ماجد ع محمد
في هذه الوقفة لن نتطرق إلى الجوانب السياسية والعسكرية لمآلات عمل حزب العمال الكردستاني، إنما سيكون تركيزنا فقط متعلقاً بالناحية اللغوية، لأننا لو أردنا التطرق إلى النواحي السياسية أو الثقافة ككل فقناة روناهي الرسمية لوحدها تشير صراحة إلى فقر المستوى الثقافي لدى المؤسسات الإعلامية للحزب المذكور، بالرغم من امتلاكه لإمكانيات هائلة تعادل إمكانيات عشرات الأحزاب السياسية في بلادنا، وكان بإمكان التنظيم العابر للحدود من خلال تلك الإمكانيات أن يرقى بحالة الثقافة إلى أعلى المقامات لو أراد، ولكن لماذا خطابهم الثقافي لا يزال دون المستوى المطلوب فهذا عائد ربما للبنية العقائدية لهذه المنظومة التي ترفع شعارات متقدمة جداً كالديمقراطية والحرية والإيكولوجية، إلا أن ممارساتها الميدانية لا تزال تحاكي سلوكيات دكتاتورية البروليتاريا التي عفا عليها الزمان وركلها العقل الراهن لدى مجمل الشعوب المتقدمة.
وفي مقاربة بسيطة بين ما آل إليه الوضع اللغوي في إقليم كردستان العراق، وبين ما صار إليه الوضع اللغوي المزري في كردستان تركيا، فلا يخفى على المتابع بأن هنالك تقهقر صارخ من ناحية اللغة لدى كرد تركيا منذ ظهور التنظيم المذكور، وفي هذا الخصوص يقول الكاتب والروائي الكردي لالش قاسو بأنه لا مجال للمقارنة بين ما قدمته حكومة إقليم كردستان في هذا الصدد، مقابل الضرر الذي ألحق بكرد تركيا منذ بدء نشاط حزب العمال الكردستاني، ويضيف قاسو” في أحد منشوراته عن المقارنة بين الإقليم وبين آثار وتبعات أعمال حزب العمال الكردستاني في تركيا قائلاً: “بأن في كردستان تركيا ومنذ ظهور pkk ونشوئه في 1978 وحتى الآن فمن نتائجه الكارثية أن أطفالنا لا يعرفون شيء من لغتهم الكردية، وهم فقط يتحدثون باللغة التركية، أما في كردستان العراق ومنذ استلام البارزاني رئاسة PDK ومن ثم رئاسة اقليم كردستان وإلى الوقت الحالي، فأطفال الكرد في كردستان العراق لا يعرفون غير الكردية وبالكاد يعرفون اللغة العربية” يضيف قاسو “فهذه وحدها تكفي لعدم جدوى ومعقولية المقارنة بين الطرفين”.
وتأكيداً لكلام الروائي قاسو فمنذ فترة وجيزة علمتُ مِن بعض الأخوة الفنانين الذين يعدون برنامجاً باللغة الكردية لإحدى الفضائيات في تركيا هنا بمدينة اسطنبول وحيث أقيم، بأنهم أثناء جولتهم الميدانية على المدارس والبيوت في اسطنبول بهدف جمع مجموعة كبيرة من الأطفال للمشاركة في ذلك البرنامج التلفزيوني، إلا أنهم ومن بين 200 طفل تم اختيارهم للمشاركة في البرنامج المذكور لم يحضر سوى طفل كردي واحد إلى الاستديو ممن هم من كرد تركيا، بينما جميع من تبقى من الأطفال الذين شاركوا في البرنامج فهم من كرد سوريا المقيمين في اسطنبول، فتصورا يرعاكم الله من بين مئتي طفل في مدينة اسطنبول التي يوجد فيها من أكراد تركيا ما يقارب عدد سكان الكرد في كل سوريا، فلم يستطيعوا العثور على عشر أطفال للظهور في برنامج تلفزيوني خاص بالأطفال الكرد في تركيا!.
بل وتأكيداً على ذلك فكان شقيق عبدالله أوجلان عثمان أوجلان قد صرح منذ فترة من على قناة زاغروس بأن دوران كالكان عضو اللجنة الإدارية لحزب العمال الكوردستاني (PKK) نفسه ﻻ يتكلم الكردية رغم تواجده منذ ثلاث عقود بين مقاتلي PKK، وأضاف عثمان أوجلان متهكماً متى تعلّم دوران كالكان التكلم باللغة الكردية حينها أعلم بأن كردستان سوف تتحرر.
فمن هذه الناحية فقط نستطيع معرفة مدى الضرر الذي لحق بالكرد في هذا البلد من وراء إخفاقات سياسة حزب العمال الكردستاني، وهو شيء صادم بالنسبة لمن لم يزر تركيا ولا يعرف شيء عن الجوانب الاجتماعية والثقافية والاجتماعية التي وصل إليها المجتمع الكردي في تركيا، ولكنه قد يكون أمراً معتاداً لمن عمل في صفوف هذا الحزب وزار مقرات حاخاماتهم في حاكمية قنديل، بما أن قادة تلك المنظومة العقائدية وإلى الآن لا يتحدثون مع بعضهم إلاّ باللغة التركية! اللغة التي يحاربون أصحابها ليل نهار في الإعلام المرئي والمكتوب والمسموع، عدا عن حربهم العسكرية مع أصحابها! وحتى أن زعيم الحزب المتفرغ للقراءة والكتابة منذ عام 1999 في سجن إيمرالي ربما لم يخطر بباله أن يتعلم اللغة الكردية أو يكتب بها كما يكتب بالتركية، مع أنه من المفروض لمن يمتلك بعضاً من هواجس المسؤولية والإحساس بالهوية أن تدفعه المشاعر القومية إن وجدت إلى أن يخصص لنفسه على الأقل وقتاً معيناً لقراءة وكتابة شيء بتلك اللغة التي يناضل من أجل أصحابها، والتي تسبب حزبه في حربه مع الدولة التركية بقتل عشرات الآلاف من أهل وذوي تلك اللغة، مع أنه وحسب محبيه ومريديه ومعظّمي شأنه، أن الزعيم مثل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي صار من أصحاب النظريات الكونية الخاصة في فهم العلوم والعالم والعوالم.