هل نحن الكرد عملاء 2/2

د. محمود عباس
ليس أقل من المقال في جنوب كردستان (الإقليم الفيدرالي) يجري في شمال كردستان، فكثرة الأحزاب مماثلة، وهي في عمومياتها يتبعون نفس النهج، كما وأن مواقعهما الجغرافية، وشكل السلطات الاستبدادية لا تغير من المعادلة شيئا، ففي هذا الجزء، الأحزاب متجهة إلى نفس المحاور، والتربة الاجتماعية التي خلقتها السلطات وعلى مر القرون الماضية مشابهة، لذلك فمصطلحاتهم بحق بعضهم، والتي تعكس جدلية التخوين والعمالة هي ذاتها. ففي الشمال تطفوا على السطح وبشكل دائم اتهام البعض، المتدرج ما بين العمالة لأردوغان أو الحكومات التركية السابقة، إلى خيانة الكرد بمسوغ التخاذل في الدفاع عن كردستان، أو الانتماء إلى البرازانية وحيث نهج الديمقراطي المتعامل مع السلطة التركية، والطرفين يتناسون منطق القوة عند العدو، وسهولة استخدام هيمنته، وتغلغله بيننا لعداوتنا بين بعضنا، وإضعافنا للكردي الأخر إلى أن يصبح سهلا للعدو استغلالنا معا. 
وهي ذاتها في شرق كردستان، والمصطلحات حتى ولو كانت أخف من الأجزاء الثلاثة الأخرى، لكنها بشكل أو آخر تظهر بنفس الصيغ الكلامية، وكتابهم ينجرفون إلى نفس السياق، وهو ما حصل في السنة الماضية على خلفية بعض التحركات العسكرية السياسية لإحدى الأحزاب في شرق كردستان، فبدلاً من توعية الحركة ومساعدتهم في دراسة الخطوة من كل جوانبها، وما هي قادمة عليها، وسلبيات وإيجابيات العملية، ومدى التدخلات الإقليمية فيها، ومصالحهم، والأجندات التي يودون الحصول عليها من خلالها، اكتفينا بسهولة المقال، ما بين التخوين والعمالة للقوى الإقليمية، أو التأييد على علاتها. 
 تبوأنا نحن في جنوب غربي كردستان في السنوات الماضية الأجزاء الأخرى في مصطلحات التخوين والعمالة وفي التلاسن، وتصدرنا الخلافات المصيرية، فتعمق كتابنا وإعلاميونا، وحتى قراؤنا، وشريحة واسعة من مجتمعنا، على خلفية الفوضى العارمة في المنطقة، ودخول الأطراف الإقليمية والدولية، في فوضى من الأفكار والتحليلات، إلى أن بدأنا نغرق ضمنها. فمن النادر الوقوف على رؤية سياسية أو مقال أو موقع أو صفحة اجتماعية دون أن يغلفها التهم والتلاسن والكلمات البذيئة، وفي أفضل حالاتها تجريد الأخر من الوطنية أو الهوية الكردية.  
   مجموعة حركة المجتمع الديمقراطي وعلى رأسهم ال ب ي د، ومعهم شخصيات إعلام الإدارة الذاتية يخونون مجلس الوطني الكردي والأحزاب المشتركة فيها بعمالتهم لتركيا، والتعامل مع المعارضة السورية التكفيرية العروبية، وهؤلاء يخونون ال ب ي د ومن يحوم في فلكهم بالعمالة للسلطة والانجرار وراء استراتيجية الهلال الشيعي، رغم ظهور أمريكا على الساحة العسكرية، وحتى أن البعض وكما قيل سابقا ينزعون عن حركة المجتمع الديمقراطي الهوية الكردية، ويتعمق البعض في تحليلاتهم بأنهم يخدمون بشكل غير مباشر أعداء الكرد بالقضاء على كردستانية المنطقة، تحت المصطلحات الأممية. 
  نحن هنا لسنا في واقع فرض الصمت على الأقلام، ولا الحد من الرؤى والتحليلات، بل بالابتعاد قدر الإمكان عن: السذاجة المستخدمة في النقد أو التهجم على بعضنا، والتي تبسط للأعداء عمليات تسخيرهم لنا. فبهذه الطرق والمصطلحات والتحليلات، والتهجم السافر على بعضنا، وغياب الحكمة في النقد، وضعف التوعية، أصبحنا جميعنا عراة أمام أنظار القوى الإقليمية والدول الكبرى، فكيف سيكون لنا وجه لعرض مطالبنا أمامهم، وخاصة على طاولة القوى الكبرى، وبأي منطق سنطلب منهم دعمنا لبناء كيان كردستاني، فهل بعد هذا نستطيع أن ندعي بأننا ديمقراطيون وحضاريون وعلى قدرة ثقافية-سياسية تامة لتسيير أمتنا؟! 
  معضلة وجودنا حتى اللحظة تحت الاحتلال، ليست في قوة العدو وحنكته، بقدر ما هي في عدم نضوجنا وضحالة قدراتنا الفكرية، وقصر نظرنا السياسي، للتمييز بين الخلافات الداخلية، والتي لها تأثيراتها السلبية قبل قدرة الأعداء على صراعنا مع القوى الإقليمية، فجميعنا لا نستطيع أن نضع ذاتنا في منطق إمكانية التعامل مع القوى الإقليمية بمستويات الاستقلالية في الرأي، والوقوف في وجههم دون تخوين الطرف الكردي الأخر، فلا نزال نتعامل بين بعضنا بالمنطق الذي ثقفنا به العدو، منطق الاستبداد، وسيادة الفكر الواحد، وإلغاء الأخر وتخوينه. 
