أحمــــــــد قاســـــــــم
لاشك أن الأزمة في سوريا أخذت منحى آخر, وكأنها أصبحت في دائرة مفرغة يصعب الخروج منها في ظل التناقضات الدولية والإقليمية, وأن المعارضة هي أيضاً تدور في فلك هذه التناقضات, والتنظيمات الإرهابية تنتعش يوماً بعد يوم مع يأس الشعب لمواجهة الحالة المقرفة التي طغت على المشهد العسكري والسياسي, وكذلك النظام الذي ساهم بشكل كبير في إيصال الوضع إلى ما تعاني منها سوريا اليوم يحاول الخروج من الدوامة إعتماداً على المشروع الروسي, والذي هي بدورها وكأنها وصلت إلى مبتغاها من خلال توقيع العديد من الإتفاقيات العسكرية والإقتصادية والأمنية مع النظام في دمشق تسمح لها في البقاء عسكرياً على أرض سوريا لمدة 49 سنة قابلة للتمديد بموافقة الجانبين…
إلا أن الذي لا يمكن التوافق عليه تلك الأطراف المتنازعة على أرض سوريا هو الموقف الإيراني الذي يتناقض في جوهره مع كافة الأطراف ومصالحها الأمنية والإقتصادية ( إقليمية كانت أو دولية ). كون الحكومة الإيرانية تذهب أكثر ما تبتغيه الأطراف المتصارعة من النتائج التي يجب أن تنتجها الأزمة في سوريا حسبما تديرها تلك الأطراف, وتحرك الأزمة باتجاه يتوافق مع مصالحها مع الأخذ بعين الإعتبار مصلحة الشعب السوري بمكوناته المتعددة وتحقيق هامش من الحريات التي لا تتعارض مع تلك التوافقات التي قد تصل إليها الأطراف الدولية والإقليمية. حيث أن تواجد العشرات الآلاف من ميليشيات شيعية ( إيرانية وأفغانية وعراقية ) إلى جانب ميليشيات حزب الله اللبناني والتي في مجملها تدار من قبل خبراء عسكريين إيرانيين, تكاد تكون قوة إحتلال مشروع لطالما أن النظام في دمشق إستنجد بهم للدفاع عنه في محاربة قوات المعارضة المسلحة, وبالتالي تطورت الحالة إلى نزاع طائفي بين السنة والشيعة, وكأن عدوى العراق المذهبي تجاوزت الحدود لتعدي الشعب السوري وتقسمه مذهبياً, والتي لايمكن إيجاد حلول وتسويات لها لطالما أن الحكومة الإيرانية تقف وراء نشر هذه العدوى في المنطقة منذ إستلامها للحكم في إيران. وبالتالي فإن التناقض الحاصل بين المواقف والمصالح الدولية والإقليمية من جهة, وفي الجهة المقابلة مآرب ومبتغى الحكومة الإيرانية التي تتناقض إلى حدٍ بعيد مع مآرب ومبتغى تلك الدول هي التي تعقد الأزمة وتوصلها إلى أفق مسدودة… وكانت مخرجات محادثات ( آستانة ) مؤخراً وإمتعاض إيران وعدم رضاها من تلك المخرجات دليل قاطع بأن إيران ترفض أية حلول من شأنها تغيير النظام وأركانه, ومن ثم بناء نظام ديمقراطي توافقي يحترم حقوق كافة المكونات على أساس مخرجات جنيف1+2 وملحقاتها.
