صداع السليمانية

حسين جلبي 
أتمنى أن أستيقظ صباح غد، وأرى مدينة السليمانية وقد إختفت وإلى الأبد من إقليم كُردستان، مخلفة مكانها جبلاً أجرد، قد يكون أكثر رحمة منها بالكُرد.
لا أتمنى أن تترك المدينة مكانها آثار فاجعة، ولا أن يصيب أهلها مكروه، فكل ما أرجوه لها هو أن تتدحرج من على جبال كُردستان؛ حتى يستقر بها المقام حيث هوى أهلها وقبلتهم، في أحضان الخامنئي بمدينة قم حيث السواد الوفير، أو تنزلق حتى تظهر إلى جانب مدينة الصدر في بغداد حيث العبادي، قدوة آل الطالباني وغوران وعلي بابير وعشقهم ومنقذهم، أو تبتعد أكثر لتصل إلى جنوب مدينة البصرة، حيث ترتفع أكوام القمامة في شوارع المدينة الكئيبة، ويفرش الناس هناك علم كُردستان؛ وسط أقذر شارع ويمرون عليه بأحذيتهم، وحيث تمر أنهار اللطم السوداء.
السليمانية خانت كُردستان، وطعنت كل الكُرد في القلب من حيث لا يحتسبون. وهذه لم تكن الخيانة الأولى، وربما لن تكون الأخيرة، بل واحدة من سلسلة خيانات، إلا أنها تميزت عن غيرها بأنها كنت الأكثر عرياً، جرت تحت سمع وبصر مشاهدي كاميرات النقل المباشر. فالسليمانية رضت بدور حصان طروادة وسلمت كركوك، قلب كُردستان، هكذا بكل بساطة بإحدى يديها؛ وعلى طبق من خيانة، عربون خنوع إلى قاسم سليماني في ليلة كُردية، كان من المفترض أن تكون بداية تاريخ من نوع آخر، وهي ترفع منذ ذلك اليوم؛ خنجر الخيانة باليد الأُخرى مثل بلطجي، تلوح به في وجه الكُرد أنفسهم، الذين خانتهم، تريد قبض ثمن خيانتها لهم من دمائهم، بعد أن أدار لها حشد سليماني ظهر المجن، وتبخرت وعوده لها بالمال الوفير.
أنا لم أحب يوماً تلك المدينة المتقلبة مثل الخريف، والتي كانت عرابةً لكل المؤامرات ضد الكُرد، والتي يقال بأنها مدينة الثقافة، رغم أني لم أسمع صوتاً يدل على وجود مثقف فيها، يحتج جاداً على الخيانة في كركوك، وما قبل كركوك. فأعلى الأصوات، وأقوى الأصوات، وأنكر الأصوات كانت تلك التي تحتج على الراتب الذي تأخر أو إنخفض، والذي جففت هي نفسه مصادره.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…