يوسف بويحيى (أيت هادي شيشاوة المغرب)
لقد إستنزف مفهوم الديموقراطية طاقات ذهنية كثيرة مند النشأة في العصر الإغريقي اليوناني إلى يومنا هذا ،تاركا وراءه إشكالية المفهوم التاريخية والمفاهيمية و الصيرورة السوسيوسياسية ،حيث لم يكن لميلاذها ثأتير إيجابي على السياسة الإغريقية و الحياة الإجتماعية و ذلك بإعتبارها وليدة الأرستقراطية الحاكمة أندآك ،لكن سرعان ما تغير معنى المفهوم في الحقبة السقراطية (سقراط) و إتخدت فكرا تنويريا أساسه الفضيلة الإنسانية يستمد بنيته الحجاجية من منطق العقل الجمعي للإنسان ،وكانت لهذه النظرة نظرة معادية محافظة من التيار الديني الكنيسي و النخبة السياسية الحاكمة ،حيث كان سقراط أول الضحايا لمفهومه العقلاني التبشيري ،لم يلبث جامدا بل توالت التطورات و بقي المنظور السقراطي مجرد تصور ميتافيزقي يتداوله الإعلام الرسمي لكل أنظمة العالم إلى عصرنا الراهن.
لم يستطع “فريدريك هيگل” أن يخفي خلفيته الفكرية إزاء المفهوم الديموقراطي السياسي ،حيث تغنى على أمجاذ العرق الجيرماني و كذى اللغة الألمانية الأصيلة المحررة لدولة مبنية على دستور هيگلي خالص ،لم يراعي هيگل القوميات الأخرى بالرغم من أنها ألمانيات الهوية ،الشيء الذي نتج عن ذلك إنشاء ديموقراطية قومية أحادية أصولية بالرغم من أنها لا تمثل سوى الأقلية أمام مجموع الأقليات المقصية الأخرى ،لم يخرج هذا عن التجربة اليونانية في عهد السفستائيين و بطليموس و باميندوس.
لم يلقى نسق هيگل قبولا كبيرا لأن العالم كان في حاجة ماسة إلى مفهوم عالمي إنساني أكثر مما هو قومي محلي ،الشيء الذي كان ينظر له “كانط” قبله ،لكن سرعان ما إتضح له أنه أبعد من المستحيل .
إن منظور “سارتر” الديموقراطي كان له وقع يسعى به إلى الوجود أولا ،ونشأة الوجودية السامية ،لقد إستطاع من خلال وعيه الهوياتي و التاريخي من شق مجرى آخر كغيره من المفكرين القوميين ،ذلك ما أبان على خفايا المفهوم حقيقة التجربة في الأنظمة مند عصر اليونان ،حيث لم يستغرق “سارتر” سوى سؤال واحد :إذا كان اليهود هم الأغلبية في سكتلندا فلما هم ليسوا الحاكمين ؟؟؟ ،لقد لسع بذلك حقيقة المؤامرة الخفية ضد الوجود اليهودي الذي كان يسعى له هو و ” ألبير كامو” ،وليس ما كنا ندرسه على سارتر في المدرسة ،كما أبان سؤاله على ضعف عدة إديولوجيات مزيفة لمفكرين أملؤوا العالم ضجيجا أمثال “ديفيد هيوم” و”ابن رشد” و ” لالاند” و “فولتير” ….،كانت للديموقراطية السارترية صرخة زعزعت الأنظمة العالمية خصوصا الأوروبية و الإسلامية ،و كأنها باتت تدق ناقوس الخطر على الإستقرار النخبوي الذي كان معظمه يرتوي من الفكر المسيحي الصليبي المعادي للسامية اليهودية آنذاك ،حيث نظر سارتر بمولود جديد للديموقراطية مما جعل من مقولته الشهيرة “الجحيم هو الغير” آية مقدسة لذى الطائفة الموالية له بعد ذلك ،إلى أن تحققت نبؤته في التجارب السياسية السوڤياتية .
لقد عرف العالم صحوة كبيرة في فهم مفهوم الديموقراطية بشتى أنواعها المختلفة من حيث الوعي القومي و الوطني و الطبقي ،وبذلك أصبح الشارع السياسي منقسما إلى قوتين مهيمنتين على العالم بديموقراطتين مختلفتين متعارضتين شكلا و مضمونا ،هذا ما أدى إلى البحث عن بديل ديموقراطي شمولي يشمل مصالح الإثنتين دون المساس بينهما .
