ثلاثية المكان الكردي2-كوبانيامه

إبراهيم اليوسف

بعيداً عن جذركلمة” كوباني” الكامبانية ، وهي تحيل إلى تاريخ ليس بعيداً كثيراً، يعود إلى لحظة تغلغل الفرنسي، إلى هذا الجزء الكردستاني، ضمن الخريطة الجديدة، بعيد سايكس بيكو1916، وسقوط دولة الرجل المريض التي شطرت” دشتا سروجي” إلى قسمين، أحدهما فوق الخط، والآخرتحت الخط، كي تكون العلامة شركة السكك الحديدية التي تشكل صوى، يقصدها كردالمكان، من عناوينهم، على حد سواء، حيث يرتدي أولهما القبعة التركية، كي تتم محاولة اعتمارالثاني ” العقال والحطة”، تدريجياً، لاسيما في اللحظة التي استطاع” البعث” عبرانقلابه أن يزورالمكان، والزمان، والإنسان، وكان اسم” عين العرب” العباءة التي تحاول منذعقود متتالية، أن تدثرليس هذا الجزء من الجسد الكردي، بل ويليه من أعضائه: القلب، والروح، والدم.
لا إحالة لهذه التقدمة إلا لماضي الكردي، وهوالذي سرعان ماكان أول من تفهم وشائج الوطنية مع شريكه، لاسيما أن عروة الإسلام كانت تربطه به، كوثاق ذي بعدين: واهٍ، لدى المتسيد الذي لايفتأ يمحوملامحه، تدريجياً، ويستلب كيانه، ويجهزعليه، مادام لاشيء في سيرته اليومية معترفاً به: اسمه، ووسمه، ورسمه، بمايعني الكردية، ونعوتها، وخريطتها الممزقة،  وهوما كان يتم على كل نطاق: المدرسة التي تهدف الفتك بذاكرة أجياله، والدائرة الرسمية التي لايقبل الحديث فيها إلا بلغة غيرلغته التي باتت تستهدفها غارات لغة الدين الحنيف، وإن كان الغرض من وراء ذلك بعيداً عن العقد الذي ربط بينهما، على امتداد قرون، كانت تمهيداً لما وصل إليه من حال.
لم يكن بمقدور آلة النظام الذي طارإلى سدة الحكم عبرانقلابه الشهير، وعلى ظهرالدبابة أن يتغول، كمافعل-ممارسة- إلاعبرالحكم بيدين من حديد ونار، واجه بهما كل من لايرعوي  تحت شرورسلطانه، يستوي: الأبعدون، والأقربون، بل لاقريب في عرفه إلا من يكفل ديمومة استبداده، هذه الديمومة التي كانت من خلال التشدق بخطرين، أحدهما: خارجي، إسرائيلي،  وكان توأم ولادته منذاحتلال فلسطين، فراح يقدم له، على امتداد عقود صكوك الطاعة، من خلال حماية حدوده الكيلومترية، كاملة، شريطة مؤازرته على توطيد جذوره، كي يكون أمن العصابة  ثمن أمن المحتل، وهوما كان مكتوباً بالحبرالأسود، لا الأبيض، إلى أن فضحته الثورة السورية، على نحوأعم. وثاني الخطرين، في عرف العصابة، الحاكمة: الكردي، أجل، الكردي ذاته، ابن المكان، حيث راح الخط البياني لجرائم العصابة تشيرإلى استهدافه، إلى تلك الدرجة التي كان يتم فيها استهداف مدنيه، أنى غنى رقص في” نوروز”، أوحتى في حفل فني، فلكلوري، واستهداف عسكريه، حتى في القطعة التي يرابض فيها.
ابن كوباني، أمثولة في تطابق الروح مع أنموذج إنسانه، الطيب، الأبي، الكريم، الشجاع، المضحي، شأن أخويه في جهتين متبقيتين في الخريطة، وأعني، هنا: الجزيرة، وعاصمتها قامشلو-وكل مدنها عواصم- وعفرين، حيث لا اعتراف من لدن هؤلاء بهوات المسافات بينهما، ولا انشطارات الجسد الواحد، داخل المدى، المعاين، وخارجه، على حد سواء، وقدعرف هؤلاء وطنيين، في الخط الأول، مالم يكن في الأمر استبلاهٌ واستغفالٌ، فاقعين، سهلي القراءة، وكانوا- هكذا- في الاجتماع الحزبي الذي  تطلق مخابرات العصابة كلابها البوليسية، تشم رائحة المنشورالسري، والعلم الكردي: آلا رنكين،  كما اسم كردستان، والبرزاني، أوأي قائد أوعضوفي الحزب، لايخفض لهم الرأس، وهوما لم يتم بالشكل الذي روجته كلاب العصابة للفتك بهؤلاء، ورموزهم، في سياق تشتتيهم، والإجهازعليهم.
