سريالية تفرض ذاتها، عند التمعن في التشرذمين الفكري والتنظيمي للحراكين الكرديين الثقافي والسياسي، وتتوضح بعض المفاهيم الغائبة حول تلك المدرسة عند التنقيب عن أسباب استمرارية الحراك الثقافي في حاضر غرب كردستان ضمن عتمة التشتت والضياع، وتكرارها لتجربة الأحزاب.
خلال العقود الأولى من مسيرة الحراك السياسي عمدت السلطة الشمولية على سيطرة مجموعة انتهازية أدت إلى عزل الشريحة الثقافية، ومن بقي في الحاضنة المنتمية حسبوا على هيكليتهم الفكرية والتنظيمية، فكان همهم رفع سوية الحزب والتحزب على حساب البعد الوطني والقومي، وكرد فعل لم يتوانى البعض من المثقفين اللامنتمين من توجيه نقدهم اللاذع، بل وكثيرا ما تعمقوا في بعديه، الإدانة أو الإشادة بأعمالهم المشوهة، لكن وللأسف الشريحة المثقفة لم تتمكن من إيصال هذه الانتقادات إلى سوية إنقاذ الحركتين من التبعية والأخطاء وتصويب المسار، ومن أحد أسبابها وفي معظم مراحله لم يتمكن المثقف من تجريد نقده من التأويلات الذاتية، بل البعض أنغمس في الانتماءات الشخصية وخاصة السياسية التنظيمية أو الفكرية.
رغم تفاقم هذه الأفة، وتزايد تغلغل السلطة الشمولية في ثناياه، بقي البعض من الكتاب يحومون في فلك الأحزاب كفرض عين، يخلقون لذاتهم هالة، من خلال لغة هجومية، كثيراً ما تكون انعكاسا لمتطلبات التكتيك الحزبي، فيعرضون أقلامهم لخدمتها ويطرحون مفاهيمها وكأنها مسلمات، لكنهم لم ينتبهوا ولا ينتبهون إلى مدى الشلل المبثوث في وعي المجتمع، بعضها من خلال ما نشر أو تنشر على أبعاد هذا التهجم، وتتفاقم الأوبئة الفكرية المتآذي منه الشعب والحراك السياسي منذ بداية انشقاقه وحتى اللحظة، وهؤلاء الكتاب هم أكثر من يتحملون مغبة هذا النهج الفكري، فهم كانوا ولازالوا يثيرونها ويطبلون لها، لأنهم يظنون بدونه لن يكون لهم حضور على الساحتين الثقافية والسياسية، فكانت مرارة التهجم بليغة والنقد المشوه للمثقف أو السياسي موجعاً.
على خلفية انتشار تلك البنية الثقافية، والتي غذتها السلطة الشمولية، تضاربت المفاهيم عند الجماهير، وظهرت الفوضى السياسية، التنظيمية والفكرية، التي تخوضها الحراكين الكرديين حاضراً، وعلى أثرها أنتعش البعض من الانتهازيين وتصدروا الصفوف، وهم يلقبون بالقادة الأن مجازاً، وبقدرة القوى المتسلطة يبدون كممثلين عن الشعب في المحافل السياسية وغيرها من الأماكن.
أنتعش بعض زعماء الأحزاب الكردية منتهزين الحاضر المتلاطم، وبمساعدة تلك الأقلام التي تغذي الظاهرة، وكدعم لها برزت التنظيمات المتنوعة ومؤسسات للمجتمع المدني غايتها الأخيرة خدمة هذه الطفرة، فحاموا ويحومون حول الشعب الكردي لتجمّعه حول هذه الشريحة السياسية، لتنتحل هموم الأمة والشعب وهي في داخلها لا تتعرف سوى على رغباتها وحضورها الذاتي، وتبعيتها للقوى الإقليمية لإنجاز أجنداتها، ولا يستبعد أن تكون هذه الخلفية مستسقاة من الثقافة السادية التي استقصتها هذه الشريحة من ممارسات السلطة الشمولية تجاه الشعب.