لم يكن “سيغموند فرويد” أقل حنكة سياسية كما لم يعرف الجميع حقيقته ،بعد أن إختزلوه كطبيب نفسي لا غير ،كان كل إهتمامه هو كيفية شرعنة إحدى الديموقراطيات القومية الوطنية على أخرى قومية وطنية مختلفة عنها في كل شيء ،لم يستطع من خلال أعماله السياسية في هذه الوضعية المشكلة سوى أن ينحاز إلى إحداهما معتمدا على إنتمائه القومي دون أن يراعي للضوابط المعقلنة المتساوية فكرا لا عددا ،الشيء الذي جعل من نظريته الثلاثية الأبعاد نظرية موالية للسقوط ،إثر التناقض القاتل حيث إن كانت “الأنا الأعلى” عقلانية و “الأنا” و “الهو” عقلانيتان بالرغم من المساحة الشاسعة و التأريخ المتفاوث بينهن ،فإن قدرتهن العقلية تبقى متساوية دون أن تستولي إحداهن على الأخرى ،و بذلك تستقل كل واحدة عن الأخرى مما يجعل من الإنسان كائنا عقلانيا حرا ،وليس ضحية غريزية كما إدعى “فرويد” في نظرياته النفسية ،مما جعل منه أن يراجع إنهياره العلمي النفسي الشيء الذي جعل منه أن يقصي العقل بشكل قطعي مدعيا بأن الإنسان كائن حيواني التفكير…
من هذا المنطلق تتضح خطورة و تناقض الديموقراطية القومية الشمولية التي مازالت هي الرائدة في العالم بقوانين محكمة و مشددة و بمواثيق و مؤامرات خفية و علنية .
لم يكن “ماركس” يختلف على “فرويد” في شيء سوى غير أن ماركس أعلنها ديموقراطية شمولية من الجانب الإقتصادي ،وجزئية نخبوية قومية من الناحية السياسية و الفكرية ،حيث لم تكن نظرة ماركس سوى في ترجيح كفة الجزئية على الشمولية بٱعتبار هذه الأخيرة كمجرد خطاب إديولوجي يلقي بظلاله على الأولى ،و كان كتابه الأخير (بؤس الفلسفة) يوضح مذى صعوبة ما كان يطمح له مشروعه الفكري ،حيث كان في تناقض مع ما كان يفرض عليه التفكير من أجله ،كان كتاب (بروتكولات حكماء صهيون) يكشف نية ماركس و فرويد و سارتر و ألبير كامو……
مما جعل الكل يلتفث إلى التشكيك في قضية الديموقراطية ،و الإستفهام بهل كان مفهوم الديموقراطية مفهوما شعبويا يشمل كل الشرائح الإجتماعية؟؟؟ أم كان مفهوما مصطنعا من جهات خاصة فقط؟؟؟ ،لا على الأغلبية المتوسطة سوى إزدرادها دون أن تتمعن في مذى صلاحية و مشروعية المفهوم ،لقد كانت هذه الأسباب هي الرئيسة لرحيل “ماركس” من ألمانيا و فرنسا و هولندا مضطهدا إلى أن إستقر في بريطانيا بوصاية مشددة من صديقه “فريدريك أنگلز”.
لم ينتصر مشروع سقراط و أفلاطون و كانط و گيفارا و مانديلا و غاندي و لونيس و الهباز … الديموقراطي الإنساني قبل الإنتماء الإثنولوجي و الإثنوغرافي .
كانت للتجارب السوڤياتية وقع كبير على جرائم إنسانية بإسم ديموقراطية قومية تستمد الشرعية من العرق و الكتاب المقدس الخاص بالنخبة ،حيث كان “لينين” من بين من أحي البلاشفة اليهود على كل الأجناس السوڤياتية الأخرى حيث قال لينين في كتابه (التنين) :أقتلوا كل من يقول أنا روسي و أتروكوا البلاشفة .
لم يقف لينين على حد قوميته العرقية بل تجاوز ذلك إقتصاديا و ثقافيا بمقولته الشهيرة : (لا يهمني إن هلك ثلاث أرباع العالم ،المهم أن يكون الربع الخالي شيوعيا) ،ثم يعود لينتقض نفسه في كتابه (الثورة و العقل) حيث يقول :أي حركة تنبني على فكر إثني،ديني،عرقي فهي حركة عنصرية .