احتلت”كوباني” عبرأولى تنسيقياتها، كمايخيل إلي: حركة شباب الانتفاضة- ألند…إلخ المنضويتين، في إطار:  اتحاد تنسيقيات شباب الكرد” وغيرها أيضاً” من التنسيقيات الشبابية التي  احتلت مكانها، وتصنيفها””في قلب الثورة السورية، بعيد انطلاقتها، في نسختها الصحيحة التي كانت تشبه روح الكردي، كما العربي، المسيحي كما المسلم والإيزيدي، الأرمني، والسرياني، والآشوري، والشيشاني، و……إلخ، حيث كان صوتها يرتفع، بل فتحت صدرها لأبناء المناطق المنكوبة -من سوريا- كي يعيشوا بينهم، آمنين، إلى أن بدأ التكفيريون- حيث كل منهم في عباءته يغيرون على المكان الكردي-بأضلاعه الثلاثة، ليشكلوا فكي كلابتين، تعملان، في وجود العصابة، أونيابة عنها، في غيابها، تطبقان على المكان، وكائنه. وهاهوتنظيم داعش الذي لايمكن تصوره مولوداً من”أنف كلب” كما يقول الكردي، عمن هو شبيه بهذا الهمجي الذي يرفع راية الله- وهوالمنافق الكذاب- على رأس رشاشه، ودماغه المقفل والغ في الجنابة، بينما يده ملوثة بالدم، وهو يبوصل بندقيته، حسب إشارة ظل الدافع له، وهوأمام هاتيك العصابة، على نحومباشر، أوبعض حواتها، أو من يريدون احتواءها، من حيتان، نفطية، أوفطرية.
تستحضرداعش كل عتادها، ومرتزقتها، تلمهم على المبدأ المغناطيسي الذي يجعلهم يتحركون، من اتجاهات عدة، كي يقصدوا “كوباني”، وهاهم في الطريق إليها، بعد أن احتلوا بعض القرى الكردية، وشردوا أهلها، مثل: تل خضر-تل فندر، كمافعلت من قبل مع” كري سبي، والأمر-بمجمله- استعادة لماقاموا به من قبل في”الباب “حيث خابوا هناك”  و”جرابلس” ومنبج” يسبق فحيحهم، ووعيدهم، ونذيرهم، ونهيقهم، مناطقنا التي هجرشبابها، في خمس جهات العالم، تواريهم أمواج بحارها، ومحيطاتها، وأنهارها، كما أتربتها الغريبة، بل وترميهم ملاجئها، حيث تعمل فرق تفتيش داعش التي تختطف الشباب الكردي، تودعهم غياهب السجن، بأقبح من أسلوب العصابة المخابراتية، وتسرق بيوتهم، وتجعلهم أسلحتهم الأوتوماتيكية درايا لها، إن لم يكن لدى بعضهم الرغبة في إعمال السكين في عروق رقابهم. وهؤلاء ماكان لهم أن يتسللوا، أويتوغلوا في مناطقنا الكردية، لولا أمرين، أولهما: بعض ممن يرتضون أن يكونوا حاضنة هؤلاء، من شركاء الكرد الذين طالما تشربوا بثقافته، ولايقبلون أحداً غيرهم. وثانيهما، غطاء عصابة النظام لهم، ماداموا في مأمن من طائراته، وبراميله، التي تقصف مدراس سوريا، وجوامعها، وأفرانها، ومستشفياتها، وبيوتها، على حد سواء، تدرسها بالأرض، بما فيها، ومن فيها.
إنه التطهيرالعرقي، أوقل: الجينوسايد، في ترجمته، التي يعرفها المراقب الأجنبي، كواقع، لاكمصطلح، مادام أنه يجد كل مافي المكان يتهاوى، بيدأنه لايزال يرتكن إلى معادلة مصالحه، وهوالشريك للقاتل، سواء أكان يمده بالسلاح، والمال، والعتاد، في جسرجوي، أوبري، أو فيما إذا كان يمده ب”الصمت” ووعيد منع تجاوز”الخطوط الحمراء” الملفق، الأمر الذي سرعان مايترجمه القاتل، استمراء في إكمال مهمته الإبادية للسوريين، جميعاً، مالم يكونوا في جيش شبيحته، والكردي-غيرالموقع على”طابو” الخنوع، في مقدم هؤلاء المستهدفين.
