المعارضة العربية تخذل الحركة الكردية في سوريا

عبد الحليم سليمان عبد الحليم

استبشرنا خيراً بالحراك الجماهيري الذي تشهده  البلاد مع اتساع رقعتها جغرافياً وبشرياً وشارك فيها الكورد منذ اللحظة الأولى ففي 14 آذار في سوق الحميدية كان الشباب الكورد موجودون هناك وفي 15 آذار أيضاً كان الكورد من الذين تعرضوا للضرب أمام وزارة الداخلية ثم تتالت الأحداث و الموقف الكردي محسوم من الاحتجاجات تجلى بانحياز كامل للشعب السوري الذي هو جزء منه عبر تاريخ سوريا منذ لحظة ولادتها، ليس هذا فحسب بل الرد القوي كان من الكورد يوم الجمعة الذي تلا خميس مرسوم الجنسية الذي اعتبره الكثير من المعارضين على أنها صفعة من الكورد على النظام وللأسف من تشدقوا بهذا الموقف اليوم لا يعترفون بالكورد.
على المعارضة العربية أن تعي أن الكورد في سوريا لن يتراجعوا إلى الوراء، فحجم الاحتجاجات الموجهة ضد النظام والمطالبة بالحرية ستتطور في الأيام المقبلة و ستأخذ منحاً مغايراً ما لم تعمل المعارضة للاعتراف صراحة بالكورد في الدستور القادم على أساس الشراكة بشكلها العمودي أي يجب أن يكون الكورد شركاء في هذا الوطن من أعلى هرم الدولة إلى قاع هيكليتها .
ثم لماذا هذا التعنت غير المفيد من المعارضة تجاه الكورد و الحوارات واللقاءات التي بدأت منذ عشرات السنين بين الكورد والمعارضة لم تُفهمها طبيعة القضية الكردية ولم تنحى بها للنظر إلى الكورد بنظرة مختلفة عن النظام، إذن ما الذي جناه الكورد من تحالفهم مع معارضة كانت مدفونة في غرف المنازل ومختنقة و لم تخرج بموقف واحد على مدى عشرات السنين للشعب السوري سوى بمواقف شخصية خجولة تجاه القضايا السورية ، بل أحيتها القوى الكردية في إئتلاف إعلان دمشق وغيرها من التحركات لا بل كان الكورد الجسر الواصل بين المختلفين والمتناقضين من أطراف المعارضة وقالها مؤخراً رئيس حزب PYD صالح مسلم مازحاً أن أحد الشخصيات في المعارضة طلب من الأكراد ليأتوا ويجمعوا و يوحدوا المعارضة العربية كما وحد الكورد أنفسهم في الفترة الأخيرة.
الآن الكورد يحسون بالخسارة بعد كل هذه السنين والجهود التي بذلت من أجل بلورة رؤية وطنية واضحة تجاه القضية الكردية التي هي قضية  شعب يقطن أرضه التاريخية منذ آلاف السنين وحسب  برامج و أدبيات الأحزاب الكردية عن نشوء سوريا فإن الكورد الحقوا بالبلد الجديد سوريا بعد سايكس بيكو وجمع القدر المكونات الجديدة في بلد واحد وجديد اسمه سوريا فدافعوا عنه سوية بكل ما يملكون و استشهد الكورد في جميع الساحات و المواقف الوطنية  بدءاً من المعركة الأولى التي قادها الكردي يوسف العظمة و انتهاءً بما يجري الآن في البلاد مروراً بجميع الحروب والمعارك التي فرضت على الشعب السوري لذا شهداءنا الكورد هم بالآلاف كغيرنا في سوريا و كلها من أجل سوريا أيلم تكن من أجل المصلحة الذاتية القومية.
ما يؤسف عليه بالفعل هو أن المعارضة على استعداد لفتح أزمة مقبلة مع الكورد نتيجة التعنت القومي العروبي لدى الكثيرين منهم أمثال الأستاذ حسن عبد العظيم الذي يعمل في مجال القضاء والعدل ، وهنا نتساءل هل من العدل يا أستاذ عبد العظيم وأنت الثمانيني أن تهضم أنت الآخر حقوق الكورد و تحاول بكل الوسائل أن تمحي ثقافة و كيان شعب كامل وصهره في فكرة لم تغني العرب ولم تنفعهم بل كانت سبباً في تراجع الكثيرين لأنها نظرية أثبتت فشلها وعدم جدواها ثم لماذا تسيئون للأمة العربية  وتضعونها في خانة أن الأمة العربية حيثما تواجدت هو شرط لمحو الآخر؟.
هل يختلف عبد العظيم و غيره من المعارضين الرافضين بالاعتراف بالكورد عن غيرهم أمثال الذين خططوا ونفذوا مشاريع  بحق الكورد  هل يختلف عن الذين محوا الكورد بحجة انتمائهم للأمة العربية هل يختلف عن الذين  حاكموا الناشطين الكورد بتهمة اقتطاع جزء من أراضي الجمهورية العربية السورية و إلحاقها بدولة أجنبية ” غير موجودة” كل هذا و الأستاذ عبد العظيم  و غيره ما زالوا معارضين أي لم يصبحوا مسؤولين رسميين ولم يتقلدوا أي سلطة بعد.
وماذا عن الإسلاميين الذين من المفترض أن يكونوا مؤمنين بقول الله في القرآن الكريم الذي يقرّ بتعددية البشر واختلاف أعراقهم وألوانهم وألسنتهم هل هم الآخرين يرون الكورد من أهل دينٍ آخر غير الإسلام و بالتالي لايحق لهم الحقوق الكاملة  .

