إبراهيم اليوسف
الثلاث” تجسيداً طبيعياً، لمعطيات الخط البياني لحالة التمايز الذي راح يجسده حزب
الاتحاد الديمقراطي” ب. ي . د” منذأولى صدمة لمتابع تحولات الحراك السلمي، خارج
سياق المألوف، ليوميات الثورة السلمية، على الصعيد السوري من جهة، والمشاركة
الكردية، ضمنها، من جهة أخرى، وحتى اللحظة، مروراً بمحطات مشاريع عديدة، دعت
إليها، منفردة. حيث يمكن العودة، ولمزيد من فهم ما يجري إلى حالة فضاء” جامع
قاسمو”، تحديداً، منذ أول حالة قمع للحراك الشبابي الكردي، من خلال فرض رفع مجرد
علم واحد، ومنع رفع علمي الثورة، وآلا رنكين، العلم الذي يحظى بمكانة مقدسة لدى
الكرد، عامة،
الشباب، قبل أن يتم اختراق “الثورة” من قبل جهات مغرضة، عديدة، لخدمة النظام
السوري، عبر ترويج شعارات أخرى، ذات خصوصية معينة، وإقحام حضور رمزي مختلف عن
الإطارالعام لمجريات الثورة، وخصوصية الحراك الكردي، الشريك في إشعال الثورة
السلمية، بعد ربطها برؤى الشباب الكردي التي راحت تتفاعل، لتتمخض عنها طروحات
كثيرة، ويمكن -الآن- وعلى سبيل المثال، تشخيص أحد أول أشكالها، ضمن مشهد الثورة
السورية، وهو أنموذج “اتحاد تنسيقيات شباب الكرد” الذي وضع تصوراً متطوراً للسؤال
الكردي، أثناء نضاله إلى جانب إحدى أولى التنسيقيات التي تشكلت في وقت مبكر،بعيد
الشرارة التي أشعلها البوعزيزي، وأعني” حركة شباب الانتفاضة”-نواة الاتحاد الأولى-
إضافة إلى مسميات كثيرة، داخل هذا الاتحاد، وخارجه، ممن لعبوا دوراً بارزاً في
المناطق الكردية، وفق جدول تاريخي، تدريجي، يمكن استحضاره، في المختبرالاستقرائي،
مادام أنه مدون، بأكثرمن وسيلة، وطريقة، وبات جميعهم يترقب بداية تحولات كبيرة، كل
من خلال وجهة نظره، وكان من جملة ذلك أن النظام المرتبك، المرتعب، بات يعمل وفق
آليات مبدأ التمظهر بالقوة، واستعراض العنف، وعدم الاعتراف بأسئلة اللحظة، في
محاولة منه لإبقاء الأمورعلى ماهي عليه، وهوما يفعله إلى الآن.
وغير بعيد عن
مكانية “جامع قاسمو”التي تم التركيزعليها، في أكثرمن مقال من قبلي، وسواي، بعد
قراءاتنا لمايجري، كماهو، وتلمسنا ظهورماهوغريب عما هو مألوف، ليس على مستويات خط
الثورة بل على مستويات خط مشاركة الشباب الكردي ورؤاهم، وطروحاتهم، ضمن الثورة-
وقد كان هذا الخط سلمياً في منطلقه السوري قبل أن تتغير وجهة بوصلته نتيجة محددات
المسارالاضطرارية نحو مبدأ “الدفاع عن الذات”، لتظل رؤية شبابنا على هذا النحو،حنى
اللحظة، وإن كنا سنجدأنه سيواجه بحالة العنف، من خلال الاعتداء على الشباب،
وترويعهم، وإبعادهم عن جامع قاسمو، بالتوازي مع ملاحقتهم والتضييق عليهم واعتقال
البارزين منهم من قبل النظام، ومن ثم الاصطدام برؤية الشهيد مشعل التمو في توجيه
شباب الحراك صوب مستديرة السبع بحرات لإزالة”تمثال الأسد”، حيث سيدفع حياته نتيجة