لم يعد هذا غريب بأن نسمع التناقضات على القياديين الديموقراطيين فلم يكن لينين لوحده عنصريا بل “ستالين” و “هتلر” و “موسوليني” و “ماوتسي تونغ” و “فرانكو” و” نابليون” وزكي سخان” و “هولاكو”….
لقد شرعت الديموقراطية القومية لهذه الكوارث الإنسانية التي دبرها الدهاة و نفدها الشجعان و مات من خلالها الضحايا و كسبها الدهاة من جديد .
لم تكن الديموقراطية التي كان يدعو لها “علال الفاسي” في خطابه و كتابه (النقد الداتي) تقل أهمية عن ديموقراطية “إدولڤ هتلر” ،ولا تبعده من لائحة المجرمين المذكورين في حق الشعب الأمازيغي الأصيل الذي دافع بكل وطنية من أجل التحرير ،وتخطيطه لما ورد في معاهدة “إكس ليبان” و مخطط “الظهير البربري” من مؤامرة عربية_فرنسية ضد الأمازيغ .
كان الفكر الستاليني لا يبرح مخيلة “المهدي بن بركة” الذي لم يتوانى بقولته التي تثبت ضعف وعيه الديموقراطي : (الطفل البربري هو الطفل الذي لم يلج المدرسة) ،لم يخطىء الصواب لما عجز عنه هو نفسه مما حققه “مولاي محند بن عبد الكريم الخطابي” من فكر و إسترتيجيات و نظريات إجتماعية… ،لم يكن بن بركة سوى عميل للحماية الفرنسية و النظام المغربي بعد تورطه في إغتيال (عباس المسعدي) منسق جيش التحرير إبان الحماية الفرنسية ،مازال الجميع يبكي على أطلال بن بركة معتقدين أنهم يندرجون تحت راية ديموقراطيته و خطابه الوطني المزيف الذي تلاعب بقضايا الشعب المغربي و العربي بشكل عام لأجل جهات خارجية لاوطنية ،إن اليسار المغربي يخلو من الفكر الماركسي البناء الذي يستمد قوته من النظريات العلمية الإشتراكية ل”ماركس” و “أدم سميت” و “ديفد ريكارد”….
لم تكن السياسة فقط مستقر العمالة بل كانت حتى مجال الفكر و الكتابة أمثال ” محمد عابد الجابري” الذي كتب على العروبة و الإسلام ناكرا حقيقة علمية و فكرية في ميدان اللسانيات و السياسة و السوسيولوجيا ،كما لم يتردد “عبدالله العروي” في طمس الحقيقة التاريخية للشعب المغربي إلى أن كان كتابه (من ديوان السياسة) أول مشروع ممخزن لبداية الجرم في حق الأمازيغية ،حيث لم يكن إعترافه بالأمازيغية سوى بدافع سياسي لصالح النظام المغربي و النخبة السياسية التي تهافتث على القضية بغية الإسترزاق ،مما نتج بذلك تأسيس سجن للأمازيغية بإسم (المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية).
لم يتساءل أحد إلى الآن لماذا تم حدف نصوص العروي من الكتب المدرسية ؟؟؟ ،و لماذا لم تتلقى كتب المفكر “إبراهيم أبراش” قبولا في الطباعة المغربية؟؟؟ ،و لماذا نفي المفكر الكبير “المهدي المنجرة” طوال حياته دون أن نستعين بمنجزاته في ميدان التربية التعليمية و الثقافة و السياسة؟؟؟؟ ،علما أن نظرياته إكتسحت آسيا و أمريكا و أوروبا ؛لماذا لم يخرج الشعب المغربي يندد بالمهدي المنجرة و “علي صدقي أزايكو” ؟؟؟ .
إن الديموقراطية القومية هي أبشع سلاح فتاك حكم العالم إلى يومنا هذا ،إذن فلا عدالة إجتماعية مذام هناك ديموقراطية قومية تمثل عرقا واحدا ،دينا واحدا،لغة واحدة،ثقافة واحدة،سياسة واحدة،نزعة واحدة،مرجعية واحدة،مصدرا واحدا…. .
الديموقراطية الحقيقية هي التي تنبني على القاعدة الإنسانية و المنطق الأخلاقي التي تشمل كل ما هو إنسان من الجانب الثقافي و الإجتماعي و الإقتصادي و السياسي و حرية التفكير و التعبير و المقارعة الفكرية في كل شيء .