قراءة في تقرير لجنة بايك حول القضية الكردية في كردستان العراق وأسلوب كيسنجر في إدارة الأزمات -الجزء الأول

رودوس خليل
الحكاية التي أعنيها هي قصة هنري كيسنجر مع الأكراد في العراق. أن مستندات هذه القصة، ووثائقها السرية –بما في ذلك ما صدر عن وزارة الخارجية الأمريكية، أو وكالة المخابرات المركزية الأمريكية –موجودة كلها، وبالكامل في ملفات، وتقارير اللجنة الخاصة التي شكلها الكونجرس الأمريكي برئاسة أوتيس مابك عضو الكونجرس الأمريكي عن ولاية نيويورك. للتحقيق في النشاط السري لأجهزة المخابرات الأمريكية، وكانت هذه اللجنة قد قدمت تقريرها إلى الكونجرس بتاريخ 19 يناير عام 1976، ولكن الرئيس فورد بعث برسالة إلى الكونجرس يعترض على نشر تقرير اللجنة. لأن نشره سوف يكون مدمراً لمصالح عليا تحرص عليها حكومة الولايات المتحدة. 
وكانت رسالة فورد إلى الكونجرس بتوجيه من هنري كيسنجر عززتها المؤسسة العسكرية الأمريكية كلها. وبالفعل فأن الكونجرس في جلسة عقدها بتاريخ 29 يناير وافق على حجب نشر تقرير لجنة بايك ألا بعد موافقة السلطة التنفيذية على النشر نظراً لحساسية المعلومات الواردة.
وبرغم هذه الاحتياطات كلها، فأن تقرير لجنة بايك نشر بالكامل في إحدى صحف الرفض التي تصدر في قرية جرينتش قرب نيويورك، واسمها صوت القرية. ولكن أجهزة الأمن الأمريكية حاولت جمع كل أعداد هذه المجلة. كما أن الصحفي الذي سرب نسخة التقرير إليها قدم للمحاكمة.
أظن أن الأحزاب الكردية لم تستطع الحصول على نسخة من التقرير، وأن كانت قد حصلت عليه فهل استفادت وتنبهت؟؟
إن الجزء الخاص بقصة كيسنجر مع الأكراد في العراق موجود في تقرير لجنة بايك في القسم ج، وعنوانه (ثلاثة مشروعات). وهذا الجزء الخاص بالأكراد يرد في فصل مستقل من هذا القسم بعنوان الحالة.
رقم2: مساعدة السلاح:
يبدأ هذا الجزء برسالة من قائد محطة المخابرات الأمريكية في إيران إلى مدير الوكالة في واشنطن. تفيد بأن الملا مصطفى البارزاني قائد الحركة الكردية وقتها اتصل طالباً المعونة الأمريكية في حربه ضد حكومة العراق؛ وأن هذه الحرب تساعد الولايات المتحدة الأمريكية. لأن حكومة العراق تتعاون مع الاتحاد السوفيتي (كانت هذه الرسالة في أغسطس 1971).
عاد الملا مصطفى البارزاني، فجدد اتصاله بقائد محطة المخابرات الامريكية في إيران ملحاً في إجابة مطالبه بالمساعدة؛ وعاد قائد المحطة، فكتب إلى رئاسته في واشنطن مؤيداً، ومبرزاً أهمية مساعدة الملا مصطفى. (كانت هذه الرسالة الثانية في مارس 1972).
وقد حولت رسالة أغسطس 1971، ورسالة مارس 1972 إلى لجنة الأربعين التي تشرف على كل النشاط السري لأجهزة الأمن الأمريكية، والتي يرأسها الدكتور هنري كيسنجر بوصفه مستشاراً للرئيس للأمن القومي، ورئيساً لمجلس الأمن القومي ذاته، وقامت اللجنة ببحث الرسالتين، ولكنها لم تقرر شيئاً، أو على الأقل لم تسجل ملفات اللجنة أنها توصلت إلى قرار.
وفي شهر مايو 1972 كان الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون يزور طهران، ومعه الدكتور هنري كيسنجر. وفتح الشاه بنفسه مع الرئيس الأمريكي موضوع المساعدة العسكرية للأكراد، وقال: إنه وعد الملا مصطفى البارزاني بأن الولايات المتحدة سوف تساعده. قال: إنه قدم هذا الوعد كصديق، وأنه من الضروري للولايات المتحدة أن تعزز وعده عملياً، ثم قدم الشاه في الاجتماع للرئيس الأمريكي قائمة بالأسلحة التي يحتاجها الملا مصطفى البارزاني، ووعده الرئيس الأمريكي نيكسون ببحث القائمة بروح إيجابية فور عودته إلى واشنطن.
– في أول شهر يونيو سنة 1972 أصدرت الحكومة
العراقية قرارها المشهور بتأميم بترول العراق.
– في 16 يونيو سنة 1972، وفي اجتماع خاص بين نيكسون، وكيسنجر. تقرر الموافقة على مساعدة الأكراد، وتقرر اعتماد ستة عشر مليون دولار لتغطية نفقات الشحنة الأولى من الأسلحة الأمريكية للأكراد، وتقرر إرسال مبعوث خاص هو المستر جون كوناللي الذي أصبح فيما بعد وزيراً للخزانة مع نيكسون إلى طهران. لكي يتولى بنفسه إبلاغ الشاه بقرار الموافقة على مساعدة الأكراد، وبقرار فتح الاعتماد لتغطية نفقات الشحنة الأولى.
– لم تعثر لجنة بايك على ما يفيد بأن هذا القرار عرض
على لجنة الأربعين، وبالتالي فأن حيثيات القرار لم تكن مسجلة بالكامل على ورق، ولكن تقرير لجنة بايك يقول بالحرف في العامود الأول من الصفحة 85 ما يلي:
إن الأدلة التي تجمعت لدى اللجنة توحي بأن القرار اتخذ بالدرجة الأولى كمجاملة لحليفنا في إيران الذي كان يتعاون معنا بإخلاص، والذي كان يعتقد أن الخطر يتهدده من جاره العراق. وقد كان العداء بين الاثنين تقليدياً.
– وتتساءل لجنة بايك عن هدف الولايات المتحدة ومطلبها، وهنا تبرز نقطة مذهلة حيث يقول التقرير:
إن هدف الولايات المتحدة بمساعدة الأكراد لم يكن تمكينهم من احراز انتصار يمكن لهم بعده أن يحصلوا ولو على حق الاستقلال الذاتي.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…

بوتان زيباري   في قلب المتغيرات العنيفة التي تعصف بجسد المنطقة، تبرز إيران ككيان يتأرجح بين ذروة النفوذ وحافة الانهيار. فبعد هجمات السابع من أكتوبر، التي مثلت زلزالًا سياسيًا أعاد تشكيل خريطة التحالفات والصراعات، وجدت طهران نفسها في موقف المفترس الذي تحول إلى فريسة. لقد كانت إيران، منذ اندلاع الربيع العربي في 2011، تُحكم قبضتها على خيوط اللعبة الإقليمية،…