شرف الاستفتاء وعار المناوئين

ماجد ع  محمد
“مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ”
قرآن كريم
كما غنى الفنان المصري علاء عبدالخالق يوماً “الحب ليه صاحب والكره ليه صاحب” فلا يختلف اثنانِ على أن للود ناسه وللبغضاء أيضاً ناسه، وكما أن للإنصاف مريدوه وطلابه كذلك الأمر للإجحافِ أتباعه وأزلامه، لذا فكما يلتقي بعضهم على الحق والحب والإباء، سيكون هنالك من يجتمع على الحسد والنكاية والشحناء،
ولعل ذلك التضاد القيمي ظهر جلياً في إجتماع رئيس إقليم كوردستان مسعود البارزاني يوم أمس الأربعاء مع قادة الأحزاب والأطراف الكوردستانية، لتحديد موعد إجراء الاستفتاء على الاستقلال في الإقليم والذي حُدِّد في يوم 25 أيلول من العام الجاري، وغياب حزبين كرديين، وذلك إن دل على شيء فهو يدل بوضوح على أن ثمة من يرفض حقاً شرّعته الأمم والشرائع الكونية والمواثيق الدولية لا لشيء سوى الإثبات بأن في كل مفرقٍ مصيري في حياة الأمة يجب أن يخرج إلى الناس بعضهم ليتبنوا عار تلك المرحلة بدون أي التباس. 
عموماً فالوعود التي كان قد قطعها على نفسه رئيس الإقليم فيما يخص الاستفتاء، وقبلها فيما يخص تحرير شنكال، وقبلها فيما يخص العمل على التطوير والازدهار بالرغم من كل قوى الشر التي تحيق بالإقليم، يذكرنا بما قاله أحدهم على أن “الرجل إذا وعد أوفى، وإذا تكلم صدق، وإذا اتخذ قراراً لا يتراجع عنه” كما أن القائد الصادق هو الذي يبدأ بنفسه في كل شيء يدعو له، ويطبقه على نفسه قبل غيره، وقد فعلها رئيس الإقليم حينما لم يكتفِ بالسهر مع بيشمركته في جبهات القتال، إنما جعل أولاده وأحفاده يقودون المعارك ضد تنظيم داعش كما كان القادة التاريخيين يحاربون الأعداء في مقدمة جيوشهم، وفي هذا الصدد، وفي هذه المحطة المصيرية والمشرفة من الجدير بالذكر إيراد ما قاله الدكتور أحمد خليل: “قدرُ أصحاب النفوس النبيلة أن يكونوا أبناء اٌلإنسانية المخلصين، ويجروا وحدهم عربة المهمات العظمى، وإن عزاءهم فيما يلقون من المتاعب والآلام أنهم يصنعون تواريخ الشعوب ومستقبلها، ويفجرون الإشراق في قلب الظلمة الحالكة”. 
وتماشياً مع قول الفيلسوف الصيني لاو تىسى: إن “خطة الحكيم في أن يعمل لا في أن يتعارك” وذلك حيث يُلاحظ في سياسة وسلوك حكومة الإقليم ورئيسها العمل بدون كلل، كما أنهم ومنذ بدء الحديث عن الاستفتاء والاستقلال وهم دائماً يُفضلون الجانب السلمي فيما يسعون إليه، ويحاولون قدر الإمكان تجنب إراقة الدماء، وكما يحاول الأخ الودود في أن يستقل عن اخوته من البيت  بكل ودٍ واحترام كذلك تفعل قيادة الإقليم، لذا تقرر يوم الأربعاء أثناء الإجتماع بشأن الاستفتاء تشكيل ثلاث لجانٍ لذلك الغرض، حيث ستقوم اللجنة الأولى بزيارة الدول العربية لبحث عملية الاستفتاء في إقليم كوردستان، وتشكيل لجنة ثانية لزيارة الدول الإقليمية، وتشكيل لجنة ثالثة وأخيرة لزيارة العاصمة العراقية بغداد لبحث عملية الاستفتاء في إقليم كوردستان، كما أن الإصرار لدى رئيس الإقليم في المضي قدماً بالمشروع المصيري من جهة أكده عضو المكتب السياسي في الجبهة التركمانية العراقية والنائب في برلمان اقليم كوردستان، أيدن معروف، في تصريحٍ لشبكة رووداو الإعلامية حيث قال:”كان رئيس إقليم كوردستان مسعود البارزاني، مصراً في إجتماع الأطراف والأحزاب السياسية على تحديد موعدٍ محدَّد لإجراء الإستفتاء على استقلال إقليم كوردستان”، كما أن الطريقة والاسلوب الودي في إجراء العملية من جهة أخرى ربما كان الدافع ليقول نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق، إن الأمم المتحدة ليست لها دور في عملية الاستفتاء في إقليم كوردستان إلى الآن، إلا أنه في حال تم توجيه دعوة رسمية بشأن الموضوع فإننا والقول لفرحان سنناقش الطلب بشكلٍ جدي.
