصلحة الكردية العليا، فإننا ندعو إلى إعادة الحياة إلى العمل المشترك بين المجلسين وإحياء الهيئة الكردية العليا أو أي تمثيل آخر يجتمع كرد سوريا تحت رايتها بمختلف أحزابه ومؤسساته على قاعدة الاحترام المتبادل، ونبذ لغة العنف وسياسة التعالي والفوقية من جانب أية جهة بحق أخرى، وأن تكون لغة الحوار والتفاهم هي السائدة بين جميع الأطراف.
اللجنة السياسية
لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا(يكيتي)
 18/04/2014

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…