ابراهيم محمود
بدءاً من السياسي الكردي ” هذا إذا كان سياسياً عن جدارة! “، وهو يماطل ويخاتل داخل حزبه وخارجه، مروراً بالموظف الكردي العادي، وهو آمر ومتنمر على مُراجِعه، ومأمور منكمش على نفسه إزاء آمره، وانتهاء بالزاعم نفسه أكاديمياً وهو يمارس خيانة واجبه البحثي والدرسي، ثمة سلسلة طويلة من ” الفسادات “، يمكن لكل هؤلاء الاعتراف بها، ولحظة تسمية أي منهم تقام القيامة على المسمّي، واعتبار ذلك تشهيراً، أين يكون النقد النقد ” مكرَّراً ” إذاً ؟
التلويح بالتشهير غالباً ” فلان يشهّر بي ” سلاح الخائف من أن يشهَّر به. وما أٌقلَّها حالات تلك التي تمثّل من يتقبلون الموجَّه إليهم نقداً ويثمنّونه، وما أفظعها ظاهرة تلك التي تتمثّل في من يعتبرون كل نقد موجَّه إليهم كردياً تشهيراً فيهم.
لهذا لا يجوز استخدام مفردة ” الخلط ” لحظة الربط بين كل من النقد والتشهير، نظراً لانعدام التكافؤ ولو في الحد الأدنى، حيث تكون كفة المعتبَر تشهيراً، وما يدور في فلكه هي الراجحة، تأكيداً على أن جل الكرد بؤساء جداً جداً في فهم أخلاقية كل من الجهتين، ولا أبأس من هذه المسئولية الأخلاقية التي تُسمَّى هنا تعبيراً عن مدى التخلف الكردي نقدياً.
يعرف المعني بالعلاقة بينهما، أن ليس من إنسان إلا وفيه ما يجب نقده، وتلك بداهة، بما أنه يعمل ويتكلم، وما أشبهه بنص متحرك على قدمين وقابل للنمو أو التراجع عنه، وما أشبه النص بجسد يشكو عللاً، أو لا يخلو منها، ولكم شُبّه النص بالجسد ” رولان بارت مثلاً”، لكي يشار إلى أن النص، أي نص، فيه ثغرات ” جاك دريدا “، وحتى ” علي حرب، في كتابه : نقد النص، بدءاً من المقدمة “، ولا يصلح النص ويبقيه نصاً صالحاً للقراءة والاستمرار، كما لا يصلح المرء ويبقيه أهلاً بالتعامل معه مثل النقد الذي لا يمارس ” هتكاً ” كما يُظن، إلا من تتملكه ظنون هي اعتراف ضمني بأنه مأهول بالفساد، إنما يضيء وضعاً، ويمنح كلاً منهما قابلية الانفتاح على نفسه وعلى الآخر.
كردياً، من الصعب أن يُمارَس النقد، في بحيرة المجتمع الشديدة الملوحة، نظراً لأن الصائر منقوداً يعتقد أنه بذلك يفقد تلك الهيبة المزيفة التي أضفاها على نفسه. تُرى كيف يعترف كل من تحدّثه عن الفساد الجاري، ويوافقك مائة بالمائة، وإن كان زعيماً، ضليعاً في الفساد، وأنت بخير طالما تلجأ إلى التعميم، إنما بمجرد مساءلته: وأنت، ما موقعك في عالم فسادنا الكردي؟ سرعان ما ينتفض ويمتعض، وفي أهون الحالات يواري ويداري، سعياً إلى تبرئة نفسه من كل ما يعتبره نقصاً فيه: أو نقداً يوجَّه إليه، وليس تشهيراً طبعاً.
