عزوف الشباب الكردي عن الانخراط في الحركة الوطنية الكردية.. التصالح بين الشباب وحركتهم لمصلحة الشعب في كوردستان سوريا

ديالة رشك
 حين بدأت الحركة الكردية في سوريا منذ عام 1957 بشكل فعلي مُنظّم دعا إليها وخطط لها مجموعة من الشباب الكردي المثقف والذي آلى على نفسه مهمة تنظيم نضال الشعب الكردي في غربي كوردستان بطابع سياسي مستفيدا من انخراطه في بعض الأحزاب التي كانت تشتغل في الساحة السورية واكتساب لبعض الخبرات التنظيمية ضمن تلك الأحزاب رغم إن العمل السياسي الكردي نشط منذ عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي وذلك بتأسيس بعض الجمعيات والمنظمات لكن كان لها الطابع الثقافي والاجتماعي لا السياسي، وظلت الحركة السياسية الكردية التي انقسمت على نفسها كثيراً، ونخرت الانشقاقات في صفوفها محافظة على تشجيع الشباب الكردي والتواصل معهم، وفتحت المجال أمامهم للانخراط في صفوفها، وسمح المؤسّسون للشباب بتسلُّم بعض المناصب الهامة ولكن مع ضعف الحركة وعدم تحقيقها لمشاريعها السياسية بسرعة مأمولة بدأ الشباب الكردي بالعزوف عن هذه الأحزاب وترك المجال للقيادات الكلاسيكية الكردية التي هرمت، وبهذا فسرت الحركة الكردية دافع النشاط والحيوية والاندفاع، وهذا ما أوقع أفدح الخسائر بالحركة فيما بعد، وبتنا نرى الآن قطيعة واضحة من الشباب بل واستعداء لها والوقوف ضدها.
 فما هي الأسباب التي جعلت من الشباب الكردي العزوف عن الانخراط في حركتهم الكوردية؟ وما تأثير ابتعاد الشباب الكردي عن الأحزاب؟ وكيف يمكن التصالح معهم وإقناعهم بضرورة العمل ضمن حالة حزبية لا التنظير من الخارج وانتفاء الفائدة؟ وهل الحركة الكردية بمجموع أحزابها مسؤولة عن هجرة الشباب من صفوفها ولماذا؟ وما الآثار السلبية التي تترتب على حالة استعداء بين الحركة الكردية والشباب الكردي؟ وهل الشباب الكردي يتوقعون سرعة حصد الأهداف ولا يؤمنون بالنفس الطويل للعمل السياسي لهذا يهجرونه.
صراع الأجيال
الصحفي والمحلل السياسي محمد زنكنه:
صرّح لكوردستان في سياق التساؤلات السابقة: إنه من الظلم أن نتهم الشباب بقلة الانتماء بدليل إن اغلب من في صفوف قوات البيشمركة والقيادات العسكرية هم من الشباب وهم مستعدون للتضحية بأرواحهم من اجل القضية، ولكن اعتقد إن انضمامهم للأحزاب وانخراطهم في العمل السياسي في صفوف الأحزاب بسبب صراع الأجيال وعدم وجود تفاهم بين الجيلين المخضرم والحالي بالإضافة إلى الخذلان الذي تعرضت له هذه الطبقة المهمة في المجتمع في بعض الأحزاب التي لا تبالي بالخيانة السياسية لمجرد تحقيق مكاسب سياسية ضعيفة الأفق حتى لو كانت هذه المكاسب على حساب القضية.
 ويرى زنكنه أنه لا يمكن لأي حركة تحررية قومية أو وطنية أن تنجح بدون الشباب وان ابتعاد هذه الشريحة سيوسع الهوة بين القوى السياسية والجماهير والمجتمع كما ستخلف فراغا أثر غياب المخضرمين أيضاً، وعن احتكار السلطات الأساسية في الأحزاب يدلي زنكنه أن الجيل القديم يجب أن ينتهي كحالة تنظيمية، وأن تستفيد الأجيال الجديدة من خبرتهم، وتم نقل تدريجي للسلطة والخبرة من جيل لآخر.
الشباب القوة المحركة لأي تنظيم سياسي
الصحفي والمراسل التلفزيوني شيروان ملا إبراهيم:
 كان له رأي مختلف فيقول توجد الكثير من الأسباب ومنها يأس الجيل الصاعد من التجارة الدولية التي تحدث ففي الحالة السورية عامة بات الشباب في الداخل والخارج منصرفين إلى أمورهم الشخصية في ظل البطالة وتأمين وضع عائلاتهم سواء في الداخل الذي يعاني من حالات معيشية صعبة أو في الخارج وهي ظروف الغربة الكثيرة.
وعن يأس الشباب الكردي قال ملا إبراهيم أنه توجد أسباب كردية خاصة منها تسلط الأشخاص من الطراز القديم على زمام الحركة السياسية بالإضافة إلى الانشقاقات المستمرة في صفوف الأحزاب فرضت على الشباب الكردي إن العمل الحزبي والنقاش السياسي هو كيفية تبرير خطوات المنشقين أو ذمهم.
ويرى أن هذا الأمر شكل روتينا قاتلا في جسم الحركة الكردية لافتاً إلى أن القوة المحركة لأي تنظيم سياسي في بلد يعيش في حروب ونزاعات هم الشباب القادرون على الحركة وتحمل المتاعب وروح الحماس التي يمتلكونها كنا إن وجود كبار السن يخلق حالة توازن فيما بينهم، فالأحزاب- برأيه- تعاني من العقلية القديمة بسبب سيطرة الكلاسيكيين عليها وبنفس الوقت فإن التنظيمات الشبابية بسبب عدم النضوج السياسي لديها فقد وقعت في أخطاء كبيرة مثل التنظيمات التي تشكلت في عام 2011 والتي لعبت دورا في الحراك المدني والثوري.
وحول التصالح بين الشباب والأحزاب يؤكد الصحفي أنه يتوجب على الأحزاب إعطاء الفرصة للشباب ليبدعوا، ويعملوا، وعلى الجيل الناشئ أيضا أن يقتنع إن العمل السياسي لا يقتصر على الاندفاعات والخطوات غير المدروسة والبعيدة عن الحسابات الحزبية، كما حمّل ملا إبراهيم الأحزاب المسؤولية الأولى والأخيرة على هجرة الشباب من صفوفها لأنه عندما ترى الآلاف من الشباب المتطوعين في قوات البيشمركة وسوريا الديمقراطية وليس للكثير من هؤلاء خلفية سياسية يعني هذا أنهم مستعدون للتضحية فبالتأكيد هم جاهزون للانخراط   في تنظيم سياسي يوازي قناعاتهم القومية، وليس من المعقول وصف الحالة بالاستعداء، والذين تركوا صفوف الحزب بحسب شيروان هم ليسوا شبابا فقط بل منهم من قضى الكثير من السنوات ككوادر حزبية ومنهم من تعرض للاعتقالات، وبسبب الانشقاقات الحزبية اختاروا ترك الحالة السياسية.
وبنهاية المطاف ملا إبراهيم لا يبرئ ساحة الشباب تماماً، وأن مشكلتهم بالاندفاع وعدم الصبر.
الشباب انتظروا الوعود كثيراً.. ولا آفاق!!
الإعلامية كاجيا عثمان:
من هذا المنظور تعتقد الإعلامية كاجيا عثمان إن التغيرات السياسية المتلاحقة في زمن قصير والخلافات بين الأحزاب والانشقاقات هي أبرز الأسباب لعزوف الشباب عن الانخراط في الحركة الكردية وأن الظروف كانت يجب أن تشهد اتحاداً في صفوف الأحزاب الكردية وإن الظاهرة التي لا تخفى على احد هي الوعود التي بقى الشباب الكردي ينتظرها منذ تأسيس هذه الأحزاب إلى يومنا هذا مما خلق نوعاً من عدم المصداقية وعدم الثقة لدى الشباب الكردي المندفع.
ولمحت عثمان أنه يجب على الأحزاب أن تعالج هذه الظاهرة السلبية وتعلم أن القيادة الحكيمة لأي حزب تتمحور في تقربها للشباب لأن الشباب هم محرك أي تنظيم سياسي، والتصالح سيكون بكسب الثقة من الطرفين لان الجيل الناشئ لم تعد الشعارات تجدي نفعا معه وبالتأكيد الانشقاقات وعدم التآلف بين القيادة والقاعدة وعدم تقبل القيادات الحزبية النقد من الشباب هو سبب مهم في هجرة الشباب صفوف الأحزاب.
وأردفت عثمان أنه على القيادات في الحركات الكوردية إعطاء الفرصة للشباب وتسليمهم بعض المناصب التي سيبدعون فيها بفكرهم المتطور وعلى الشباب الكردي أيضاً أن يستفيد من الحكمة والخبرة السياسية لدى الجيل القديم.
 