يبدو أن روسيا هي أيضاً وصلت إلى حد, يجب عليها وإنطلاقاً من مصلحتها أن تخطو نحو إيجاد مخرج للأزمة لطالما أنها حققت مصالحها كما أسلفت, لكنها تبحث عن دافع يدفعها نحو المخرج من دون المساومة على تلك المصالح التي تم تحقيقها, والتي كلفتها ثمن باهظ. وكذلك تركيا, هي الآخرى التي تبحث عن أسباب التوقف عند الأمكنة التي تمت السيطرة عليها وعدم التعمق نحو العمق السوري عسكرياً قد تلحقها أذى وهي لم تحسب لها حساب, وبالتالي فهي تبحث عن أي مشروع يقتضي بوقف الحرب مبدئياً بعد عملية سحب مقاتلي المعارضة من الأحياء الشرقية من مدينة حلب بالتنسيق مع روسيا ضمن صفقة سياسية . ومن هذا المنطلق كان الإتفاق الثلاثي الذي تم التوافق عليه في أنقرة, ومن ثم محادثات ( آستانة ) بين المعارضة والنظام وبإشراف ( روسيا وتركيا ) إلى جانب تواجد الوفد الإيراني على الطاولة.. لكن إيران كانت سبب عدم تطبيق قرار وقف إطلاق النار من خلال عدم إلتزام ميليشياتها بقرارات ( آستانة )…
جاء إعلان الرئيس الأمريكي ( دونالد ترامب ) فور إستلامه الإدارة الأمريكية بشأن إقامة مناطق آمنة في سوريا بمثابة خلط كل الأوراق من جديد بعد أن تحركت الدبلوماسية الدولية ومحادثات ( آستانة ) مع تحديد موعد للقاء جنيف في 8شباط … حيث كان من المزمع عقد لقاء بين كافة أطراف المعارضة السورية في موسكو في يوم 2712017 لتشكيل وفد موحدة منها إلى جنيف ومناقشة مسودة الدستور التي تم صياغتها من قبل خبراء الروس القانونيين.. إلى أن إعلان ترامب على أنه سيعمل على إقامة مناطق آمنة في سوريا… كانت مفاجئة لكل الأطراف وخلق إرتباكاً دولياً وإقليمياً, كون الإعلان لم يشمل التفاصيل والأطراف التي يمكن الإعتماد عليها لتنفيذ المشروع… مبدئياً وافقت تركيا على القرار مؤكدة على أنها كانت تطالب في ذلك منذ 2012 إلا أن الأطراف الدولية منعتها.. لكنها ومع تأييدها لقرار ترامب إلا أنها مرتبكة هي الآخر, لكنها على ما يبدو حجزت شكوكها وتساؤلاتها في ( العنق ) تاركة تلك للأيام القادمة قد تتوضح الأمور أكثر. وكذلك روسيا أبدت موافقتها مع بعض التحفظات كعادتها في ممارسة دبلوماسياتها ( الخشنة ) حيث إشترطت على أن تنفذ المشروع بموافقة النظام في دمشق.. أما النظام في دمشق فهو يتناغم مع الموافقة الروسية, وأراد أن يحدد الهدف من إقامة مناطق آمنة على أنها ستكون ملاجيء آمنة لؤلائك الذين سيهربون من المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية, يبعد في ذلك الشبهة عن نفسه و دوره الأساس الذي أشعل النار ولا يطفيء إلا بالقضاء على المعارضة المسلحة, وبالتالي فرض شروط الإستسلام على المعارضة السياسية, حسب فهمه.
لكن لو دققنا النظر بمنظور عسكري على التوزع الجغرافي لقوى مسلحة في سوريا لرأينا أن سورية باتت مقسمة بين العديد من القوى المتمكنة على الأرض لا يمكن إزالتها بأي حال من الأحوال وهي:
مناطق سيطرة النظام… ومناطق تحت سيطرة المعارضة المسلحة… ومناطق تسيطر عليها تنظيم ” داعش ” … وتبقى المناطق الكوردستانية التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب التابعة لحزب الإتحاد الديمقراطي ( الكوردي )…
ومن دون الدخول في تفاصيل كل منطقة, نرى بأن سوريا قد تقسمت عسكرياً, وأن الهجرات الكبرى قد حصلت في مناطق الإشتباك, إضافة إلى التهجير القسري الذي قام به النظام في العديد من المناطق السنية, وكذلك تلك التي إستهدفتها التنظيمات الإسلامية في العديد من المناطق بهدف التغيير الديموغرافي للسكان, مما خلق إحتقاناً خطيراً لدى المكونات تجاه بعضها البعض. وأن أي حل للأزمة السورية لايمكن أن يرى طريقاً له من دون إزالة ذلك الإحتقان, وكذلك من دون عودة المهجرين إلى مناطقهم الأساسية من سوريا. وأعتقد أن أي حل مع بقاء هذا النظام الذي أنتج كل الأسباب التي أوصلت بسوريا إلى هذا الوضع المؤلم قد يكون صعباً من دون قرار دولي صارم وملزم يرضي الشعب السوري بكافة مكوناته.. وقد يكون مستحيلاً.
