ورثة حلف بغداد يستفيقون على ايقاع الاستفتاء

افتتاحية جريدة المساواة*
بعد أسابيع من الضغط والتهديد , تنفس الكرد الصعداء , ورفعوا أيديهم من على قلوبهم مع نهاية يوم الخامس والعشرين من أيلول 2017 , وسط عرس جماهيري وشعبي لم يشهد له مثيلا , في شبه تحد أمام استهداف إرادة شعب تواق إلى حرية طالما حرم منها وعانى من ظلم تاريخي مارسه بحقه نفس المهددين له .
وما إن قال أبناء شعب كردستان كلمتهم وصوتوا بنعم لاستقلال كردستان بنسبة كبيرة فاقت توقعات البعض وبشكل حضاري وديمقراطي , لم يسجل خلالها أية مخالفة تذكر أو ما يسئ إلى الجو الاحتفالي الذي ساد معظم مراكز الاقتراع , حتى تصاعدت نبرة التهديد والوعيد من دول الجوار المحيطة بكردستان ومن بغداد بشكل هستيري وضعت كل العهود والمواثيق الدولية والقيم الإنسانية جانبا ووصلت بها إلى التهديد بتجويع شعب كوردستان وعلى لسان رئيس الجمهورية وقمة الهرم في أنظمة هذه الدول بعيدا عن السلوك والعرف الدبلوماسي ,
وسارعت حكوماتها ورثة حلف بغداد السيء الصيت إلى عقد لقاءات للبحث في كيفية معاقبة وخنق شعب قال كلمته , هذا الشعب الذي شهد له العالم بأنه كان عامل استقرار في المنطقة والسد الذي انكسر أمامه شوكة الإرهاب , واحترم لصالح الآخرين والعلاقات معه , ليتحول بين ليلة وضحاها إلى حقل رمي لهؤلاء الذين لا يجمعهم إلا فكرة العداء للكرد وطموحاتهم وحقوقهم المشروعة أمام صمت من المجتمع الدولي أو موقف خجول هنا وهناك منه.
وأمام هذا التصعيد والوعيد اتسم موقف قيادة اقليم كردستان بالهدوء والاتزان ولم ينجر إلى ردود أفعال مماثلة متمسكا باحترام إرادة شعب كردستان والالتزام به , داعيا المعنيين وخاصة حكومة بغداد إلى الكف عن هذه السياسة واللجوء بدلا منه إلى حوار جدي يطوي صفحة المشاكل التي وقفت عائقا أمام انجاز الشراكة الحقيقية التي انشدها الشعب العراقي عندما صوت للدستور الفدرالي عام 2005 وانتهاج السبل الكفيلة لبناء أفضل العلاقات المستقبلية على قاعدة التفاهم والتعاون كجيران تربطهم أواصر الأخوة والتاريخ والمصلحة المتبادلة , ومطمئنا دول الجوار إلى أن الاقليم سيبقى كما كان عاملا مساعدا للاستقرار وان الاستفتاء ونتائجه لا يتجاوز بطموحه حدودهم التي تضم أجزاء من كردستان , كما أعرب عن احترامه للتنوع المجتمعي والاثني والديني في الاقليم وسارع إلى إصدار مسودة وثيقة سياسية لضمان حقوق المكونات قبل إجراء الاستفتاء .
إن ما شهده العالم خلال السنوات الأخيرة من تطورات دلت بوضوح على انتهاء صلاحية الدولة المركزية في العديد من البلدان التي وجدت في الديمقراطية خصمها , كما دلت في نفس الوقت على صعود الهويات التي عاشت الإقصاء والتهميش , وأصبحت مسالة استغلالها مطروحة على جدول أعمال بلدان حتى في أوروبا التي نشهد لها باحترامها حقوق الأفراد والجماعات إلى حد بعيد , الأمر الذي يضع العالم في موقف حرج أمام إرادة الشعوب التي تريد التعبير عن ذاتها بالوسائل الديمقراطية ويتطلب منها احترام هذه الإرادة والوقوف إلى جانبه , ولعل استفتاء اقليم كردستان جاء بمثابة النموذج عن هذا الواقع خاصة وان الكرد يمثلون اكبر قومية حرم من حقوقه ومن بناء دولته المستقلة أسوة بشعوب العالم  وهذا ما يضع قيادة اقليم كردستان أمام تحديات كبيرة داخلية واقليمية ودولية .
وإذا كان يكتب بهذه القيادة واقعيتها ودبلوماسيتها الهادئة مع الحدث ومفرزاته فان حساسية المرحلة يستدعي منها المزيد من الحكمة والمزيد من الإصرار والثبات لتحقيق ما يتطلع إليه شعب كردستان وضحى في سبيله بأغلى ما يملك .
*الجريدة المركزية لحزب المساواة الديمقراطي الكردي في سوريا

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…