بناء عليه، أليس كيل المديح إلى شخص ما، إلى ما يكتبه، بمثابة تشهير معكوس؟ أليس في ذلك مهزلة من المهازل الجديرة بالتسمية،حيث يعظَّم نص ما، أو يجري تقييم أحدهم بما ليس فيه، وينال هو الآخر مديحاً، أو كلمة ” شكراً “؟
أيكون النقد التعريفَ بالنص والدخول في فذلكات لغوية، وإبراز براعة الكاتب فيما جاءت به كتابته: روعة التعابير، قوة الأداء اللغوي، جمالية التشبيه، بدعة الفكرة، جدة الأوصاف… إلى آخر الطواقم الجاهزة من الإنشائيات أو اللغو، ومن خلال مجموعة من الأمثلة، بعيداً عن الإتيان على ما تكونه بنية النص من تصدعات، أو ما يستبطنه من أوجه خلل، لا ” تعيبه ” إن سُمّيت، بالعكس، إن تسمية هذه ” الثغور/ الصدوع ” بمثابة إضاءة للجمالية الفعلية للنص، مثلما يجري نقد أحدهم سلوكياً، بأن فيه ما يجب التخلص منه. نحن هنا إزاء ثغر الجمال الواجب تأكيده!
تُرى، ما معيار النقد في الحالة التي يطالب فيها الناقد أن يكون ناقداً، ويتجنب الإشارة إلى ما يجب إبرازه سلبياً؟ ولا أكثر من النصوص الهابطة لدينا، بالعكس أيضاً، لا تكون النصوص هذه نصوصاً أدبية أو فكرية، حين تكون مهترئة في بنيتها العضوية، إن جاز التعبير، مثلما أنه لا يجوز تقييم أحدهم إذا كان مستغرقاً في الفساد والإفساد السلوكيين ومدمناً عليهما.
في باب التشهير: أن يُعمَد أحدهم إلى توجيه اتهام ما إلى آخر على أنه ” كذا “، دون الإتيان بأمثلة أو مستمسكات، أما أن يجري الربط بينه وما يكتبه وفي كل منهما ما يخل بالعلاقة، أي ما ليس في كل منهما، والتشديد على هذه النقاط السالبية، فهذا نقد وليس تشهيراً.
أترى الذي يتنقل زئبقياً من وضع إلى آخر، سلوكاً وكتابة، ويوجه سهام” نقده ” إلى هذا أو ذاك، وينسى من يكون، حين يجري تذكيره بما هو عليه يدخله في إطار النقد أم التشهير؟
أترى هذا السياسي الكردي الذي يتنقل من تصريح إلى آخر، وليس بين يديه ما يثبت أنه يقدّم ما هو مفيد لشعبه أو حتى لحزبه بالمفهوم الدقيق للاسم، وحين يذكَّر بذلك يدخله في نطاق النقد أم التشهير؟ هل يكون الكردي في معزل عن النقد، وينظَر إليه على هذا المستوى من التسطيح لا بل والاستصغار، ومن ثم الاستخفاف والمراءات، وسط هذا التدافع من الفساد، وما أن تتم تسمية أيٍّ كان سياسياً أم كاتباً، في هذا المضمار، حتى يتكاتف الاثنان، ويسعيان إلى تأليب الآخرين على ” الفاعل/ الجاني ” بوصفه مشهّراً؟ أإلى هذه الدرجة يَستخف المستخِف نفسه بنفسه أيضاً؟
في قصة لعزيز نسن، عن رجل شاهد رجلاً يقتل آخر، فهرع إلى أقرب مخفر بوليس، ودخل أول غرفة وهو لاهث الأنفاس، قائلاً: هناك جريمة قتل! فأعلموه أن ذلك ليس من اختصاصهم، لينتقل إلى الغرفة التالية فالتالية بعدها، وهكذا لم يجد من يتحرك من مكانه، ليخرج إلى الساحة صارخاً مندّداً بالأمن في البلد، فخرج جميع من في المخفر واعتقلوه.
هل وصلت الفكرة؟
دهوك، في 5-6/ 2017