ومن خلال هذا المنظور, لو عدنا إلى قرار الرئيس الأمريكي من جهة إنشاء المناطق الآمنة, يدفعنا إلى أن نتسائل: الجهات التي يمكن المشاركة في تنفيذ القرار, والمناطق التي يمكن أن تقام فيها على أن تكون مناطق آمنة ومحمية من أي عدوان أو هجمات برية كانت أو جوية, سنرى أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تقوم بمفردها إعتماداً على قواتها العسكرية وبهذا الحجم الكبير. ولكي نتمكن من التقرب إلى الواقعية العسكرية والسياسية من جهة التنفيذ, أعتقد أنه لا بد من مشاركات إقليمية والتي لها مصلحة في فرض الحلول لهذه الأزمة تتوافق وتطلعات الشعب السوري إلى الحرية والكرامة, وبالتالي إعادة الإعتبار للشعب السوري وإحساسه بأنه قد أعاد له إرادته ليقرر مصيره بنفسه بمساعدة دولية… قد يرشح تلك الدول الإقليمية مثل المملكة العربية السعودية والأردن وتركيا, وكذلك مصر إلى جانب تواجد أوروبي ملفت مع الولايات المتحدة وبتوافق روسي كونها أصبحت طرفاً في الصراع على الأرض إلى جانب النظام وكذلك في المستوى السياسي والدبلوماسي. وكذلك تلك القوى من ميليشيات الشيعية التابعة للحكومة الإيرانية كما أشرت عليها سابقاً, وهي ترشح إيران لتكون مشاركة في إعداد الورقة السياسية التي ستدفع بالولايات المتحدة لإقامة هكذا مناطق آمنة.. كل ذلك, ولأسباب عديدة قد تدفعنا لنتكهن ما يحمل المستقبل من مخاوف قد تكون أكثر عنفاً عن ما شاهدناه حتى الآن. ولطالما أن الحكومة الإيرانية مستمرة في مشروعها التوسعي في العراق وسوريا, فهل ستسمح بإقامة هكذا مناطق تقف عائقاً أمام تنفيذ مشروعها التي تعتبر أن ذلك يحدد الجبهة الأمامية للدفاع عن الثورة الإيرانية؟
وفي غياب مخطط جغرافي, وعدم الإشارة إلى الأطراف المشاركة لإقامة تلك المناطق والغاية منها, مع عدم تحديد أهميتها العسكرية والسياسية في ظل وقائع ومؤشرات تظهر بأن المنطقة برمتها في حالة الإجهاض العسير, وأن سوريا ليست إلا بداية لإجراء تغيرات عميقة في أنظمة الحكم لدى العديد من الدول, حيث أن العراق ومنذ سقوط الدكتاتورية حتى اليوم لم يستقر لاسياسياً ولا أمنياً, والسبب في ذلك هو التدخلات الإقليمية في شأنه الداخلي لأسباب عديدة. نفهم من ذلك بأن الأزمة في سوريا اليوم ليست داخلية, وهي تتأثر بشكل فاعل بالمحيط الإقليمي, عدا عن أن روسيا والولايات المتحدة لعبتا دوراً فاعلاً في تأجيج الصراع من دون أن تتفقا على إيجاد حلول مناسبة وعزل سوريا عن المؤثرات الإقلية, والتي هي قد تكون بعيدة المنال.
إذاً, المناطق الآمنة التي يمكن أن تقام ” هذا إن أصرت عليها أمريكا في قادم الأيام ” أعتقد ستتوزع بين شمال حلب ( المناطق التي وقعت تحت سيطرة درع الفرات بدعم تركي ). ومنطقة الجزيرة تلك التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب بدعم أمريكي. وكذلك المنطقة الجنوبية التي تسيطر عليها الجيش الحر والمعارضة المسلحة وستدعمها لوجستياً كل من الأردن والولايات المتحدة. تبقى محافظة أدلب وقسم من الريف الغربي لمحافظة حماة وحمص تحت سيطرة المعارضة المسلحة وهي خارجة عن الأمان. منطقة سويداء محايدة من الدروز. إضافة إلى مناطق سيطرة النظام وداعش التي قد تكون ملتهبة في قادم الأيام.. إذا, ثلاثة مناطق آمنة ستكون محمية دولية ( الشمال والجنوب والشرق ) أما الباقي ستبقى فيها الحروب الطاحنة ضد الإرهاب وكل الفصائل والكتائب والمنظمات التي لاتخضع لقرارات دولية على أقل تقدير.
أعتقد بهكذا مشروع سنرى بأن سوريا أصبحت منطقة ” محمية دولية ” الهدف منها ليست سوريا فحسب, بل ستكون بداية لبدء تغيير دراماتيكي في المنطقة سيشمل الإقليم بالكامل, وقد ستنتج إزلة لبعض الخرائط أيضاً.. أما المملكة العربية السعودية وقطر ستشارك في تقديم الدعم اللوجستي لتلك المناطق وكذلك لتسوية الوضع في اليمن من خلال إقامة مناطق آمنة هناك أيضاً كما ذكرها الرئيس الأمريكي ( دونالد ترامب )… في ظل هذه الأجواء الملبدة بغيوم سياسي لا أعتقد أن ينتج لقاء جنيف في 20 من هذا الشهر بأي تقدم لا سياسيا ولا عسكرياً لطالما أن المشروع الأمريكي لم يستوي بعد ولم يخرج من المطبخ .
2/2/2017