جان كورد
المؤامرة الدولية على الأمة الكوردية بدأت بعقد الاتفاقية الاستعمارية سايكس – بيكو في عام 1916، التي بموجبها تم تقسيم منطقة الشرق الأوسط ومن ضمنها وطننا (كوردستان) ونجم عن ذلك إقامة دولتي سوريا والعراق، وذلك انتقاماً من الكورد لأن السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي وحّد شعوب المنطقة وطرد الصليبيين من المنطقة بعد أن سيطروا عليها أكثر من قرنٍ من الزمن. على الأقل هذا ما يعتقد الشارع الكوردي الذي يسعى الآن لشطب كوردية صلاح الدين الذي يعتبر أحد أعظم قادة العالم المشهورين بقدرتهم على توحيد الأقوام وزج طاقاتهم في إحدى أهم معارك التاريخ البشري ولا يزال المؤرخون والمستشرقون يمتدحون نبله وشجاعته وسعة صدره لكل المكونات القومية والدينية في عصره الذي اتسم بالوحشية والنزاعات القوية بينها.
ثم ترسخت تلك المؤمرة الدولية بصعود نجم مصطفى كمال الذي تمكّن من اقناع أعدائه البريطانيين والفرنسيين بأنه سيكون نافعاً لهم، إن نجح في مسعاه لإسقاط الحكم العثماني وإزالة الشريعة وإقامة الجمهورية في تركيا، وما عليهم سوى تعديل معاهدة سيفر (1920) التي أقرّت في عدة بنود منها حق الشعب الكوردي في الحصول على استقلاله في حال رغبته ذلك، وبالفعل فقد حلّت معاهدة لوزان (1923) مكان المعاهدة السابقة وتم نسف حق شعبنا في تقرير مصيره بنفسه، وبذلك أصبح المستعمرون مسؤولين مسؤولية أساسية عن كل الجرائم والمجازر المروّعة التي جرت في كوردستان، بذريعة أن الكورد يتمردون على الدوام على الشرعة الدولية والحدود الدولية والإرادة الدولية، وفي الحقيقة فإن انتفاضات وثورات الكورد الكبرى والصغرى منذ نهاية الحرب العالمية الأولى لم تكن سوى رد فعل قوي بين الحين والحين ضد سياسات صهر وتذويب هذا الشعب الذي يعيش منذ فجر التاريخ على أرض وطنه في بوتقة القوميات السائدة بحكم تلك المؤامرة الدولية عليه، والعجيب أن حقوقي الكورد لم يحاولوا حتى اليوم رفع دعوى قضائية إلى المحاكم الدولية ضد الدول التي تسببت بتقسيم وطنهم بمعاهداتها التي لم تكن سوى تقسيم مناطق نفوذ وتحقيق مصالح وحسب استراتيجيات استعمارية.
أما المؤامرة الإقليمية فإنها أخبث وأشرس من المؤامرة الدولية التي تحولّت احداثياتها واستراتيجيات الدول المشاركة فيها بعد مرور مائة عام على معاهدة سايكس – بيكو، فالمؤامرة الإقليمية ذات وجهين، إذ أن الدول المنتفعة من تلك المعاهدة القذرة، وهي سوريا والعراق وتركيا وإيران، تزعم أنها ضد المعاهدة وهي ضحايا مثل الكورد للمؤامرة الدولية، إلاّ أنها تدافع بشراسة عن الحدود ذاتها التي رسمها المستعمرون، وأي ثورةٍ كوردية على هذا التقسيم الاستعماري في نظرها تمرّد ودعوة انفصالية، وليس سعياً للخلاص من حدود غريبة، وهي لا تريد تقسيم المقسّم وتفتيت ما قام المستعمرون بتفتيته سابقاً، حيث المسلمون هم المستهدفون ووحدة المسلمين هي المستهدفة، وهذه الازدواجية التي تمارس على مختلف المستويات السياسية والدبلوماسية والإعلامية والثقافية ويتم زرعها في عقول تلاميذ المدارس منذ الصغر لا تستطيع إقناع العقلاء الذين لابد وأن يتساءلوا: إن كانت حكومات هذه الدول ضد التقسيم والتفتيت حقاً فلماذا لم تقم أي واحدةٍ منها بتوحيد هذه الدول أو على الأقل توحيد دولتين من الدول الأربعة؟ فهل على الكورد وحدهم واجب الحفاظ على وحدة المسلمين؟
في الحقيقة، يظهر لنا جلياً أن المؤامرة الإقليمية ما هي إلا استمرار للمؤامرة الدولية بأسلوبٍ أشد ضرراً بالأمة الكوردية، ولقد ثبت لنا بوضوح أن الدول الاستعمارية التي سكتت عن مجازر كوردستان في العهود السابقة وقدمت مختلف الأسلحة لحكومات الدول التي قامت بالحروب على شعب كوردستان، قد وقفت بحماس ضد حق شعبنا بعد إقدامه على استفتاء ديموقراطي فيما إذا كان يريد الاستقلال أمام الاستمرار في العيش بمذلة ومهانة تحت قبضة جلاديه.