الشباب هم وميض الثورة
نجاح هيفو- عضو لجنة العلاقات الخارجية للمجلس الكردي في أوروبا
رأت من جانبها وضمن محور هذا التقرير إن عدم استيعاب قيادات الحركة الكردية للطاقات الشبابية وعدم إعطائهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم هو السبب الرئيسي لعزوف الشباب عن الانخراط في الحركة الكردية علما أن الشباب الكردي كان الوميض الأول في إشعال الثورة في المناطق الكردية وهذا برأيها يترك شرخا عميقا في المجتمع الكوردي ويترك فراغا في جسم الحركة الكردية وحرمان هذا الجسم من الحيوية والطاقة الشبابية مما يجعله في حالة ترهل، وذهبت هيفو إلى أن فتح المجال أمام الطاقات الشبابية بشكل جدي ومنحهم مناصب قيادية ستشعرهم بالثقة وتحمل المسؤولية الوطنية مستقبلا.
وحمّلت هيفو الحركة الكردية المسؤولية في هجرة الشباب من صفوفها لأنها تعمل على قمع الطاقات الشبابية فيقوم الشباب بالهجرة العكسية وهي توافق كل من الصحفيين محمد وشيروان بعدم صحة وصف هذه الظاهرة بالاستعداء بل أنها حالة نفور ونقد وليست عداء وعلى الحركة الكردية أن تجدد بنفسها وتدعم الطاقات الشبابية فهم لا يطلبون النجاح السريع بل انعدام الفرص وإهمال طاقاتهم وعدم السماع لهم هو السبب في هجرتهم وعلى الأحزاب أن تعرف أن محركها التنظيمي بحاجة إلى وقود وهم الشباب.

وبعد:
ربما هذا التقرير لا يستطيع الإلمام بكل خفايا الجفاء بين الشباب في كوردستان سوريا والحركة السياسية الكردية، لكنه كان نافذة لمعرفة هواجس الشباب والمثقفين الكرد، ورغم اختلاف مشارب من كانوا ضيوف التقرير لكن يمكن القول إن الإجماع على أن الحركة تتقصد إبعاد الشباب، ولا تهتم بإبداعاتهم، وتساهم بشكل أو بآخر في إقصاء الشباب وبالتالي عزوفهم عن الانخراط في الحركة السياسية الكردية، والتقت الآراء على أن هجران الشباب للحالة السياسية يلحق الضرر الكبير للعمل السياسي الكردي.
صحيفة «كوردستان» العدد 574

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…