مواقفه عامة، ومثل هذه الخطوة، خاصة، على أيدي قتلته، الذين استشعروا خطورة أهمية
خطابه التحميسي، الذي يلهب صدورالشباب، ويستقطبهم، كي تتتالى الأحداث في
قامشلو-حيث استشهاد ثلاثة أخوة من آل بدروعلى نحواستفزازي- تم خلاله تكريس حالة
رعب فظيعة في المكان، لاسيما ماتلا تلك التهديدات التي باتت توجه إلى كل من يدين
الجريمة، باسم “أحد الشهداء”، وهوماتكرر، في أمكنة كثيرة”تل غزال””عفرين” على
إيقاع خطف الشباب الكردي، واعتقاله، وتشكيل الأساييش، ووحدات الحماية الشعبية،
ومنع ومواجهة تشكيل أية قوى عسكرية أخرى، واعتبار هذين التشكيلين الحاضنتين
العسكريتين الوحيدتين، بل تشكيل نوى إعلامية في الداخل والخارج لتشويه صورة كل صاحب
صوت مختلف، أوناقد، ولوعلى نحوموضوعي، لتبلغ ذروة هذه التجاوزات في مجزرة عامودا، و
لتكون هناك حالات اغتيال مجهولة، حتى الآن، كما حالة “أبو جاندي” و”جوان قطنة”
ونصرالدين برهك، وظهورإمكان قيام أجهزة النظام بالاغتيال في محاولة ضرب الكردبعضهم
ببعض، دون أن ننسى مخاضات تأسيس المجلسين، ومطالبة” ب. ي. د” بحصة أكثرمن حضورهم
التنظيمي، آنئذ، وهو ما سيصل في هولير إلى حده الأعظمي، حيث تكريس نصف مقاعد
الهيئة العليا -هل يتذكرها الآن أحد؟- بعد أن صارت في ذمة التاريخ، وكان ذلك نتيجة
طبيعية لما قام به الحزب التقليدي، سواء ذلك الذي يحظى بجماهيريته الكبيرة،
لاعتبارات متعددة، أولها رمزي تاريخي، أو ذلك الذي دأب على النضال الميداني، حيث
بات الطرفان يسعيان لجذب الحراك الشبابي، ومحاولة إعادته للحظيرة الحزبية، دون
تفهم نبضه، ماوصل إلى حد ابتلاعه، وإلغائه، وإنهاء ملامحه، وشخصيته، و قد جاء ذلك
بعد وصول بعض نافقي إعلان دمشق- وأنا هنا أمام حالات مشخصة بائسة تغولت خارج حدود
إمكاناتها، وقدراتها- إلى المجلس الوطني السوري، وهيمنتهم على دفة أولى واجهة
للثورة السورية، ليكونوا إلى جانب بعض غلاة ناكري الحق القومي الكردي أداة لتيئيس
الشباب الكردي*، رغم المحاولات اللافتة لبعضهم في الكتلة الكردية لتسجيل أكثرمن
إنجازعلى صعيد تثبيت السؤال الكردي، ليمر ذلك بأكثرمن محطة في مابعد، وسط تجاذبات
عديدة، وكان ابتعاد المجلس الوطني الكردي عن هذه الواجهة لاعتبارات تتعلق بطبيعة
موقفه من الثورة سبباً في إضعاف الكتلة الكردية في المجلس، تدريجياً، وانعدام
شخصيتها، وتهميشها، بعد ظهورعامل هيمنة مبدأ الأنانية في حدها ما بعد الأعظمي،
واستثمارذلك لاسيما من قبل القوى المشاركة، للتعامل الفردي مع هذه الكتلة، وهذا
موضوع مهم، لابدمن التوقف عنده، مطولاً أثناء تناول تجربة المجلس الوطني السوري،
الذي دخل غرفة العناية المشددة، بعدأن عاش حالة احتضارمزمنة، مع ولادة الائتلاف،
وكان الابتعاد الرسمي الكردي عن هاتين الحالتين ذا تأثيرات خطيرة، على صعيد حالة
المجلس، ووجهة الثورة، ومستقبلها، لاسيما أن هناك آلة إعلامية باتت تظهر لتشويه