وعليه، فإن الأمة الكوردية لا تزال تواجه مؤامرتين، إحداهما دولية عريقة في القدم والأخرى إقليمية تشاركت الدول المحتلة لكوردستان في نسجها وادامتها من خلال التعاون العسكري والاستخباراتي وتعزيز الحدود الاستعمارية المرسومة، بل التعاون في كل المجالات لسد الطريق على طلائع أمتنا الثائرة في وجه الطغيان والاستبداد، كما أن حكومات هذه الدول مستمرة في زعزعة استقرار كوردستان وممارسة نهج ضرب الكورد بالكورد باستمرار، واتباع سياسة “العصا والجزرة” لنسف التضامن الوطني الكوردستاني، وانتزاع الثروات التي هي ملك للكورد مقابل تجويعه إلى درجة قيامه بالثورة، ليس على الطغيان الذي تمارسه هذه الحكومات، وإنما على قوى الكورد.
ومن المؤسف حقاً أن يستنجد بعض سياسيي الكورد بأعداء أمتهم للنيل من قوى شعبهم وقادتها، وأن يهلل ويكبّر بعضهم برؤساء وزعماء الأعداء الذين لا ينفكون يتهمون فصائل كوردية بالإرهاب.
وما يُضحك في وسط هذه المأساة القومية أن كورداً سوريين أقاموا احتفالاً ضخماً تمجيداً وحباً وولاءً للرئيس بشار الأسد الذي دمّر بلاده وشرّد شعبه ومارس التقتيل والتعذيب ضد مواطنيه خلال سنوات عديدة في سوريا، في ذات الوقت الذي يعلن هذا الرئيس (الظل لإيران والتابع لروسيا) أنه سيقضي على الإرهابيين “الكورد!” ترضية لتركيا التي جيشها يحتل جزءاً من أرض سوريا، مثلما تم القضاء بعون أسياده على (داعش). وما يّضحك أيضاً أن بعض فرسان القلم الكوردي لم ينتقدوا في مقابلاتهم حكومة العبادي الظالمة بكلمة واحدة في موضوع رواتب موظفي كوردستان وإنما صبوا نار الحقد والكراهية على البارزاني والبارزانية، وتناسوا كفاحهم الطويل في سبيل العدل والإنصاف، ولا يقل حزننا عن هذا هو قيام أكبر تظاهرة ضد إعلان السير ترامب عن رغبته في نقل سفارته إلى القدس في مدينة آمد (ديار بكر) الكوردستانية، في حين لم تقم مظاهرة بعشر حجم هذه ضد احتلال كركوك وبترول كركوك، كما أن مظاهرات السليمانية وغيرها المدبّرة لزرع فتنة كبيرة في جنوب كوردستان لم تقم من أجل ما سماه البارزاني الخالد (قلب كوردستان) وسماه الراحل جلال طالباني (قدس الأكراد) .
فهل نحن فعلاً أمة؟
21 كانون الأول، 2017