إن تواجد الكورد في جميع الساحات في هذه الاحتجاجات في مختلف مناطق سوريا مثل ضواحي دمشق و حلب وحماة وحتى اللاذقية وحمص عدا عن المناطق الكردية الأساسية يوجب على المعارضة احترام القضية الكردية و حلها كما ينبغي لطالما أن الكورد أعطوا الضمانات النافية لنية الانفصال ثم أنه حقاً من المعيب على أي طرف كان أن يفكر في الكورد على أنهم انفصاليين و هم الذين ضحوا من أجل الوطن السوري آلاف الشهداء و على المعارضين أن يغيروا من تفكيرهم تجاه الكورد وقضيتهم في زمن تغير فيه النظرة فيه إلى الأوطان والأفكار الضيقة و الصيغة التي وردت في الخبر الصحفي عن الاجتماع التأسيسي لهيئة التنسيق على الشكل التالي” كما تطرق لمسالة الاعتراف بالوجود القومي للكرد السوريين ضمن وحدة البلاد أرضا وشعبا وان سورية جزء لا يتجزأ من الوطن العربي والعمل معا لإقرار ذلك دستوريا ” ناقصة و فيها مناورة ومراوغة لا يحتاجها الكورد ولا تنطلي عليهم أما بقية النقاط فكيف سيعترف بالكورد في الدستور و سوريا شعب واحد وجزء من الوطن العربي أي أن جميع السوريين عرب و لا غير ذلك و هذا الاعتراف لن يكون سوى اعتراف شكلي قد يكون مجاوراً بالاعتراف بغير الكورد كالشركس والشيشان والآثوريين و الأرمن وهذا مالا يشكل أي مشكلة بالنسبة للكورد لكن الاعتراف الدستوري يجب أن يتوخى الوضوح و الشفافية لأنه دستور لا أن يكون كأحجية مركبة تختبر ذكاء القراء.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نارين عمر ألا يحقّ لنا أن نطالب قيادات وأولي أمر جميع أحزاب الحركة الكردية في غربي كردستان، وقوى ومنظّمات المجتمع المدني والحركات الثّقافية والأدبية الكردية بتعريف شعوب وأنظمة الدول المقتسمة لكردستان والرّأي العام الاقليمي والعالمي بحقيقة وجود شعبنا في غربي كردستان على أنّ بعضنا قد قدم من شمالي كردستاننا إلى غربها؟ حيث كانت كردستان موحدة بشمالها وغربها، ونتيجة بطش…

إبراهيم اليوسف منذ اللحظة الأولى لتشكل ما سُمِّي بـ”السلطة البديلة” في دمشق، لم يكن الأمر سوى إعادة إنتاج لسلطة استبدادية بشكل جديد، تلبس ثياب الثورة، وتتحدث باسم المقهورين، بينما تعمل على تكريس منظومة قهر جديدة، لا تختلف عن سابقتها إلا في الرموز والخطاب، أما الجوهر فكان هو نفسه: السيطرة، تهميش الإنسان، وتكريس العصبية. لقد بدأت تلك السلطة المزيفة ـ منذ…

شادي حاجي سوريا لا تبنى بالخوف والعنف والتهديد ولا بالقهر، بل بالشراكة الحقيقية والعدالة التي تحفظ لكل مكون حقوقه وخصوصيته القومية والدينية والطائفية دون استثناء. سوريا بحاجة اليوم إلى حوارات ومفاوضات مفتوحة وصريحة بين جميع مكوناتها وإلى مؤتمر وطني حقيقي وشامل . وفي ظل الأحداث المؤسفة التي تمر بها سوريا والهستيريا الطائفية التي أشعلت لدى المتطرفين بارتكابها الجرائم الخطيرة التي…

د. محمود عباس في عالم يتأرجح بين الفوضى والنظام، يبرز المشهد السياسي للولايات المتحدة في ولاية دونالد ترامب الثانية (2025) كمحطة حاسمة لإعادة تعريف التوازنات العالمية. إن صعود ما يُمكن تسميته بـ “الدولة العميقة العصرية”، التي تجمع بين النخب الاقتصادية الجديدة والتكنولوجية والقوى السياسية القومية، يكشف عن تنافس ضمني مع “الدولة العميقة الكلاسيكية”، المتمثلة في المؤسسات الأمنية والعسكرية التقليدية. هذا…