أية مشاركة في واجهات الثورة، دون أن تكون طوع مشيئتها، وقد برزهنا كابح الأردغنة،
وغيره، من الاتهامات التي سرعان ماسقطت، بعدأن روج لها، مطولاً، وعلى نحو تضليلي،
مهول، في ما يخص التعميم على الجانب الكردي، عندما أصبحت “استنبول” مربط خيل أفراس
كثيرين من هؤلاء الذين تهجموا على المشاركة الكردية في “المجلس الاستنبولي”، وكان
هؤلاء يتجنون على نواة حالة، كان من المهم أن تنتش، لتكون دعماً، وسنداً للسؤال
الكردي، بيد أنها -وللأسف- باتت تتهاوى تدريجياً، بفعل عاملي الكبح الداخلي
والخارجي في آن، متوازياً بتأثيرات السموم التي راحت تضخها آلة النظام، ضد أعضاء
الكتلة التي لايمكن معرفة كيفية وصول بعضهم إليها، حتى الآن، بل
ليغدوالمجلس-فعلياً- ضمن سطوة تأثيرات أمات مراكزكبرى: استنبول-الدوحة،
وغيرهما”وهوما ظهرتدريجياً وعلى نحوأشد هولاً”، إلى درجة ظهورشخصيات معروفة
بهزالتها ولامبديئتها، وتسيدها المشهد السياسي، على نحو تهريجي، بعدأن غدت أمراً
واقعاً، مفروضاً، وفق ماهي عليه، لاما قدكانته، وتكونه، بل وليس وفق طبيعتها
المهلهلة، المهترئة.
قد يتساءل القارىء النبيه، قائلاً” ترى لماذا كل هذه
الاستطرادات، ونحن في مقام قراءة نقدية مطلوبة لماسمي ب”قانون الأحزاب ” والذي جاء
بعد ثلاث سنوات من الثورة السورية، بل وبعد حوالي سنتين ونصف من صدورنسخة النظام
لهذا القانون والتي صدرت في أغسطس 2011والتي لم يرد فيها أي اعتراف بالشعب الكردي،
وكانت بنوده مدونة على أساس منع وجود حزب رسمي كردي، تسمية، وواقعاً، كما
الحزب”الديني”، حتى على صعيد ذرائعية التحيط الجغرافي، الذي يشترط الحضورفي أكثرمن
محافظة.
وبعيداً عن المقارنة -هنا- بين القانونين، ولنسمهما بالرقمين “1”
و”2″، نجد أن القاسم الوحيد الذي يظهر بينهما، هو بروز نزوة سلب الآخر، وروح
الهيمنة، بل وإلغاء الآخر، إلى درجة التطابق، وهو السلوك ذاته الذي يمكن تلمسه من
خلال مثل هذا الاستقراء لجملة تجاوزات ب .ي. د، منذ أول ظهورلهم، بعد أشهر من عمر
الثورة، بحيث استطاعوا تشكيل حالة خاصة بهم، دون تحقيق المد الجماهيري، كردياً، حيث
ثمة فجوة كبيرة ظهرت، تترى، بين ما يسمى ب”سلطة الأمر الواقع” والحاضنة
الافتراضية، لاسيما ان الحزب الكردي بكل أخطائه، وتبعياته، وتشتته، وتمزقه،
وإربكاته، له بعده النضالي التاريخي الذي لايمكن أن يلغى، والذي لايمكن أن يكتسب
شرعيته، من خلال “خرم ” القانون المستحدث، لاسيما أنه لاذكر لكلمة “الكرد” فيه،
وهو إعلان عن فشل هذا المشروع، كما سواه، مادام مجرد طرف واحد قد دعا إلى فرضه،
مترافقاً بحضور قوته العسكرية، وسجونه، وإن كانت سمة الاعتراف بالشريك المكاني،
إحدى ميزاته التي تأتي تقويضاً لفكرة أي بعد كردستاني، رغم أنه -هنا-لابد من
التركيز على تاريخية وجغرافية كردستان التي يعد الجزء الملحق بسوريا داخلاً في
صميمهما.
يتبع…..