كما أنه وفق آيدن معروف أن “السوال الذي سيطرح على المواطنين المشاركين في الاستفتاء سيكون: هل توافق على استقلال إقليم كوردستان؟ (نعم ـ لا)، وبما أن حركة التغيير والجماعة الإسلامية لم يشاركوا في الإجتماع المخصص لبحث موضوع الاستفتاء فهذا يعني بأنهم مسبقاً اختاروا كلمة (لا) ومن يختار كلمة (لا) للاستقلال من الكرد يعني بأنه إما صاغر ويطيب له أن يكون تابعاً خنوعاً ومذلولاً لدى الآخركسلطة بغداد ومَن يديرونهم عن بُعد، أو أنهم اختاروا (لا) من باب الحقد والحسد والنكاية لا أكثر، وعلى الاحتمالين يكون مكانهما المناسب الركون لابدين وللأبد في قاع سلة العار.
إذ وبعد كل عمليات الأنفال أي الإبادة الجماعية التي قام بها حزب البعث العربي الاشتراكي ضد الكرد عام 1988 والتي تسببت في استشهاد (182000) ألف انسان كوردي، والتي كانت الخطوة الأولى لإبادة المجتمع الكوردستاني ككل، وبعد حلبجة التي تعرضت للقصف بالسلاح الكيماوي من قبل النظام العراقي في عهد صدام حسين والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 5 آلاف شخص وإصابة ‏أكثر من عشرة آلاف من السكان المدنيين بجروحٍ خطيرة في غضون نصف ساعة ‏فقط، وبعد كل الجحيم الذي صبه العفالقة على كرد العراق ويأتي فوقها بعض الكرد الخاسئين ويرفضون العيش بإباءٍ في ظل الاستقلال ويحنون لسنوات الذل الركوع، فلربما من الأجدى أن نذكرهم بقول الشاعر أبو القاسم الشابي:  “من لم يعانقــه شــوق الحيــاة تبخــر فــي جوهــا واندثـــر، ومن لا يحب صعود الجبــال يعش أبــد الدهــر بيــن الحفــــر”.
عموماً فعن الكردي الذي يرفض العيش بشموخ بعد كل الذل والويلات التي ذاقها هو وأهله وجموع أقاربه، ويود بطيب خاطر أن يحمل عاره معه أينما حل وارتحل كعلامةٍ تدل عليه، وكعارٍ تاريخي يغدو وشماً لا يفارق جسده، فخير ما يقال بحقه هو أن ندعه مع ما ذهب إليه الشاعر الصيني باي داو*بقوله: “إن النذل يحمل سفالته فيما حوله مثل بطاقة هوية، ويحمل الرجل الشريف كرامته مثل نقشٍ على ضريح”.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…

بوتان زيباري   في قلب المتغيرات العنيفة التي تعصف بجسد المنطقة، تبرز إيران ككيان يتأرجح بين ذروة النفوذ وحافة الانهيار. فبعد هجمات السابع من أكتوبر، التي مثلت زلزالًا سياسيًا أعاد تشكيل خريطة التحالفات والصراعات، وجدت طهران نفسها في موقف المفترس الذي تحول إلى فريسة. لقد كانت إيران، منذ اندلاع الربيع العربي في 2011، تُحكم قبضتها على خيوط اللعبة الإقليمية،…