ابراهيم محمود
يمكن لأي كان أن يلاحظ وجود مؤسسة عسكرية بشكل مكثف في إقليم كوردستان، في تفرعاتها المختلفة، كما يمكن لأي كان ألا يلاحظ وجود أي مؤسسة عسكرية في إقليم كوردستان. كيف يحدث هذا؟ لعل الكلمة الضائعة هي في عدم وجود خدمة عسكرية إلزامية في الإقليم .
في وسع أبسط متابع الرد قائلاً: ووزارة البيشمركة، والأسايش والزيرفان، والفروع الأخرى من أجهزة الضبط الإيديولوجية للسلطة في الإقليم كيف تقيَّم هنا؟
ربما كان الجواب أبعد مما تقدَّم، وأعمق مما أشير إليه، رغم إمكان الحديث عن التواجد العسكري في إقليم كوردستان، أنّى التفت المرء. إنما من أين يكون الأمان دونه ؟
ما يجب التنويه إليه، هو أنه يكاد المطبَّق في الإقليم على صعيد البناء المؤسساتي العسكري فالأمني، يختلف عن مجمل الأنظمة العسكرية في الدول المجاورة، لا بل وأنظمة الشرق الأوسط مجتمعة إجمالاً، على مستوى الصلات بين المجتمع الذي كثيراً ما يشار إليه في مكونه العشائري، وهو موجود طبعاً، وأفراد المجتمع بالذات، أي ترك المرء حراً في خياراته: أن يذهب إلى الجيش ” البيشمركة : البديل “، أو أن يتطوع، حيث الخيار مفتوح، ولكن النظام العسكري مختلف، ولعل السؤال المباشر هنا، هو: كيف يمكن لإقليم يتعرض لتهديدات مستمرة، من الدول المجاورة، ولا يلزم ممن بلغوا سن الخدمة ، من الذكور قبل كل شيء، بوجوب أداء ” خدمة العلم ” لزمن محدود، كما يقال ؟
ذلك سؤال يتطلب الكثير لمعرفة جوابه، إلا أنه، وبعيداً عن الاسترسال في القول، يمكن التأكيد على أن هذا الخيار يقرّب المرء أكثر من مجتمعه، من وطنه، ومن مفهوم: الدفاع عن البلد، ولا أدل على ذلك من طابع الأمان الموجود، ومن اليقظة الأمنية اللافتة لحماية المجتمع، وربما تقدير هذا الجانب فوق كل تقدير في ضوء الراهن طبعاً.
وربما الذي يعيش مثل هذه الحالة هو الأٌقدر على تشخيصها وإضاءتها من الداخل قيمياً.
ذلك يحفّز على السؤال عما يمكن لأي منا أن يقوم به، أن يفكّر فيما يجري وهو أكثر مرونة، أن ينظر فيما حوله في البلدان المجاورة، وطريقة التعامل مع بالغي مثل هذا السن، وكيف يتم السَّوْق، وما في ذلك من ضغط نفسي، وتداعيات نفسية وغيرها.
ذلك، يقرّب المجتمع في هذه الناحية من المجتمع المدني، ذلك ينشط في النفس الكثير من القوى التي تشد المرء إلى المكان، إن حكّم ضميره، أو وجدانه، ذلك يستدعي النظر فيما يجري، واعتبار المحقَّق، رغم إمكان القول بوجود سلبيات، من المكاسب الكبرى، وأن ترجمة الحرص على بقاء هذه المكاسب تمر عبر بوابة وعي على مستوى الإقليم وأكثر، والسعي ما أمكن إلى الارتقاء به. وأظن أن الاستفتاء يمثّل التعبير الأوفى عن هذا الانتماء، وعن هذا الرابط الروحي مع المكان وأهل المكان، وهو حرص أعتقد أنه يتأكد أكثر لمن يحتفظ ولو بقليل من النباهة، وهو ينظر في محيطه الجغرافي والتوترات الحاصلة، أليس كل ذلك مدعاة لأن يمثّل المنتمي إلى الإقليم، ومن يرى في نفسه تلك الرابطة الكردية عموماً. أن يمثّل مثل هذا الحرص الذي يعنيه قبل أن يعني وطنه، بلده، مؤسسته، مورد رزقه، ويعمّق هذا الأمان القائم، أم تراها القوة المفروضة من فوق، كما الحال هنا وهناك، هي التي تعلّم كيف يكون الارتباط بالأرض بمن عليها وما عليها، كيف يبقى الوطن محمياً وأكثر استقلالية ومضاء سيرة في العالم ؟
دهوك، 21-7/ 2017