وعليه، كان لا بد من إعادة النظر إلى الكثير من المواضيع، كالتنظيمية والفكرية، الغارقة لشريحة من الكتاب والمثقفين المنتمين والأغلبية من الأحزاب السياسية، فكانت البادرة الثقافية التنظيمية بإنشاء رابطة الكتاب والصحفيين الكرد في سوريا قبل أكثر من عقد من الزمن وبجهود شخصية بعيدة عن أية انتماءات، وكان مشروعا مستقلاً عن السياسة، يهتم بالثقافة والأدب الكردي والكردستاني، ولأسباب ذاتية دخلت الرابطة حينها في حالة كمون مؤقت، ليعيد أحيائها مجموعة من المثقفين خارج الوطن، بينهم المؤسسون الأساسيون، اعتمدوا على شبكة النت في علاقاتهم ونشر مفاهيم وغايات الرابطة، وركز أعضاؤها على مبدأ فكري صعب في أبعاده، لكنهم اقتنعوا أنه الأفضل للحراكين وللشعب الكردي وقضيته، وهو الالتزام بالحيادية تجاه الأطراف السياسية الكردية والكردستانية المتصارعة، وعدم فرض الانتماء السياسي الذاتي للعضو على مبدأ الرابطة كمنظمة ثقافية مستقلة، والتركيز على تعرية كان هذا النهج ينبئ عن عواقب وخيمة للهيئة الإدارية، وللتركيز على إبراز هذا المنطق الفكري أصدرت الرابطة جريدة بينوسا نو لتعبر عن النهج أو الوثيقة المتفقة عليها جماعيا، دون التدخل في الرأي الشخصي، أو الانتماء الذاتي، وعليه حوربت الرابطة وجريدتها، من معظم الأطراف، واستخدمت ضدهم العديد من الأساليب، لكن مع ذلك لم تتمكن الأطراف السياسية أو الكتاب المنتمون إليهم بالحد من مسيرتها والتغيير في رؤيتها، وبالمقابل انتبهت ودرست الرابطة كل الانتقادات السلبية والإيجابية الموجهة إليها ووقفت طويلا على حالات التهجم وأسبابها وخلفياتها، ولم تتوانى من إدانة الأخطاء أو تبيان الإيجابيات، ومحاولات التنوير قدر الإمكان دون الانزلاق إلى جبهتي الصراع السياسي الكردي في غرب كردستان، ولاشك هذا النهج يدفع ثمنها الأن أعضاء الهيئة الإدارية للرابطة، ومثلهم تلقت الجريدة الناطقة باسم الرابطة ( بينوسا نو ) العديد من التهجمات التي لم تندرج في إطار النقد البناء، ومن جملة هذه التهجمات على الرابطة وجريدتها:
1 – في السنة الأولى من إعادة تشكيل الرابطة استلمت دعوات مباشرة وغير مباشرة للانتماء إلى جهات سياسية، ومن بين الأطراف التي عرضت ذاتها كانت الأحزاب الكبرى على الساحة في غرب كردستان، فكان الرفض، والرفض اظهر الخلاف والاختلاف والإقصاء، أتبعتها حملة شعواء على الرابطة، كتنظيم وكأعضاء في الهيئة الإدارية. ومن هذه الحملات:
– اتهمت بعض الأحزاب الرابطة بأنها تتدخل في أمورها السياسية، وهنا لم يتمكنوا من التمييز بين النقد كتوجيه والتدخل.
– وأحزاب أخرى اتهمتها بأنها حاولت أن تنضم إلى الائتلاف السوري كمنظمة سياسية أو ثقافية كردية تحاول تمثيل الشريحة الثقافية من الشعب الكردي هناك، وكان هذا اتهام سافر، فالأغلبية من أعضائها ينتمون إلى منظمات سياسية، يرفضون سياسة الائتلاف تجاه القضية الكردية، ويرونها تتشابه في كثيره هيئة التنسيق والسلطة حاضراً، ولا يعتبرون أغلبيتهم معارضة نزيهة، كما وأن منهجية الرابطة معروفة، فهي منظمة ثقافية بامتياز، ولا تقوم إلا بدورها التوجيهي للمجتمع والمثقف الكردي والتنويري للأحزاب الكردية، والدفاع عن القضية الكردية في كل المجالات عن طريق القلم لا السياسة.
– اتهموا أحد أعضاء الهيئة الإدارية باستغلال اسم الرابطة للدخول إلى الائتلاف السوري، وذلك على خلفية الرد على رأي الرابطة من أحداث عاموده، ونشر تلفيق متعمد في هذا، في الوقت الذي كان هذا العضو من ضمن المجلس التنفيذي للمجلس الوطني السوري واستقال بناءً على قناعة سياسية، والائتلاف لم تكن في كل أبعادها سوى هيئة موسعة عن المجلس ذاته.
يتبع….
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com