وحال الكردي، في أسوأ توصيف: طرف متراخٍ، لم يرد الاسترسال في لعبة الدم، لاسيما على يدي أخيه، وهوظاهرالذريعة، لأن هناك ماهومخفي، أيضاً، في مقامات متعددة. وآخر، وجد في الثورة”بطاقة يانصيب” غيرمدفوعة الثمن، تؤمن له رافعة لشعاراته التي لم يحققها، في أجزاء كردستانية، أخرى، بعدأن جاءه كل شيء، على” طبق من ذهب” في عيارعال، وأتبع كل ماأتبع من السياسات كي يكون المتفرد، الذي ينبغي على الأغلبية الخضوع لجبروته- بعقل غريب عن ثقافة المكان وحتى على حامله المعلن- وإلافهم منتقصوالوطنية، وأهداف لسهام بعض السفهاء الذين لايميزون بين: العدو، والشقيق، صاحب الرأي، قائل الحقيقة، واصف الواقع، وهونفسه سبب في عدم تشكيل جيش كردي يشعركلنا أنه يمثله، وإن كانت إنجازات مقاتله ملموسة، لاسيما على صعيد صدِّ غزاة المنطقة الإرهابيين، بما يسجل له، في وقائع بينة، وملاحم رائعة، سطرها في أكثرمن مكان، و لابد من أن يذكرها كل ذي ضمير.
ثمة نداء، كوبانيٌّ، يتجاوز المتاريس المضروبة حول المكان، إنه ينطلق من صميم الوطنية، وصميم الشرف، وصميم الكرامة المهددة، وصميم الواجب، وصميم الوفاء، و صميم الجرح،  إذ لابد من أن يتجاوزالكردي، أية خندقة ضيقة، بائسة، هي:قبره، مثواه، وخاتمة حلمه، ومهوى وجوده، وتاريخه، وجغرافياه، إن لم يتجاوزكل ماهوفيه، لأنه لايمكن لعاقل أن يخلع رؤاه، ويرضى ب”الأمرالواقع” بكل تشكيلاته، مالم يشبه روحه، ورؤاه، وإرادته، وهي مسؤولية تقع على كواهل الطرفين: المرخيّ والمتجبّر، المتعنت، حيث صرخة الاستغاثة إلى كلمة سواء، لا تأتي من قبيل: “الوحدة، تقتضي أن تنضموا إلي”، بل تقتضي أن نحل جميعنا، ذواتنا، وأنانياتنا المغلفة بسلوفان الشعارات البراقة، لئلا يرمى كل من لايرضخ لها للتخوين، وهوتخوين فقد ماء جدواه، لمجانيته، ومجانبته الواقع والمصداقية.
لاضير-الآن- من أن نكون يدي رجل واحد، وقلب رجل واحد، وإرادة صوانية لرجل واحد، أمام كل مايخطط ضدنا، على طاولات أعدائنا، المحليين والإقليميين، وهوأمرميسور، في مالوتجاوزنا حالة الفرقة، ونفهم-تماماً-أن استكلاب الداعشي، والنصرتي، ومن شابههما، ماكان أن يتم لولا أن بدرت عنا سياسات الفرقة، بل إن استذكارالأهلين في لحظة انقضاض العدو، يجب أن تقودإلى استمرارية الحرص عليها، وفهم الواقع، والمستقبل، لئلا تكون الوحدة-تكتيكاً-بل استراتيجية، رغم أن من يدافع عن كرامته لاينتظر-البتة- فرمان الدعوة، والساحات الساخنة، أكثرصلاحية-الآن- كي نبدأ بجسد جديد، يشبهنا، في ظل واقع استئساد شبابنا، واستبسالهم، لاسيما إذاعرفنا أن هناك الكثيرمن الكتائب العسكرية، لمايسمح لها بأداء واجبها-في فرمان لايمت إلى الحكمة والحرص على المصلحة الكردية البتة-بل إن أي جيش كردي”شامل” لابد وأن يكون خارج حدود أية حزبية، مهما كانت مسوغاتها، وواقعها، وفي مثل هذا الفهم للوحدة، يمكن أن نحقق كل مايخدم مصلحة شعبنا، بل والثورة السورية التي يعد كل ماهوموجود، من إنجازات، ميدانية، عائداً، إلى جهود من أشعلوها، في انطلاقتها الأخيرة، قبل ثلاثة أعوام، وكانت تنسيقياتنا الكردية حاضرة، فاعلة، في صناعتها، وإن أريد لهذه الثورة أن تسقط في شباك أعدائها، نتيجة عوامل كثيرة، من بينها لامصداقية كثيرين ممن تنطعوا ليكونوا واجهتها-ولدي تفاصيل ووقائع عن نواتها الرئيسة- ناهيك عن العامل الخارجي، ودهاء أفانين النظام، الحرباوي، الثعلبي، الذي اشتغل جيداً على تشويهها، وإجهاضها، أملاً منه أن يطيل من أمد عمره، ولكن، هيهات له مثل ذلك، مادام أنه يعيش- الآن- بسند كفالة إقليمي، إسرائيلي، دولي، والعالم كله في انتظارإخراجه من “غرفة الإنعاش” وإعلان نعوته….!.

25/26-3-2014

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…