برشلونة تغلب مدريد بالضربة القاضية

ابراهيم محمود
ربما يشكّل هذا اليوم : الجمعة ” 27 – 10/ 2017 ” انتكاسة الاتحاد الأوربي، وانتهاء شهر عسله الطويل نسبياً بعد إعلان ولادته قبل عشر سنوات، رغم أن بريطانيا أعلنت خروجها منه، إلا أن إعلان كاتالونيا استقلالها عن كيان دولة: إسبانيا في هذا اليوم، ليس كإعلان انسحاب دولة من الاتحاد، وهذا يعني أن مفهوم ” الاتحاد الأوربي ” لا يعني زواجاً كاثوليكياً، فهاهي كاتالونيا الكاثوليكية تعلِن طلاقها من ” زواج سياسي ” بالقوة تم على يد فرانكو سنة 1939.
لقد كان التقابل بين مظاهر البهجة بالاستقلال في وجوه الكاتالونيين: بدءاً من البرلمان وهم يهنّئون بعضهم بعضاً، وانتهاء بالشارع الواسع والطويل حيث الكم الهائل من الكاتالونيين وهم يرفعون علمهم عالياً هاتفين باسم كاتالونياهم وولادتها المنشودة، وفي الطرف الآخر يظهر كارليس بوتشيمون الكاتالوني معتداً بمنجزه السياسي ضد رئيس الحكومة الإسباني المتشدد نسبياً ماريانو راخوي، تأكيداً على أن إرادة شعب ما لا يقهرها طغيان سلطة ومركزية قوة محورية، على أشد ما يكون من المفارقات، حيث اسبانيا لم تعد اسبانيا اليوم لم تعد اسبانيا قبل ساعات.
في العمق سوف تأخذ السياسة بأهواء اللاعبين ومحبّي كرة القدم، فالسياسة ذاتها كرة قدم، سوى أن محرّك اللعبة مختلف، إلا أن المهارة تجمع بين الجهتين، فبرشلونة: الفريق سوف يرفع من شأن برشلونة عاصمة الإقليم الأمس/ الدولة اليوم. وسواء حدث انقسام في صفوف معجبي كرة قدم البرشلونية أم لم يحدث، فإن الاسم اكتسب رصيداً تاريخياً من نوع آخر، وبات المتوسط الذي يحد كاتالونيا من الشرق حيث الشمس المشعة أكثر جاذبية للدفع بالدولة الحديثة النشء إلى دخول عالم على مقياس أحلامها، أحلام شعبها ذي السبعة الملايين ونصف ونيّف، وقدراتها الاقتصادية: ثروات وكفاءات وموقعاً، وما في ذلك من يوم مأتمي لمدريد وبلبلة لسانها إزاء هذا الحدث الذي لا يعرَف إلى أي مدى سيكون التأثير سلبياً عليها من جوانب مختلفة، وما يترتب على هذا الإعلان الكارثي لها من انتقال عدوى المطالبة بالاستقلال لأقاليم أخرى فأخرى لا بد أنها تنبهَّت في الجسد الأوربي المحموم من اسبانيا مرة أخرى: الباسك، إلى إيطاليا، إلى بلجيكا، إلى فرنسا فبريطانيا….ألخ، حيث إن الشعوب عندما تتحمس لنيل استقلالها لا تبحث عن المصاعب التي تنتظرها أو ستواجهها طالما أن ذل عبودية سلطة الحاكم مهما أفصحت عن نعيميتها، هو الدافع الأكبر على فعل الانفصال فالاستقلال، أليس هذا ما اعتمده إقليم كردستان؟
تبقى حكمة مُرَّة جديرة بالتذكير، وهي أن الكاتالونيين خرجوا بشبه إجماع مبتهجين بولادة دولة تعنيهم، خلاف الجاري في إقليم كردستان، إذ ربما نكسته الكبرى التي أعاقت فرحة التعبير عن هذه الاستقلالية والتحرر من ربقة سلطة مركزية طاغية بأكثر من معنى، كانت كردية العلامة.
تُرى، هل هؤلاء الذين يصافحون عدو شعبهم المسفوك دمه، أحرار من الداخل، ليقدّروا فظاعة المردود، وهول المعاش والجاري ضد كردهم، بل ضدهم بالذات، إن امتلكوا وعياً بذلك.
دهوك، في 27 -10 / 2017  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…