التقرير السياسي الشهري لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا -يكيتي-

في بادرةٍ ملفتة توحي بمدى حرص الجانبين السوري والتركي على تجنب دفع الأمور باتجاه مزيدٍ من الفتور والجفاء في العلاقة الثنائية، وإثر ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية في تركيا أواسط حزيران2011م وفوز حزب العدالة والتنمية بأغلبية المقاعد، بادرَ الرئيس بشار الأسد بإرسال برقية تهنئة إلى رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان متمنياً له الخير ودوام النجاح، وذلك في رسالة تعني بوضوح أنّ سوريا حريصة على التمسك والإلتزام بعلاقات الصداقة وحسنِ الجوار مع الجارة الشمالية وما تجمعهما من عشرات الإتفاقات على مختلف الصعد،
 تلى ذلك إعلانٌ رسمي من الجانب التركي بأن ثمة زيارة قريبة يقوم بها وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو إلى دمشق، في وقتٍ بدا فيه الإعلام التركي بوجه عام وتصريحات كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين في أنقره بوجهٍ خاص يخفف كثيراً من مستوى وحجم الاهتمام بما يجري في الداخل السوري مما يدفعنا إلى القول بأن التعاطي التركي مع الملف السوري قبل الانتخابات مختلفٌ عما سيكون بعد ظهور نتائج الانتخابات التي لطالما كان أركان حزب العدالة والتنمية بصفاتهم الحكومية الرسمية وتلك الأهلية غير الحكومية تحت يافطة جمعيات الخير والإغاثة، ناهيك عن وسائل الإعلام العائدة للحزب المذكور منشغلاً كثيراً بما يجري في سوريا وساعياً بقوة لإضفاء طابعٍ طائفي على مجريات الأمور، حيث كان هذا المنحى الإعلامي التركي العائد لحزب أردوغان يتطلع إلى جلبِ مزيدٍ من الأصوات لصالح مرشحيه وإن اقتضتْ تلك اللعبة اللجوءَ إلى العزف على الوتر الطائفي البعيد كلَّ البعدِ عن قيم الديمقراطية وقضية السلم الأهلي في كلٍّ من سوريا وتركيا، حيث أن العزفَ على هذا الوتر الممجوج كان له صداهُ الواسع في عموم تركيا وأثارَ حفيظة الكثيرين ليس في كل من سوريا وتركيا فحسب، بل وفي العديد من دول وشعوب المنطقة.

   جديرٌ بالإشارة وكذلك بالإشادة أن الوسطَ الكردي بفعالياته السياسية والثقافية والمستقلة قد حققَ نجاحاً غيرَ مسبوقٍ في معترك الانتخابات البرلمانية الأخيرة في تركيا حيث فازَ بستة وثلاثين مقعد برلماني، وتراجعَ نفوذُ حزب أردوغان وكذلك نفوذ أحزاب تركية أخرى معروفة بنزوعها القومي المتشدد الناكر لحقيقة وجود قضية كردية عادلة في تركيا بحاجة ماسة إلى حلٍ سلمي بعيداً عن لغة العنف والعسكريتاريا.
   وبالعودة إلى الهم الوطني الأساس في بلدنا سوريا الذي تتصدره حركة احتجاجية سلمية من الواجب حمايتها بشتى السبل، تبدو من الأهمية بمكان ضرورة وقف التعامل معها بلغة القتل والقمع والإذلال، أو الركون إلى نمطية الإعلام الرسمي الممجوج في أعين وعقول غالبية الشعب السوري منذ زمنٍ طويل.

فالخطاب الرئاسي الأخير لم يشِرْ إلى هذه الضرورة الوطنية الملحّة حيث أعقبَهُ توسع نطاق الحركة الاحتجاجية وازدياد في عمليات القتل والاعتقال العشوائي، رغم أنه وللمرة الأولى أشارَ الخطاب وبصراحة غير مسبوقة إلى احتمالية إجراء تغييرات دستورية سواءاً عبر إلغاء المادة الثامنة من الدستور الذي يشرعنُ ويبيح لحزب البعث قيادة الدولة والمجتع، أو عبر طرح مشروع دستور جديد يلبي متطلبات المرحلة ويواكب العصر.

من جهة أخرى وفي إطار الحراك الوطني الديمقراطي العام في البلاد، تشهد العاصمة دمشق والساحة الوطنية عموماً سلسلة مؤتمرات ولقاءات تشاورية وجلسات حوارية واجتماعات مصغرة وأخرى موسعة، الهدف منها هو تشخيص الواقع ورؤية معطياته كما هي وكما هو عليه الحال، وذلك بغية إيجاد وبلورة مخرج سياسي للأزمة الشاملة التي تعيشها البلاد بعيداً عن لغة وخيار القمع والعنف ضد التظاهرات السلمية والحراك الشبابي التواق إلى الحرية والكرامة، حيث باتت شعارات ومطالب محقة ومشروعة تتصدر الساحة الوطنية من قبيل: الوقف الفوري للعنف وضمان حرية التظاهر وسحب قوات الجيش من المدن- دستور جديد للبلاد-قانون عصري لتنظيم عمل الأحزاب وآخر للإعلام- قانون عصري للانتخابات المحلية والتشريعية- مؤتمر وطني شامل واعتماد مبدأ ولغة الحوار، يفضي إلى نتائجَ ومقرراتٍ وتوصيات بناءة تخدم الصالحَ العام، ليجري تطبيقها وفق جدول زمني معين يضمن متابعة وحث الخطى على طريق الانتقال بالبلاد من مرحلة الاستبداد وحكم الحزب الواحد إلى مرحلة التحول الديمقراطي الآمن وإنجاز مهام التغيير الوطني الديمقراطي السلمي بعيداً عن العنف وإراقة الدماء.
   إن مرحلة المخاضِ هذه التي تعيشها سوريا اليوم تستوجب تضافرَ كل الجهود المخلصة من قوى وأحزابٍ سياسية ونخب ورموز وطنية أكاديمية ومثقفة وشخصيات مستقلة ومن مختلف ألوان الطيف السوري ومكوناته دون تهميشٍ أو إقصاء لأحد، ليتحقق التلاقي تحت سقف الوطن ويكون أدب الحوار وتبادل الرأي هو السيد، والعمل من أجل التغيير الوطني الديمقراطي هو المبتغى، ولا ضَيرَ من أن تتباينَ أنماطُ التفكير والرؤى، وتتمايز الآراء والمواقف كالذي حصلَ مؤخراً بين وفد أحزاب الحركة الوطنية الكردية في سوريا من جهة وبعض الإخوة في قيادة أحزاب عربية معارضة في التجمع الوطني الديمقراطي السوري المعارض وغيره، وتريثنا في التوقيع على وثيقة هيئة تنسيق والمشاركة فيها وذلك من منطلق ألا نكون طرفاً في تعميق الشرخ وتشتيت شمل قوى المعارضة الوطنية الديمقراطية من جهة وإصرار البعض على إبقاء الإلتباس في النص المتصل بالقضية الكردية في وثيقة هيئة التنسيق تلك من جهة ثانية مما يحملنا إلى مزيدٍ من العمل والتواصل واحترام الرأي والرأي الآخر بعيداً عن أي استعلاء قومي أو ديني من قبل أيٍّ كان، ولترتفع عالية راية الاستمرار في العمل من أجل التغيير الوطني الديمقراطي، من أجل السلم والحرية والمساواة.
04/07/2011م
اللجنة السياسية
لحزب الوحــدة الديمقراطي الكردي في سوريا-يكيتي-

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…