  وعلى هذا المنطق نحلل ونقيم جميع علاقاتنا السياسية،  ولا نملك قدرة الرؤية السياسية والتعامل الدبلوماسي على سوية كيان كردستاني مستقل، وأن تركيا أو إيران أو إي دولة إقليمية، عدوة ليس لأنها تعادي ال ب ي د أو ال ب ك ك أو ب د ك أو الاتحاد، أي ليس فقط لأنها تعادي طرف كردي فمن المفروض على القوى الأخرى قطع العلاقات الدبلوماسية أو السياسية معها ومعاداتها، بل تتطلب دراسة توجهاتهم، وحراكهم السياسي والدبلوماسي في المنطقة، وندقق في تصريحاتهم الإعلامية فيما إذا كانوا يعادون الكرد، أم عداوتهم مع منظومة المجتمع الكردستاني، أو الديمقراطي، وهل نيات أردوغان أو أئمة ولاية الفقيه تجاري الواقع الجاري، ولهم رغبة بإعطاء الكرد حقوقهم بعد الانتهاء من العمال الكردستاني أو ال ب ي د أو تقزيم حكومة الإقليم الفيدرالي؟! فالدخول معهم في حلف أو السير وراء استراتيجيتهم، ومساعدتهم لضرب مكتسبات جنوب كردستان أو جنوب غربه، أو الانتهاء من ال ب ك ك ونضاله في الشمال، أو إسناد المد الشيعي على أمل أن يكون الخير فيهم أكثر من تركيا، أو بالعكس، يجب ألا تكون على خلفية معاداة الطرف المتعامل على حساب الطرف الأخر المخالف معه، علما أن خلافاتنا معظمها ناتجة من هذه التحالفات الخارجية، وهي تعكس وحتى اللحظة على عدم نضوجنا السياسي والدبلوماسي، وضحالة معرفتنا لتقييم أسبقية القضايا بالنسبة لمستقبلنا.
  ونحن كحركة كردية كردستانية ثقافية أو سياسية، نعاني بشكل أو آخر من نقص ما، تصل حدود الوباء، ولعدة أسباب، وأهمها تشربنا الثقافة التي فرضتها علينا السلطات الشمولية، ومن الواضح أننا لا نعمل بالشكل المطلوب على معالجة الذات من آفات الماضي، وبالتالي لا نتمكن ونحن على هذه السوية تقييم المثقف أو السياسي الآخر، فما بالنا بالمجتمع، وبالتالي تستمر التوجهات الخاطئة، والتي يستغلها العدو، وينميها لتسيير أجنداته، ولا نعمل على تنمية الثقة بالذات، والتي هدمتها السلطات الإقليمية الاستبدادية وعلى مر القرن الماضي، بل وأكثر، لا نركز اهتماماتنا على تحرير حركتنا ومجتمعنا من منطق التخوين أو العمالة للقوى الإقليمية، والأغرب معظمنا يشارك بشكل أو آخر في توسيع الشرخ، وتأجيج الخلافات.
 استقلالية الرأي، والبناء عليه، تبعدنا جميعا من مصطلحات التخوين، وبالتالي تسهل بيننا منطق التحاور، أو على الأقل توقيف التلاسن، وعلينا جميعا أن ننتبه وندرك أننا عندما نخون الكردي الأخر، نكون قد خونا ذاتنا أولا، وكل تهجم ينطبق على صاحبه قبل الأخر، ولعدة أوجه منها أن نفس التهم سيتلقاها من الطرف الأخر، ولأننا كشعب مستعمر، وبجغرافية محتلة، فكل الاحتمالات مدرجة، والجميع في نفس المستنقع. ولربما قبول البعض على بعض المحاور خير مخرج للتحرر من هيمنة الأعداء، والقدرة على التعامل معهم بنفس سويتهم، خاصة ونحن الأن ككرد، بديمغرافية وجغرافية ندرج ضمن الاهتمامات العالمية. لهذا علينا أن نتعلم التعامل بالمنطق الديمقراطي، لنبين للدول الكبرى أننا كشعب وحركة سياسية ثقافية قادرين على تسيير كيان سياسي مستقل، وعلى مستوى كردستان محاط بعدة دول شمولية السلطات، فكلما قلت مصطلحاتنا التخوينية، وإبداعاتنا في اتهام بعضنا، ستقل حركة ألسنة العالم التهكمية تجاهنا، وحينها سيكون من السهل وضع حد لكل من يخترع تهمة بحقنا، أو يدرجنا إلى خانة العمالة لإسرائيل أو السعودية أو تركيا أو إيران.  
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
6/7/2017م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…

بوتان زيباري   في قلب المتغيرات العنيفة التي تعصف بجسد المنطقة، تبرز إيران ككيان يتأرجح بين ذروة النفوذ وحافة الانهيار. فبعد هجمات السابع من أكتوبر، التي مثلت زلزالًا سياسيًا أعاد تشكيل خريطة التحالفات والصراعات، وجدت طهران نفسها في موقف المفترس الذي تحول إلى فريسة. لقد كانت إيران، منذ اندلاع الربيع العربي في 2011، تُحكم قبضتها على خيوط اللعبة الإقليمية،…